الدرة
17-11-09, 11:00 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من هو عريب العم والخال؟؟؟؟؟؟؟
في ثقافتنا الشعبية، يوصف الرجل الذي يتّسم بصفات أخلاقية عالية بأنه "معرّب" أي أنه عربي، ويقصد بذلك أنه نال صفات العربي الأصيل، وهي مجموعة صفات تعارف عليها أبناء الثقافة العربية على أنها تمثل مجموعة القيم الرفيعة التي تمجدها الثقافة على مر التاريخ.
وإذا نظرنا في كلمة "معرّب" من الناحية اللغوية نجد فيها دلالة التفاعل بين عنصرين لأنها اسم مفعول من فعل متعدٍ، ولهذا فهي تتضمن الإشارة إلى أن التعرّب حصل بشكل مضاعف من أكثر من طرف. أما كلمة "عريب" فهي من الصفات التي ترد بصيغة "فعيل" بمعنى "مفعول"، مثل حبيب بمعنى محبوب، وقتيل بمعنى مقتول. وتحمل هذه الصيغة دلالة إشراك الفاعل في الفعل الواقع عليه، فالجريح قد يكون له دور في جرح نفسه، أما المجروح فهي تدل على أن الجرح وقع عليه من طرف آخر. ولهذا فإن "العريب" توحي بأن الشخص نفسه ربما ساهم في تحقيق هذه الصفة لنفسه. ومن هنا فإن كلمة "عريب" تتضمن دلالة "معرّب" في حصول الصفة للشخص من مصدر خارجي وتزيد عليها في أن الشخص نفسه ساهم في نيل الصفة بذاته.
هذا المدخل اللغوي يساعدنا على فهم دلالة صفة "عريب" التي تستعمل في سياق المدح والثناء. وتأتي على عدة صيغ منها: "عريب الساس" أي الأساس، و"معرّب الجدّ"، و"معرب العم والخال"، و"عريب النسب"، و"عرّب وليدك عرّبه، والنار من مقباسها"، وغير ذلك من الصيغ التي يزخر بها الشعر والأمثال والأقوال الشعبية.
ومن خلال استقراء مفهوم "العريب" يتّضح أن الفكرة تقوم على أن الشخص الذي يستحق هذا الوصف هو رجل متميز في سلوكه بشكل يتفوق فيه على "والده" وعلى "خاله" في جمع صفات بطولية عظيمة موجودة لدى والده وخاله ولكنه زاد فيها عليهما، والتركيز هنا على قيم أخلاقية معينة كالنخوة (والنجدة)، والشجاعة، والكرم، والوفاء، والنبل، والعفو. دون أن يعني هذا إغفال صفات أخلاقية رفيعة أخرى تأتي في مرتبة لاحقة كالأمانة والعطف والرحمة والصدق والصبر والإخلاص.
ويفسّر بعض الناس أن السبب في كون شخصٍ ما "عريب" الأصل هو أنه كسب المجد من مصدرين: من جهة أهله، ومن جهة أخواله. وهذا لايتحقق إلا حينما تكون أمّه من قبيلة أخرى غير قبيلة والده، على اعتبار أن القبيلتين كلتيهما من القبائل العريقة عظيمة المحتد ورفيعة الشرف. وبناء على هذا التفسير، فإن هناك افتراضًا أن حصول الابن على مورّثات مختلفة من طرف أمه ومن طرف أبيه هو الذي جعله يجمع المجد من طرفيه.
وتؤكد بعض الأبحاث العلمية التي أجريت على بحيرات الكروموسومات وجود ارتباط بين الصحّة الجسدية والمورثات الخاصة بكل قبيلة أو مجموعة، ومنها أبحاث أمراض الدم الوراثية التي تنقل عبر الأجيال وبعضها خُص بقبائل أو عوائل دون غيرها، هذا من حيث الصفات الجسدية. ومن جهة أخرى، هناك دراسات تحاول التعرّف على سلالة بعض الصفات العقلية والنفسية والأخلاقية التي يمكن أن تكون موجودة أصلاً في الكروموسومات ويمكن انتقالها عبر الوراثة. ومثل هذا الاتجاه، يؤيد الفكرة الشعبية القائلة بأن اختلاف قبيلة الأب عن قبيلة الأم هو الذي كوّن شخصًا يتفوق على أبيه وعلى خاله.
