تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مصطفى محمود وأزمة الشفاعة.. رؤية متأنية


الشهاب
16-11-09, 04:55 PM
د.مصطفى محمود وأزمة الشفاعة.. رؤية متأنية
رحل منذ عدة أيام الدكتور / مصطفى محمود الذي اشتهر بين المصريين جميعا ً مسلمين ومسيحيين ببرنامجه الجميل الرائع " العلم والإيمان".. والذي كان له أبلغ الأثر في صد موجات الإلحاد وإنكار وجود الله التي اجتاحت الشباب المصري في الستينات.. وكادت أن تلتهم فترة السبعينات لولا أن قيض الله لهذه المحنة رجالا ً عظاما ً استطاعوا بجهدهم وبذلهم ودعوتهم الصادقة أن يكسروا هذه الموجات ويردوها على أعقابها.. ويعيدوا صفوة الشباب المصري إلي الدين والتدين التي اشتهر بها الشعب المصري طوال حياته على مر العصور.

وكان من رواد هذا الهجوم المضاد القوي على الشيوعية والإلحاد د/ مصطفى محمود الذي استطاع هزيمة الإلحاد ودحره والتغلب عليه بالحجة تارة .. وبالتاريخ اليساري السييء أخرى.. وبالعلم ثالثة .. وبالإعجاز العلمي في القرآن والسنة رابعا.

وقد مكنه من ذلك أنه كان ملحدا ً يساريا ً قبل ذلك .. وكان مخلصا ً لهذه الفكرة .. ولكنه ظل يتفكر في هذا الأمر سنوات طويلة حتى هداه الله إلي خطأ هذه الفكرة وبطلانها بطلانا ً جذريا ً
ود/ مصطفى محمود رجل صادق مع نفسه ولا يتاجر بأفكاره .. ولا يتخذ فكره وسيلة للتكسب أو الوصول إلي المناصب .. وهكذا كان وهو في اليسار وعندما تخلى عنه وهاجمه.

وقد عرض عليه الرئيس السادات الوزارة وكان صديقا ً له قبل الحكم وبعده فرفضها.. وعرض عليه منصب رئيس مجلس إدارة دار المعارف المصرية فرفض كذلك وقال للرئيس السادات: "أنا رجل فكر .. ولست إداريا ً .. وكيف أدير مؤسسة بهذا الحجم وقد فشلت في أن أدير زواجي وأقود زوجتي".. وذلك لأنه طلق زوجتيه ولم ينجح في حياته الزوجية.

فضحك السادات طويلا ً وقال له " مين يا أبو درش يعرف يدير مراته "



وكان الأخير يحب الفكاهة والتبسط حتى بعد رئاسته للدولة .. وكنا نتندر ونحن في المعتقل على كلمات السادات هذه ونضحك كثيرا ً كلما رددناها تعقيبا ً على موقف أسري يمر بنا .. فيقول أحدنا للأخر صدق السادات" مين يا أبو درش يعرف يدير مراته "

وهكذا تعفف د/ مصطفى محمود عن طلب الدنيا مقابل خروجه عن الفكرة اليسارية .. ليضرب لنا مثلين أحدهما في الشجاعة الأدبية والرجوع إلي الحق وإنكار ذاته وهو في هذه المكانة الكبيرة .. ومن ناحية أخرى عدم المتاجرة بما يعتقده من رأي وفكر .. وترك الأمر كله لله.

ولعل مصداقية الرجل هي التي جعلت له هذا القبول الواسع من كل الأطياف بلا استثناء .. وجعلته محط احترام وتقدير من الذين يوافقونه الرأي أو يخالفونه.

ورغم هجماته القوية على الإلحاد واليسار إلا أن أكثر هؤلاء كانوا يقدرون مصداقيته ورجولته .. ولم يستطيعوا أن ينالوا عرضه بسوء.. لنظافة يده وتعففه عن المغانم الدنيوية التافهة.

ويكفي أن تعلم هذا البرنامج العظيم "العلم والإيمان" لم يرصد له التليفزيون المصري إلا مبلغا ً تافها ً لا يوازي أجر كومبارس في مسلسل .. فقد رصد له التليفزيون مبلغ ثلاثين جنيها ً عن كل حلقة .. ولذا فإن هذا المشروع كاد أن يتوقف نهائيا.

ولولا همة وكرم أحد رجال الأعمال وقتها ما كان هناك برنامج مثل هذا .. فقد حمل هذا الرجل على عاتقه جميع تكاليف البرنامج بدء ً من ثمن شراء الأفلام العلمية التي كان يشتريها د/ مصطفى محمود بنفسه من أمريكا وأوروبا وانتهاء بكل شيء يحتاجه البرنامج .

وقد حقق هذا البرنامج أعلى نسبة مشاهدة في التلفزيون المصري .. واستمر لعدة سنوات حتى وصلت حلقاته إلى أربعمائة حلقة كاملة .

وكان الجميع ينتظر الساعة التاسعة مساءً يوم الاثنين من كل أسبوع ليعيشوا بوجدانهم ومشاعرهم مع آيات الله في كونه ليقرنوها بآيات الله في كتابه.. ليطووا صفحة كئيبة من صفحات البعد عن الله..

وكان د/ مصطفى محمود يبدأ دوما ً بكلمة "أهلاً بكم" التي تصل إلى قلوب الناس جميعاً.
ولكن فوجئ الناس في يوم من الأيام برفع هذا البرنامج الرائع من خريطة التليفزيون رغم أنه لم يكلفه شيئاً.

ما السبب ؟..وما السر؟.. ومن فعل ذلك ؟ الله أعلم.
ورغم ذلك فقد انتشرت فكرة هذا البرنامج في كل تليفزيونات المنطقة العربية.. وتسابق الدعاة والعلماء للبحث عن آيات الله الكونية وآياته في خلقه وربطها بآيات الله المتلوة والمقروءة.

واستلم الراية منه كثيرون مثل د/ عبد المجيد الزنداني والشيخ الشعراوي ود/ عبد الباسط ثم د/ زغلول النجار وغيرهم .. وهؤلاء كانوا أعمق فقها ً وعلما ً بأصول الدين وأحكامه من د/مصطفى محمود.. الذي اهتدى إلى الله في أخريات حياته ولم يكن له سابق دراسة دينية تأصيلية في علوم الشريعة الأساسية .

ويتميز د/مصطفى محمود بحبه لعمل الخير ..فهو ليس مجرد داعية يقول كلمته ويمضي إلى حال سبيله ..وليس فيلسوفاً منعزلاً عن الحياة وعن الناس ..وليس مفكراً يعيش في برج عاجي ..ولكنه رجل بسيط يشعر بآلام الناس وأحزانهم وأمراضهم وآهاتهم .

وقد هداه الله لصنع الخير بطريقة مؤسسية تضمن لها الاستمرار والاستقرار والتواصل .. ولا تعتمد على وجود شخصه فحسب .

وأنا أحب صناع الخير أيا ً كانت أفكارهم وآراءهم ..ولعله استفاد في ذلك من تجربة المرحوم / مصطفى أمين ذلك الكاتب الخير الذي كان يؤمن بأن صنع الخير في صورة عمل مؤسسي يضمن لها الاستمرار والاستقرار ..وهو صاحب فكرة مشاريع الخير مثل لست وحدك – أسبوع الشفاء – ليلة القدر ..إلخ هذه المشروعات العملاقة والمستمرة حتى اليوم .

