الآتي الأخير
10-01-10, 01:19 PM
يتقمص الشعراء أدواراً ليست لهم ، ويتحدثون عن قضايا كبيرة ، تتسع لها أفواههم فقط ، بينما تضيق قصائدهم عن احتواء قضية واحدة ، ولم يعد الشعر مجرد تعبير جمالي فني عن الذات والعالم برؤية عميقة وإيحائية ؛ بل أصبح لدى الكثيرين خطاب استهلاكي لقضايا يومية ، يمكن لأي شكل تعبيري أن يجسدها ، دون أن يقحم الشعر بها ، حتى أن أتفه القضايا أصبح للشعر ممر بها ، فنراه يعبرها ليخرج منها مبللاً بماء معكر ورائحة لا تعبر عن نفحاته الجمالية المميزة.
والذي يتابع مرحلة انحدار الشعر نحو هاوية القضايا الاجتماعية يدرك جيداً كيف استطاعت هذه القضايا أن تجره لها لتوقعه في فخ التعبيرات الهزيلة الهشة ذات الدلالات السطحية ، كالتعبير عن سباق الهجن مثلاً أو قضايا العوانس أو الطلاق ...إلخ ، بينما تغيب مرحلة التعبير الواعي للشعر عن الإنسان حينما تجرّده من الواقع المصنوع جماعياً وتلبسه واقعه الحي الداخلي ، والشعر من مهمته أصلاً أن يوصل الإنسان لذاته ، دون أن يفكر بإيصاله لسطح القمر ، وعلى حد تعبير أحد الفلاسفة ، ما جدوى الوصول للقمر إن لم نصل إلى ذواتنا ، وهذا ما نعيد صياغته لنقول : ما جدوى كتابة الشعر إن لم يعبر عن ذواتنا ويساعدنا على سبر غور الحياة وتفاصيلها الأدق ، ففي الشعر لا يمكن أن نقرأ الحياة من خلال واقعها المباشر ، ولا يمكن أن نرسم أبعادها بألواننا المستهلكة ، وليس علينا كشعراء أن نعمّر مهرجانات الواقع المحدود بالقصائد ، لنقول بعدها إننا تمكنّا من كتابة الشعر .
يمكن للشاعر أن يرصد الواقع ولكن لا يعكسه فوتوغرافياً .. ويمكن له أن يتحدث عن أي قضية بلغة غير مباشرة وبرؤية لا تستند كثيراً إلى وعيه المجاني المجسّد في علاقته اليومية بما حوله ، لا يعني التعبير عن المعاش ونقله على لسان الشاعر وإعادته كما هو ، وإنما تكريره في مخيلته وإعادته كائنا آخر، يحمل أنفاسه عبر ومضات جديدة ، تشبهه ولكنها أيضاً لا تعبر عنه تعبيراً كاملاً. وفي رأيي أن القصيدة ليست بالضرورة أن تعبر عن كاتبها ، وإنما تعينه على التعبير عن نفسه ولا تمثّله وإنما تعينه على أن يتماثل للعالم صوتاً حرّاً مجرّداً من البدهيات والملامح المكرورة والتعبيرات ذات القالب الأثري!
وحينما لا يكون الشعر تأملياً ، حدسياً ، فإنه لن يخرج من كونه نمطاً من أنماط التعبير اليومية التي تستهلك اللغة وإنسانها أيضاً ، ولا تصوغ عبارة تمكّن القارئ من التحرّك قدماً نحو ذاته ، وهذا ما لا نراه في القصائد المطروحة في هذه الفترة التي بدأ بها الشعر يتراجع عن كونه أداة تعبير تأملية جمالية ، إلى وجوده كأداة تعبير يومية لا تتقاطع كثيراً مع أدوات التعبير الأخرى ، وتنظر إلى الواقع من خلال عينيها فقط.
د . نايف الجهني
والذي يتابع مرحلة انحدار الشعر نحو هاوية القضايا الاجتماعية يدرك جيداً كيف استطاعت هذه القضايا أن تجره لها لتوقعه في فخ التعبيرات الهزيلة الهشة ذات الدلالات السطحية ، كالتعبير عن سباق الهجن مثلاً أو قضايا العوانس أو الطلاق ...إلخ ، بينما تغيب مرحلة التعبير الواعي للشعر عن الإنسان حينما تجرّده من الواقع المصنوع جماعياً وتلبسه واقعه الحي الداخلي ، والشعر من مهمته أصلاً أن يوصل الإنسان لذاته ، دون أن يفكر بإيصاله لسطح القمر ، وعلى حد تعبير أحد الفلاسفة ، ما جدوى الوصول للقمر إن لم نصل إلى ذواتنا ، وهذا ما نعيد صياغته لنقول : ما جدوى كتابة الشعر إن لم يعبر عن ذواتنا ويساعدنا على سبر غور الحياة وتفاصيلها الأدق ، ففي الشعر لا يمكن أن نقرأ الحياة من خلال واقعها المباشر ، ولا يمكن أن نرسم أبعادها بألواننا المستهلكة ، وليس علينا كشعراء أن نعمّر مهرجانات الواقع المحدود بالقصائد ، لنقول بعدها إننا تمكنّا من كتابة الشعر .
يمكن للشاعر أن يرصد الواقع ولكن لا يعكسه فوتوغرافياً .. ويمكن له أن يتحدث عن أي قضية بلغة غير مباشرة وبرؤية لا تستند كثيراً إلى وعيه المجاني المجسّد في علاقته اليومية بما حوله ، لا يعني التعبير عن المعاش ونقله على لسان الشاعر وإعادته كما هو ، وإنما تكريره في مخيلته وإعادته كائنا آخر، يحمل أنفاسه عبر ومضات جديدة ، تشبهه ولكنها أيضاً لا تعبر عنه تعبيراً كاملاً. وفي رأيي أن القصيدة ليست بالضرورة أن تعبر عن كاتبها ، وإنما تعينه على التعبير عن نفسه ولا تمثّله وإنما تعينه على أن يتماثل للعالم صوتاً حرّاً مجرّداً من البدهيات والملامح المكرورة والتعبيرات ذات القالب الأثري!
وحينما لا يكون الشعر تأملياً ، حدسياً ، فإنه لن يخرج من كونه نمطاً من أنماط التعبير اليومية التي تستهلك اللغة وإنسانها أيضاً ، ولا تصوغ عبارة تمكّن القارئ من التحرّك قدماً نحو ذاته ، وهذا ما لا نراه في القصائد المطروحة في هذه الفترة التي بدأ بها الشعر يتراجع عن كونه أداة تعبير تأملية جمالية ، إلى وجوده كأداة تعبير يومية لا تتقاطع كثيراً مع أدوات التعبير الأخرى ، وتنظر إلى الواقع من خلال عينيها فقط.
د . نايف الجهني