ولكن دراسة المجتمعات وربطها بسلوك الأفراد المتميزين الذين يتفوقون على والديهم توضح أن الأمر متعلق بالتنشئة الاجتماعية والتثقيف من الخارج الذي يتعرض له الطفل في فترة حياته. ففي مثل حالة الشخص الذي يوصف بأنه "عريب العم والخال"، يمكن أن نكتشف كيف اكتسب الصفات الإيجابية من مصدرين على اعتبار أن أمه من عائلة بعيدة عن عائلة والده (والتباعد قد يكون بسبب اختلاف القبيلة أو الجنسية أو المكان.. إلخ)، وفي مثل هذه الحال، فإن الأب يُظهر الصفات المميزة فيه إذا حضر أنسابه عنده، كما يُظهر الأخوال أفضل الخلال إذا حضر نسيبهم. والطفل يرى هذا السلوك من الطرفين ويدركه، فينشأ في وسط يعيش أخلاقًا مثالية سواء أكانت طبيعية أم متصنّعة، ويكتسبها الطفل على أنها صفات ثابتة يجد فيها نموذجًا يتأسس عليها سلوكه. هذا الاستنتاج عام ونسبي ولا يعني بالضرورة أنه صحيح مع جميع الحالات. ولابد من ملاحظة أن هذا التفسير يفترض أن الأنساب الأقرباء قد لايُظهرون سلوكًا مختلفًا عمّا ألفوه عن بعضهم بسبب أنهم "منّا وفينا" و"يمونون" وليس فيهم ما يغري انطلاقًا من مقولات شعبية مثل "حمام الحي لايطرب"، وغيرها مما يؤكد على أن مميزات الشخص المعروف غير ظاهرة لمن يعرفونه.
والتفسير الاجتماعي النفسي لايتعارض مع التفسير الشعبي ولكنه يركز على العناصر التي جعلت من اختلاف عائلة الأب عن عائلة الأم عنصرًا إيجابيًا يمكن أن ينتج ابنًا مميزًا في أخلاقه ليس بسبب الاختلاف لذاته ولكن بسبب التربية التي يتلقّاها من والديه.
للأستاذ ناصر الحجيلان.
من هو عريب العم والخال؟؟؟؟؟؟؟
في ثقافتنا الشعبية، يوصف الرجل الذي يتّسم بصفات أخلاقية عالية بأنه "معرّب" أي أنه عربي، ويقصد بذلك أنه نال صفات العربي الأصيل، وهي مجموعة صفات تعارف عليها أبناء الثقافة العربية على أنها تمثل مجموعة القيم الرفيعة التي تمجدها الثقافة على مر التاريخ.
وإذا نظرنا في كلمة "معرّب" من الناحية اللغوية نجد فيها دلالة التفاعل بين عنصرين لأنها اسم مفعول من فعل متعدٍ، ولهذا فهي تتضمن الإشارة إلى أن التعرّب حصل بشكل مضاعف من أكثر من طرف. أما كلمة "عريب" فهي من الصفات التي ترد بصيغة "فعيل" بمعنى "مفعول"، مثل حبيب بمعنى محبوب، وقتيل بمعنى مقتول. وتحمل هذه الصيغة دلالة إشراك الفاعل في الفعل الواقع عليه، فالجريح قد يكون له دور في جرح نفسه، أما المجروح فهي تدل على أن الجرح وقع عليه من طرف آخر. ولهذا فإن "العريب" توحي بأن الشخص نفسه ربما ساهم في تحقيق هذه الصفة لنفسه. ومن هنا فإن كلمة "عريب" تتضمن دلالة "معرّب" في حصول الصفة للشخص من مصدر خارجي وتزيد عليها في أن الشخص نفسه ساهم في نيل الصفة بذاته.
هذا المدخل اللغوي يساعدنا على فهم دلالة صفة "عريب" التي تستعمل في سياق المدح والثناء. وتأتي على عدة صيغ منها: "عريب الساس" أي الأساس، و"معرّب الجدّ"، و"معرب العم والخال"، و"عريب النسب"، و"عرّب وليدك عرّبه، والنار من مقباسها"، وغير ذلك من الصيغ التي يزخر بها الشعر والأمثال والأقوال الشعبية.
ومن خلال استقراء مفهوم "العريب" يتّضح أن الفكرة تقوم على أن الشخص الذي يستحق هذا الوصف هو رجل متميز في سلوكه بشكل يتفوق فيه على "والده" وعلى "خاله" في جمع صفات بطولية عظيمة موجودة لدى والده وخاله ولكنه زاد فيها عليهما، والتركيز هنا على قيم أخلاقية معينة كالنخوة (والنجدة)، والشجاعة، والكرم، والوفاء، والنبل، والعفو. دون أن يعني هذا إغفال صفات أخلاقية رفيعة أخرى تأتي في مرتبة لاحقة كالأمانة والعطف والرحمة والصدق والصبر والإخلاص.
ويفسّر بعض الناس أن السبب في كون شخصٍ ما "عريب" الأصل هو أنه كسب المجد من مصدرين: من جهة أهله، ومن جهة أخواله. وهذا لايتحقق إلا حينما تكون أمّه من قبيلة أخرى غير قبيلة والده، على اعتبار أن القبيلتين كلتيهما من القبائل العريقة عظيمة المحتد ورفيعة الشرف. وبناء على هذا التفسير، فإن هناك افتراضًا أن حصول الابن على مورّثات مختلفة من طرف أمه ومن طرف أبيه هو الذي جعله يجمع المجد من طرفيه.
وتؤكد بعض الأبحاث العلمية التي أجريت على بحيرات الكروموسومات وجود ارتباط بين الصحّة الجسدية والمورثات الخاصة بكل قبيلة أو مجموعة، ومنها أبحاث أمراض الدم الوراثية التي تنقل عبر الأجيال وبعضها خُص بقبائل أو عوائل دون غيرها، هذا من حيث الصفات الجسدية. ومن جهة أخرى، هناك دراسات تحاول التعرّف على سلالة بعض الصفات العقلية والنفسية والأخلاقية التي يمكن أن تكون موجودة أصلاً في الكروموسومات ويمكن انتقالها عبر الوراثة. ومثل هذا الاتجاه، يؤيد الفكرة الشعبية القائلة بأن اختلاف قبيلة الأب عن قبيلة الأم هو الذي كوّن شخصًا يتفوق على أبيه وعلى خاله.
ولكن دراسة المجتمعات وربطها بسلوك الأفراد المتميزين الذين يتفوقون على والديهم توضح أن الأمر متعلق بالتنشئة الاجتماعية والتثقيف من الخارج الذي يتعرض له الطفل في فترة حياته. ففي مثل حالة الشخص الذي يوصف بأنه "عريب العم والخال"، يمكن أن نكتشف كيف اكتسب الصفات الإيجابية من مصدرين على اعتبار أن أمه من عائلة بعيدة عن عائلة والده (والتباعد قد يكون بسبب اختلاف القبيلة أو الجنسية أو المكان.. إلخ)، وفي مثل هذه الحال، فإن الأب يُظهر الصفات المميزة فيه إذا حضر أنسابه عنده، كما يُظهر الأخوال أفضل الخلال إذا حضر نسيبهم. والطفل يرى هذا السلوك من الطرفين ويدركه، فينشأ في وسط يعيش أخلاقًا مثالية سواء أكانت طبيعية أم متصنّعة، ويكتسبها الطفل على أنها صفات ثابتة يجد فيها نموذجًا يتأسس عليها سلوكه. هذا الاستنتاج عام ونسبي ولا يعني بالضرورة أنه صحيح مع جميع الحالات. ولابد من ملاحظة أن هذا التفسير يفترض أن الأنساب الأقرباء قد لايُظهرون سلوكًا مختلفًا عمّا ألفوه عن بعضهم بسبب أنهم "منّا وفينا" و"يمونون" وليس فيهم ما يغري انطلاقًا من مقولات شعبية مثل "حمام الحي لايطرب"، وغيرها مما يؤكد على أن مميزات الشخص المعروف غير ظاهرة لمن يعرفونه.
والتفسير الاجتماعي النفسي لايتعارض مع التفسير الشعبي ولكنه يركز على العناصر التي جعلت من اختلاف عائلة الأب عن عائلة الأم عنصرًا إيجابيًا يمكن أن ينتج ابنًا مميزًا في أخلاقه ليس بسبب الاختلاف لذاته ولكن بسبب التربية التي يتلقّاها من والديه.
للأستاذ ناصر الحجيلان.