المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علمك بالجهل يخرجك من دائرته


ابوفيصل الاول
20-03-09, 05:54 PM
علمك بالجهل يخرجك من دائرته.. هل بمقدور الجاهل أن يحيط بجهله؟

هل نحن حقا في حاجة إلى علم خاص بالجهل؟ فالجهل في عرف المتكلمين عدم وفراغ وظلام .. فكيف لنا بعلم يقتحم فضاء ليس فيه شيء أو يفكك جسما هو في الأصل غير موجود؟ أو يدخل مكانا تنعدم فيه الطاقة؟ ولكن للعلامة إبراهيم البليهي كلام غير ذلك ذكره في حديثه في اللقاء الثقافي الأول لنادي "الاقتصادية" الصحافي, فهذا الأستاذ تدهشك قدرته الفائقة على تفكيك الواقع والغوص عميقا والوصول إلى ما يشكل هذا الواقع في سلبياته وإيجابياته. وتتلمس في فكر هذا العالم أن الواقع بما يختزنه من أمور مادية ومعنوية ما هو إلا تعبير عن الثقافة التي يرجع إليها المجتمع الذي يعيش ذلك الواقع, وبالتحديد فإن الواقع تعبير عن الثقافة التحتية على اعتبار أن هناك ثقافة فوقية وثقافة تحتية وثقافة ظاهرة وثقافة باطنة. تشخيص الواقع وفهم ما يعتريه من ضعف أو خلل أو انحراف يتطلب منا الذهاب إلى ما بعد الثقافة الفوقية, فالفوق والظاهر هو دائما حالة فيها كثير من الزيف والتزيين والأقنعة, وهي كلها تريد أن تعطي للواقع صورة على غير حقيقته. الأستاذ البليهي يجتهد بفكره وقلمه أن يكسر هذا الفوق وأن يزيح عنا هذا الظاهر لنواجه ثقافتنا على حقيقتها, فثقافتنا مريضة ومرضنا بمرضها. فإذا كان الجهل عدما فكيف لا يستشري هذا العدم واللافاعلية إلى الثقافة التي نعيش في داخلها وتحت رحمتها؟ وإذا كان الجهل فراغا فكيف للثقافة أن تملأ نفسها وتنمو في محيط هو في الأصل يفتقر إلى ما يجب أن يعطيه لتلك الثقافة؟ وإذا كان الجهل ظلاما فمن حق الثقافة أن تتخبط في مسارها وألا ترى من هدف تسعى إليه وألا نتلمس مردودا أو بركة من حركتها.

المهمة الكبرى هو كيف لنا أن نخرج بثقافتنا من دائرة الجهل, وسنكتشف أن هذا الخروج والانعتاق من دائرة الجهل هو البداية الصحيحة للارتقاء بواقعنا. الجهل بمقدوره أن يدمر كل شيء في حياتنا وأن يشوه حتى المبادئ والمعاني الجميلة التي نستبطنها في فطرتنا وفي أنفسنا. فما نفهمه من مصطلح علم الجهل الذي يدعو إليه الأستاذ البليهي هو من باب الدعوة إلى الخروج من ذواتنا ومن ثم إعادة بناء هذه الذات خارج قوالب الجهل التي كانت محبوسة فيها, وبالطبع لا نستطيع إنجاز هذه المهمة من دون قوة دفع علمية طاردة تدفع بنا خارج دائرة الجذب لهذه القوالب, فالمقصود بعلم الجهل هنا هو توظيف العلم للخروج من دائرة الجهل وليس المقصود طبعا مزيدا من الالتصاق بالجهل بحجة معرفته. العلم خير من يساعدنا على كشف لغة الجهل, وبفهم لغته نستطيع التعرف على أسراره ومكنوناته.

هناك استغراب شديد لشدة تأخر العرب على الرغم من محاولات مستميتة كثيرة قام بها علماء ومفكرون سابقون ومعاصرون للنهوض بنا, وما كان لهذه المحاولات أن تفشل لو وحدت قواها لانتشال الثقافة العربية من دائرة الجهل. ولعل أول قوالب الجهل التي في حاجة إلى الكسر هو القالب الذي لم يسمح للبعد الإنساني بأن يكون له حضور قوي في ثقافتنا, فنحن قبليون ومناطقيون وقوميون وأتباع مذاهب معينة, وقلما نقدم أنفسنا كأناس لنا ما للآخرين من حقوق وعلينا مثل ما على الغير من مسؤوليات. فثقافتنا أصلت في نفوسنا أن ما يصلح للآخرين لا يصلح لنا, وأن هذه الغيرية وصلت حتى إلى عقول مفكرين, فصرنا عندهم مخلوقات لا أمل في تغيرها, فمنهم من انصرف إلى الماضي ليعيش فيه ومنهم من هرب بنفسه إلى المجتمعات الأخرى خوفا من أن يلفه الجمود الذي نعيش فيه. فلا يمكن لنا أن ننهض بثقافتنا إلا بعد أن نعيد لها إنسانيتها, نريد ثقافة تشعرنا بإنسانيتنا قبل أي شيء آخر. هذا الجهل بأهمية البعد الإنساني, باعتباره أهم مكون ثقافي, هو الذي أدى إلى الدنو والانحدار في مستوانا الحضاري, ولن يقف هذا الانحدار إلا بإعادة الإنسانية إلى ثقافتنا, فلا تقام الحضارة إلا بالإنسان, وعندما يغيب الإنسان عن معادلة الحضارة فقد يكون هناك منتج مادي ومعنوي, ولكنه بالتأكيد ليس هو الحضارة.

ومن قوالب الجهل الأخرى التي قد نستطيع الانعتاق منها بفضل هذا العلم الجديد, علم الجهل, هو عدم إدراكنا أن عالم الأفكار هو الذي ينهض بالأمم والشعوب وليس عالم الأشياء. من الجهل أن تؤسس الثقافة على تمجيد الشيء وتغييب الفكرة, فالفكرة هي المؤشر على تطور وبناء الإنسان, وما لم تكن التنمية في الخارج مواكبة لتنمية الإنسان في الداخل فإنه سينتهي بها الحال إلى أن تكون تنمية حجارة لا روح فيها, وسيكون مآلها الانهيار والسقوط.

نمط آخر من قوالب الجهل التي بمقدورنا أن نتخلص منها بفضل هذا العلم هو ما نعانيه من التباس في مسألة الحق, فالثقافة التي تشطر الحياة كلها إلى حق مطلق وإلى باطل مطلق وتعطي المشروعية لمن يدعي الحق المطلق أن يضطهد الآخر فإنها ثقافة صراع واقتتال وتنتج لأهلها من المشكلات والأزمات ما لا يمكن الخروج منها. صحيح أن هناك حقا وهناك باطلا ولكن أيضا هناك مساحة كبيرة وواسعة ليس فيها حق مطلق وليس فيها باطل مطلق, وإنما اجتهادات قد نصيب فيها وقد نخطئ لأنها أمور نسبية تتغير فيها نسبة الحق والباطل تبعا للظروف التي تحيط بها. وهناك وجه آخر للمشكلة وهو شدة تطرفنا بأن أقوالنا هي الحق وأقوال غيرنا هي الباطل, فلا عجب أن نفشل في التحاور مع بعضنا, وليس بغريب أن نعيش الطائفية الاجتماعية في حياتنا لأننا جعلنا الحق تبعا لأقوالنا, فمن يرد عليها يرد على الحق, ومن يخرج عن دائرة الحق في نظرنا لا ينتظر منا إلا اللعن والتكفير والدعاء عليه بالطرد من رحمة الله.

ومن قوالب الجهل الأخرى التي ارتبطت بها ثقافتنا عبر تاريخها الطويل, قالب اختزال المجموع في الفرد, فالتاريخ مختزل في أفراد, والتاريخ لا يكتب إلا عن أحوالهم ومنجزاتهم, والأمة تضيع إذا لم يأتها شخص يقودها ويأخذ برعايتها, ولا يهم كيف يأتيها هذا القائد وهذا المنقذ لها. حتى الدين اختزلته ثقافتنا في أفراد ومذاهب وطوائف, فصار هناك رجال دين وليس أناسا متخصصين في العلوم الدينية, وصرنا نعتقد أننا نأخذ الدين من هؤلاء ولسنا نأخذ أقوالهم واجتهاداتهم, وهذا هو الذي جعلنا نشتد في خلافاتنا مع بعضنا ونقسو على من يخالفنا لأن كل خلافاتنا باتت مقدسة بتقديسنا أصحابها, وبالتالي فهي تستحق كل هذا التشدد والتضحية من أجلها.

الثقافة عندما تستبطن الجهل في داخلها فإنها تكون في حاجة إلى علم يتقن فن تفكيك هذا الجهل الملتبس بها وتخليصها منه. ليست هذه كل قوالب الجهل التي تعانيها ثقافتنا, ولكن كلما تمكنا من هذا العلم, علم الجهل, ليس فقط تنكشف لنا قوالب أخرى نعمل على تفكيكها وإزاحتها, بل تصير عند الثقافة مناعة ذاتية تتحسس من الصور والأشكال التي ربما تتبلور في المستقبل إلى قوالب جديدة من الجهل. فالجهل المجرد يمكن التعرف عليه بيسر ويصبح من السهل التوجه إليه ومعالجته, ولكن الجهل الذي تستبطنه الثقافة جهل خفي ومن الصعب اقتلاعه, وبالتالي فإن الدعوة إلى إيجاد علم متخصص به هو من باب طلب الاستقواء والتمكين لاقتلاع هذا الجهل, فليس بالضرورة أن تحتاج كل الأمم إلى هذا النوع من العلم, ولكن بالتأكيد لا غنى للأمم المتخلفة عنه إذا أرادت حقا أن تنهض بنفسها وتلحق بركب غيرها

د / هاشم عبد الله الصالح

النجم طليان المرادي
20-03-09, 06:12 PM
شكرا لك
نقل موفق
موضوع مهم

الفارس
06-04-09, 01:22 AM
موضوع قيّم و هادف اشكر لك مشاركتنا في قراءاتك استاذنا الفاضل

ابو هيثم
06-04-09, 01:46 AM
استاذنا ابوفيصل

بارك الله فيك ونقل موفق فى هذا الموضوع الهادف

ولك تحيتى