المهم أن صاحبنا د/مصطفى محمود اشترى قطعة أرض في المهندسين بالقاهرة من عائد بعض كتبه وأقام عليها مسجدا ً ضخما وأسماه على اسم والده"مسجد محمود"الذي كان محبا ً للخير وتوفي وهو مشلول.. وهو مازال في مقتبل عمره ..ثم أقام فوق هذا المسجد وبجواره ثلاثة مراكز طبية عريقة في الطب لعلاج المرضى محدودي الدخل جميعا ً من مسلمين ومسيحيين بأسعار مخفضة وعلى أيدي أساتذة في كليات الطب من محبي الخير ومن عشاق المعروف ..وألحق بهذه المراكز الطبية مركزا ً فلكيا ً به أربعة مراصد فلكية ومتحفاً للجيولوجيا.. وقد قلده في عمل مستشفيات خيرية فوق المساجد خلق كثير من الأثرياء الصالحين من صناع الخير.

أما المشكلة الأكبر في حياة د/ مصطفى محمود فهو إنكاره لأحاديث الشفاعة وهي أحاديث صحيحة متواترة وردت في القرآن والسنة.. أو تأويله لها تأويلا ً يحذف معنى الشفاعة نفسها.. مع أن شفاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من ثوابت العقيدة الإسلامية.. ولم يختلف عليها أحد من علماء السلف أو الخلف الثقات الأثبات أبدا ً .

فلماذا وقع رجل في مثل سن وقدر وعلم وفهم د/ مصطفى محمود في هذا الخطأ البسيط الذي لا يقع فيه طالب أزهري بسيط؟

ولماذا يجعل نفسه في أخريات حياته نهبا ً للقيل والقال؟.. ومقصداً للطعن؟.. أو الرد عليه ردا ًمفحما ً على الأقل؟!!!

فقد رد عليه علماء الأزهر الرسميين وغير الرسميين.. ومعظم الدعاة والعلماء من كل حدب وصوب.. حتى أحصى البعض أكثر من عشرة كتب ترد عليه مباشرة.. وعشرات أخرى ترد عليه بطريقة غير مباشرة.

وقد فكرت طويلا ً في هذا الأمر.. وظللت أناقش ذلك مع أحبة أثق في آرائهم وعلمهم حينما حدثت هذه الأزمة منذ عدة سنوات .. وقلت لهم ما السر بعض كبار المثقفين أو المفكرين في أخطاء عقائدية في أصول الدين وثوابته المعروفة لدى كل من درس الإسلام وعرفه.

كيف يقع مثل هذا العبقري في ذلك الخطأ البسيط والفادح في نفس الوقت.. والذي لا عذر له فيه؟
لقد وجدت هذه المشكلة متكررة في نماذج كثيرة مثل د/ مصطفى محمود وأ/ عادل حسين، وروجيه جارودي وأ/ صافيناز كاظم ، وغيرهم بدرجة أو بأخرى.. ورأيت أن الجامع الذي يجمعهم جميعا ً هو دخولهم حظيرة الإسلام أو الإيمان وهم كبار السن والقدر والمقام.. وبعد أن أصبحوا ممن يشار إليهم بالبنان.

ولاحظت أن أكثر الذين يدخلون حظيرة الإيمان والهداية وهم في مقام المفكر الشهير أو الفيلسوف المعروف يدخلونه دون دراسة متأنية سابقة لثوابت العقيدة الإسلامية وأركان الإسلام التي لا تقبل التغيير ولا التبديل.. ولا يدركون جيدا ً المساحة التي ينبغي للعقل أن يعمل بها.. والمساحة التي يحظر عليه الدخول فيها.

كما لاحظت أن معظمهم لا يقبلون وهم في هذه السن أن يبدأوا بدراسة أصول العقيدة وثوابتها.. فهم لا يقبلون أن يبدأوا بالمرحلة الابتدائية في الشريعة .. وهم من هم من أهل الفكر والرأي والثقافة والتقدم بين الناس.

كما أنهم لا يتحوطون في الخوض في كل مسائل الدين والحياة من أصغرها إلى أكبرها.. فقد تعودوا على ذلك منذ شبابهم.. فهل يتركونه بعد هدايتهم إلى الحق وبعد أن صاروا أفضل من ذي قبل؟!!.

كما أن العلاقة بين النص والعقل تكون غير واضحة لهم.. فقد اعتادوا طوال حياتهم على إعمال عقولهم في كل شيء.. كما أن مكانتهم وقدرهم تحول بينهم وبين الإنصات لرأي من هم أرسخ منهم في العلم الديني.. لأنهم عادة ما يكونون أقل شهرة وأضعف شأنا ً منهم.. ولذلك تجد الكثير من هؤلاء رغم إخلاصهم وتجردهم ونزاهتهم يقعون في أخطاء جسيمة تجعل الجميع يحاربهم ويصطدم بهم.

فهذا مفكر لا يستطيع التفريق بين الشيعة من ناحية العقيدة والدين.. والسياسة والذكاء السياسي من ناحية أخرى .. فلا يفرق بين الديني والسياسي في هذه المسألة.. فإذا أعجب بالجانب السياسي انتقل منه دون أن يدري إلي الإعجاب بالجانب العقائدي فتراه يسب الصحابة أو يشتم عمرو بن العاص رضوان الله عليهم أو يدعو في بلاد السنة إلي عقائد الشيعة .. أو ما شابه ذلك.. دون أن يكلف نفسه للوقوف لحظات للتأمل في سلامة هذه العقائد ومطابقتها لكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم ).

وأنا شخصيا ً أحب أمثال د/ مصطفى محمود وأمثاله وأقدر جهدهم في خدمة الإسلام وأثمن عطاءهم للدعوة الإسلامية.. ولم أكن أتمنى أبدا ً أن يقع في أزمة الشفاعة التي وقع فيها.

ولعل ذلك كله يدفعنا إلى التدبر بقوة في كلمة الإمام الشافعي الرائعة وهي "تعلموا قبل أن تسودوا".. فإن الإنسان إذا ساد صعب عليه التعلم أو طلب العلم والرجوع إلى المدرسة الابتدائية الإسلامية لمراجعة أبجديات وثوابت الإسلام.. وكذلك يصعب على الآخرين نصحه وتوجيهه.. كما يشق عليه أيضا ً قبول النصيحة ممن لا يرى لهم قدرا ً أو وزنا ً.

وعلى الدعاة والعلماء أن يرفقوا بهؤلاء وألا ينسوا حسناتهم في غمرة حديثهم عن خطئه وألا يقفوا كثيرا ً عند هذا الخطأ ولا يهدموا هؤلاء المفكرين المحبين للإسلام والمدافعين عنه بهذا الخطأ .. فلا يعني بيان خطئه والتحذير منه إهدار مكانته أو هدم المعبد على أصحابه أو عدم تقدير جهوده في خدمة الإسلام.. وعلينا أن ننصف مع هؤلاء وأن ندعو لهم بالخير وأن نستغفر الله لهم عن خطئهم .

رحم الله د/ مصطفى محمود رحمة واسعة ووسع له في قبره وأكرم نزله ولقاه بالحسنات إحسانا .. وبالسيئات عفوا ً وغفرانا .. آمين.

ياسردياب
16-11-09, 05:48 PM
رحمة الله على الكبير مصطفى محمودصاحب طريق التأمل من الألحاد الى الايمان
جزاك الله خيرا يا شهاب

محمود اسماعيل
16-11-09, 07:03 PM
من برنامج العلم والايمان سار د /مصطفى محمود داعية الى الاسلام و ضد الالحاد فكان الاقبال الملحوظ
وحلقات هذا البرنامج كانت ممتعة واستفاد منها الكثير من المسلمين حيث حركة مشاعرهم
فنسأل الله ان يتجاوزويغفرلنا سيئتنا جميعا ويرحم الدكتور مصطفى محمود وجميع المسلمين
شكر الله لك وجزاك الله خيرا اخى الشهاب

الشهاب
27-12-09, 12:41 PM
ياسر دياب

مرحبا بك

كل التقدير لك

الشهاب
27-12-09, 12:41 PM
محمود اسماعيل

مرحبا بك اخى الكريم

اسعدنى حضورك