تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سوّد الله - بيّض الله ؟


الآتي الأخير
09-11-09, 02:55 AM
يُحكى أن رجلا له صيت ومكانة في قومه، كان يمشي في شعاب مكة ذات عام لأداء فريضة الحج، ومعه أناس يمشون بجواره، فمرّ به قوم آخرون فعرفوه، فصاحوا به: "بيّض الله وجهك ياولد البيضاء"، ومضوا في طريقهم، ثم مرّ وفد آخر وقال كما قال من سبقه. وبعد فترة قصيرة من الزمن مرّ وفد آخر، فصاحوا به: "سوّد الله وجهك"، ومضوا في طريقهم. وظل طوال يومه يسمع فريقًا ينادي ببياض وجهه، وآخر يقول بسواد وجهه. فسأله من حوله: أي الفريقين نُصدّق؟، قال: صدّقوهم كلهم. فسألوه: كيف؟ فأجابهم: "كلّن يعدّ اللي لقى من رفيقه".

وفي حكاية شعبية أخرى، أن شخصًا كان مهووسًا بالتلصص على الآخرين وتتبّع أسرارهم من وراء الأبواب، وكان يتحيّن الفرصة لأداء مهمّته بعد غياب الشمس، فيختار الزوايا والحفر مكانًا يختبئ فيه لكي يقرر أي البيوت يذهب إليها للإصغاء لما يدور بين الزوج وزوجته أو بين الأب وابنه..إلخ. وذات مساء كان يمشي في الطريق فصادفه رجل آخر فمشيا معًا في الطريق وراح يسأل ذلك الرجل عمّا سمع هذا المساء، وتفاجأ الرجل من سؤاله وغضب، فأخبره أنه يتوقّع أنه ما مشى في هذا الوقت إلا بهدف التنصّت على البيوت، ثم كشف له أنه لايستطيع أن ينام فيما لو مرّت ليلة دون أن يعود منها بخبر استرقه من هنا أو من هناك. ولما علم الرجل بقصّته، خفّ غضبه وقال: "كلّن يشوف الناس بعين طبعه".

إن الحكايتين السابقتين ومافيهما من عبرة أخلاقية تفسّران ما يجري في حياتنا من مواقف متنوّعة وما يدور من حولنا من مجريات الأحداث. ويمكن الاستفادة من مضمونهما في التعرّف على تعدّد مواقف الناس من حدث واحد، فنجد مثلا مَن يمدح شخصًا أو جهة أو حالة معينة ويصفها بالنجاح لأنه نظر إليها من زاوية إيجابية يدركها وهو متيقن من وجودها. وهناك من يقدح ويرمي بأسوأ الخصال لتلك الحالة نفسها لأنه في الواقع نظر إليها من زاوية مختلفة جعلته يراها وفقًا لمقياس آخر ربما يكون نابعًا من انطباع ذاتي.

وليس ثمة مشكلة في الموقفين على اعتبار أن كل موقف يعبر عن رؤية "صادقة"، لكن المشكلة تكمن في الإصرار على الموقف فيما لو تغيّرت المعطيات وأتيح للشخص أن يرى تلك الزاوية التي لم يرها من قبل. ماذا لو اكتشفنا أن الشخص الذي نمدحه ونُسبغ عليه الثناء هو شخص لايستحق ذلك بسبب قيامه بممارسات غير أخلاقية لم نكن نعرفها عنه؟ وماذا لو عرفنا أن الشخص الذي ننقم منه هو في الحقيقة شخص صادق ونبيل لأن الظروف سمحت لنا مؤخرًا أن نعرفه عن قرب ونخبر شخصيته الحقيقية؟

القيم الأخلاقية الصادقة تقود المرء إلى تغيير رؤيته مباشرة إلى الصواب، بل إن هناك من ينتابه شعور حقيقي بالذنب لأنه أمضى وقتًا وهو في غيبوبة لم يعرف خلالها ذلك الشخص على حقيقته، أو يجد أنه وقع ضحية لفخ خداع أعمى بصيرته عن رؤية الحقيقة.

لكن، ماذا لو عرف الشخص الحقّ ثم كابر وعاند مُصرًًّا على موقفه السابق؟ هنا نجد أننا أمام قضية أخلاقية متّصلة بالظلم؛ فالشخص يصبح غير عادل مع نفسه لأنه يكذب عليها ويجبرها أن ترى القبح مكان الجمال أو العكس، بمثل ماعبّرت عن ذلك الأمثال العربية الشعرية بالقول: "ولكن عين السخط تُبدي المساوئا". وهذا الصنف من الناس أكثر حاجة إلى العلاج لأن السخط الذي يكمن في أعماقه يتحوّل إلى قبح قاتم لايرى من خلاله سوى الشر والظلام، ويصبح هذا الشخص أداة تحركها نزعات الحقد والرؤية السوداوية للعالم.

بنت الجود
09-11-09, 07:37 AM
لكن، ماذا لو عرف الشخص الحقّ ثم كابر وعاند مُصرًًّا على موقفه السابق؟

لهؤلاء أقول مثلاُ بدوياً سمعته كثيراً من أبي في دعوة لتغيير الموقف إن رأي أنه خاطئ:
"السبع إن قال كلام غيره، والنذل إن قال كلام هو إياه"
وليختار كل منا مايحب أن يكون...
هدى الله الجميع لكل ما يحب ويرضى

رائع جداً ماتطرقت له أستاذنا الفاضل الآتي الأخير
وبيض الله وجهك

كلك نظر
09-11-09, 10:28 AM
لكن، ماذا لو عرف الشخص الحقّ ثم كابر وعاند مُصرًًّا على موقفه السابق؟ هنا نجد أننا أمام قضية أخلاقية متّصلة بالظلم؛ فالشخص يصبح غير عادل مع نفسه لأنه يكذب عليها ويجبرها أن ترى القبح مكان الجمال أو العكس، .

نعم ان المكابرة في الحق لا تغير من الحقائق مهم كانت ...والعدالة ليست فقط ان نقسم شيء بنسب متساوية للأخرين ونوزعة عليهم فقط ..بل العداله تتجاوز ذلك بكثير وهي ان نعطي كل صاحب حق بما يستحق من العدالة دون ان تأخذنا لومة لائم ... اخير هذا موضوع يستحق القراءة وليست القراءة فقط بل التعمق في محتواه
شكرااا لك استاذنا الكبير

أبوسليم
09-11-09, 01:51 PM
"ولكن عين السخط تُبدي المساوئا".



شكرا ابا ثامر

ام الفهد
10-11-09, 08:18 PM
كلمات من ذهب ،، تحتاج للقراءة أكثر من مرة ..
بيض الله وجهك أستاذنا الفاضل و لا حرمنا من فكرك الراقي
و سود الله وجه كل من يكابر ولا يعود لرشده ...
سود الله وجه كل انسان يتجسس ليحاول اظهار عيب أخيه المسلم
فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
إ(( يّاكم والظّنّ , فإنّ الظّنّ أكذب الحديث , ولا تجسسوا , ولا تحسسوا . ولا تباغضوا , وكونوا عباد الله إخوانا ))


عين الرضا عن كل عيب كليلةِ
وعين السخط تبدي المساوئا

أسأل الله أن تكون أعيننا عيون رضا على عباده فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ..

الجذامي
12-11-09, 03:40 AM
فعلا كلام في الصميم
فالمكابرة في عدم اتباع الحقيقة تبني الضغينة والحقد والحسد
وتطغى في فعله وقوله وتضيع محاسن عمله
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .