تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : و قد خاب من حمل ظلما


ام الفهد
23-02-10, 05:01 PM
من قديمي الجديد


لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم ترجع عقباه إلى النـدمِ
تنام عينك والمظلوم منتبهٌ
يدعو عليك و عين الله لم تنمِ

الظلم بكل أنواعه و شتى صوره بشع و قد حذرنا الله سبحانه وتعالى منه في الحديث القدسي (( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم، فلا تظالموا)). وعواقب الظلم وخيمة ففي الدنيا نزع البركات و محق الرزق ونزول المصائب والأمراض بالإضافة إلى ما ينتظر الظالم يوم القيامة من عذابِ أليم ، و لن تزل قدم يوم القيامة إلا بعد أن يُقتص منها.
و تشتد حرمة الظلم و تكوي نيرانه عندما يكون بين الإنسان و أخيه الإنسان لأن الظالم بعد أن يعود إلى رشده قد لا يتمكن من التوبة و طلب السماح و المغفرة من الشخص الذي ظلمه بسبب غياب المظلوم أو رحيله أو موته. و قد يتبادر للذهن عند سماع هذا النوع من الظلم بأنه الظلم الحسي المتعلق بالحقوق الحسية فقط ، أي أن يسلب الإنسان غيره حقاً من حقوقه المادية كالعرض أو المال أو الدم وهو الذي لن أتحدث عنه في هذه الأسطر. بل سأتطرق إلى نوع من الظلم الخفي المُبطّن المُقنّع الذي يظهر بصورة خفية من حولنا في معترك الحياة دون أن نشعر بأنه سلبٌ لحقوق الآخرين.

عمر بن عبد العزيز، و من منّا لا يعرف الخليفة الزاهد ( خامس الخلفاء الراشدين )، الذي انتشر العدل في عهده حيث أقام القسط بين الناس حتى أن الغني أصبح يسير بزكاته ولا يجد من يأخذها لتعفف الناس و رضاهم. فقد حدثت أثناء ولايته على المدينة المنورة قصة أرقته ولم يزل يتذكرها و يتصورها أمام عينيه حتى مات، وذلك عندما أوحى الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك بأن خبيباً بن عبد الله بن الزبير يسعى للثأر لأبيه والوثوب على العرش فغضب الوليد وأرسل إلى عمر يأمره بجلد خبيب ( حيث كان في المدينة) مائة سوط و بحبسه و أن يصب عليه ماءً بارداً، ففعل عمر فاشتد الوجع على خبيب فندم عمر على ذلك فأخرجه من السجن ونقله إلى آل الزبير و اجتمعوا عنده حتى مات. وعندما علم عمر بذلك سقط على الأرض فزعاً ثم رفع رأسه يسترجع ، فلم يزل يُعرف فيه حتى مات و استعفى عمر من ولاية المدينة على إثر هذه الحادثة.

هذه القصة التاريخية من القصص المؤثرة التي أختزنها في ذاكرتي واسترجعها في مخيلتي بين حينٍ و آخر وقد غزت مسمعي عندما كانت سيرة الخليفة الزاهد ضمن السلسلة التي كنا ندرسها لسير الصحابة والتابعين في المرحلة الثانوية. ولا أستشهد بهذه القصة لأشير إلى أن عمر بن عبد العزيز كان ظالماً، وإنما سبب استشهادي بهذه القصة بعينها لأن صاحب الحق مات. فعمر لم يكن ظالماً و قد سطّر التاريخ لنا أجلّ الصور و أروعها لعدله حيث كتب الله - رحمةً بالمسلمين- أن يتولى هو أمرهم بعد ذلك دون رغبةً منه و لا طلبةً للخلافة حيث لعب رجاء بن حيْوة الوزير العالم الصالح دوره بذكاء حتى تؤول الخلافة لعمر، فانتشر العدل في عهده حتى أنه رصد الجوائز لمن يشير إلى وقوع مظلمة لم يستطع صاحبها إبلاغها. وقد كان الناس يستعظمون أعماله الجليلة فيقولون له إنك صنعت كذا وكذا .. فأبشر فيرد عليهم ( كيف وخبيب على الطريق) فلازمته هذه العبارة حتى مات وقد قسم مالاً كثيرا في ذوي خبيب و قيل أنها دية خبيب،

ومن صور الظلم الخفي أطرح بعض الأمثلة: (تبوء المنصب مع عدم قدرة) حيث تتجسد صورة ظلم المرء لغيره عندما يتحمل أعباء منصب لا يستطيع القيام بها و يتحمل مسئوليات هو ليس أهلاً لها. فتجد حقوق الناس تحت تصرفه وهو لا يفقه شيئاً من لوائح وأنظمة ما يقع تحت يديه من معاملات التي يتطلب البت فيها عين واعية وذهن ثاقب، و هو بذلك قد يضر بمصالح غيره دون أن يشعر بذلك. و لا أقصد بالمنصب هي المناصب رفيعة المستوى فقط و إنما حتى الموظف البسيط في دائرته يقع تحت طائلته أمور المسلمين ويتطلب البت فيها كلمة منه.أيضاً صورة أخرى من الظلم المبطّن وهي (الرد على الهاتف في الدوائر الحكومية) حيث يجهل بعض الموظفين في الدوائر الحكومية بأن الهاتف الذي على المكتب هو ليس الهاتف الخاص الذي يملكه في المنزل، لذا يعتقد أن من حقه تجاهل صيحات الهاتف بين الحين والآخر. ويترتب على ذلك عدم وعيه بأن أي رنين يصدر من هذا الهاتف هو لغرض العمل وأن إهمال الرد عليه فيه إضرار لمصلحة شخص معين على الطرف الآخر( إن لم يكن لأشخاص)، و قد يكون عدم الرد إهمالاً أو لامبالاة أو كسلاً أو لأنه لا ينتظر أمراً خاصاً به، وأي كان السبب في عدم الرد فكثير من الحقوق الواجب أداؤها في تلك اللحظة قد تؤجل (هذا إن لم تضع) بسبب عدم الرد.

والظلم الخفي له صوره أيضاً في المدارس (اسمحوا لي بالتأنيث) فنصادف أنواعا مختلفة من المعلمات المتميزات اللاتي نفخر بهن أثناء زياراتنا للمدارس في فترة التدريب الميداني. إلا أنني سأتحدث عن نمط المعلمة التي تُسرف في التوبيخ أو استخدام الكلمات النابية أو السخرية من إجابة الطالبة وغيرها من التصرفات التي فيها امتهان لكرامة الطالبة وزعزعة لنفسيتها، على الرغم من أن الطالبة في هذا السن الندي أكثر ما تكون في حاجة للتشجيع و الثناء. حيث أن الأسرة بحاجة لتعاون المدرسة معها في بناء شخصية الطالبة المستقلة و بلورتها لتصبح شخصية معبرة عن ذاتها، فليس من العدل أن تكون المعلمة سببا في إثراء حصيلة بناتنا من الكلمات النابية ( رُب كلمة تقول لصاحبها دعني) و إتباع المعلمة لهذا الأسلوب مع الطالبة فيه سلب لحق من حقوقها النفسية و الوجدانية. وقد ترى المعلمة أن ذلك لا يعدو عن نوع من التلطف مع الطالبة بمناداتها بألقاب لا تناسبها، إلا أن هذا أيضاَ عدم وعي من المعلمة بسمات المرحلة العمرية التي تمر بها الطالبة فشخصيتها ما زالت في طور النمو و لم تتحدد معالمها وبالتالي جهل المعلمة بمتطلبات هذه المرحلة الحرجة ، ولعلني هنا أستشهد بحادثة حصلت لإحدى الطالبات التي تحقق حلمها بأن التحقت بالقسم الذي طالما حلمت به، وعندما أرادت منها أستاذة إحدى المقررات الإجابة أشارت إليها ( الطالبة الدبة ) و هو من باب التعريف بها وليس الاستهزاء و كانت هذه الكلمة كفيلة بأن تعتذر الطالبة عن الدراسة لمدة عام لتلتحق في العام الذي يليه بقسم آخر و قد أنقصت من وزنها حتى لا تُعرف في القسم الجديد بالدبة. مرة أخرى نصادف أنواعا مختلفة من المعلمات المتفوقات المبدعات اللاتي نفخر بهن ، إلا أنني سأتحدث عن نمط المعلمة التي تُسرف في أناقتها و زينتها وتعجز عن أن تسرف في شرحها للطالبات. وتحضر للحصة وكأنها حضرت إلى صالة عرض يزين أناملها الجوال و لا يزين يديها أي وسيلة من وسائل الشرح، تقف أمام الطالبات و هي عاجزة عن نقل معلومات الدرس الجديد بصورة جيدة لأنها اعتادت التحضير غير الجيد للدرس أو عدم التحضير مطلقاً و السبب في ذلك أنها ستعيد ما شرحته العام الماضي والذي قبله والذي قبله و هكذا.... إن حق الطالبة على المعلمة أن تأخذ منها هذه المعلومة لأنها لا يمكن أن تأخذها من غيرها فلو أدركت المعلمة ذلك لعرفت أنه بتقصيرها في شرح الدرس فإنها تسلب الطالبة حقا من حقوقها و هيهات أن تجدها بعد ذلك ( إن بحثت عنها) حتى ترد لها ما سلبته منها.

و أخيرا فهناك الظلم الخفي و الواضح وهو التمييز بين الأبناء. كنت قد تحدثت سابقاً عن ظلم الأبناء لآبائهم بعقوقهم لهم إلا أن الآباء أيضاً قد يظلمون و الحديث في هذا الموضوع يطول. فنجد البعض منهم يميل إلى أحد أبنائه دون الآخر فيغدق الحب على هذا الابن ويميزه في المعاملة و الكلمة الطيبة و ربما في التغاضي عن بعض أخطائه، و قد يتجاوز هذا التفريق حده عندما يصل إلى إنقاص الحقوق المادية لبقية الأبناء من اجل إرضاء هذا الابن المميز. وهذا النوع من الظلم يقع ضرره على تكوين شخصية الأبناء و نظرتهم للحياة و المجتمع من حولهم مما قد يؤثر سلباً على سلوكياتهم و يدعوهم لتقمص شخصية الظالم مستقبلاً.

وختاماً نسألك اللهم أن تجنبنا و جميع المسلمين الظلم و أن توفقنا للعدل في الشدة والرخاء و الرضا و الغضب و تقينا شر أنفسنا.

نديم الشمال
23-02-10, 05:07 PM
حياك الله يا استاذتنا ودكتورتنا :مــــــــــــــــ العلم ـــــــــــنارة

موضوع تشكرين عليه

وتستحقين كل التقدير

وختم الامتياز وكل نجوم الكون

دمت بخير ياأم الفهــــــــــــــــــــــــــــد

مسلمة
23-02-10, 10:44 PM
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم ترجع عقباه إلى النـدمِ
تنام عينك والمظلوم منتبهٌ
يدعو عليك و عين الله لم تنمِ



أسعدك الله اخيتي ام الفهد للموضوع المهم والذي اصبح للاسف متفشياً بشكل كبيربكل انواعه إلا من رحم ربي

وكل ذلك من ضعف الوازع الديني وقلة الايمان التي تؤدي الى قسوة القلب وقسوة القلب عندما يصبح الانسان جبار شرس ظالم ضارباً عرض الحائط بكل القيم والمبادىء الانسانية في التعامل مع الآخرين متبعدا عن صفات المؤمن وماامر الله به غير آبه بالعقاب... وان الله له بالمرصاد

وفقك الله اخيتي وابعد الله عنك وهنا الظلم والظالمين وجزاك خيرا للطرح الهادف والمفيد


تحياتي وتقديري

كلك نظر
23-02-10, 11:35 PM
الظلم صوره قبيحة .... اول من يتضرر منه الظالم نفسه
وقانا الله من شره وشر اهله وغالبا الانسان الذي يفعل ذلك يقل عنده الوازع الديني وخشية الله بالسر والعلن
كل الشكر لك ام الفهد على الموضوع الأكثر من راااااائع الذي يلامس واقع الناس

ام الفهد
04-03-10, 02:38 PM
شكرا لمرور الجميع
اللهم اجعلنا ممن يعدلون في الرخاء و الشدة و الرضا و السخط

الآتي الأخير
04-03-10, 04:15 PM
الظلم ديدن الضعفاء
و سلاح من لا سلاح له
و الظلم مخالفة للشرع و مخالفة للانسانية و لكل القيم الأخلاقية و استحضار لغضب الله و عقابه .
كفانا الله و اياكم شر الظلم و نتائجه .
اشكرك استاذتنا الكريمة على هذا المقال الوافي الشافي و سدد على طريق الخير كل جهودك و نفع بك ِ.

الجذامي
04-03-10, 05:49 PM
لو ان الظلم لايوجد في الارض
لعم الامن بين الناس

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الدرة
18-04-10, 05:04 PM
الحمد الله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرما كما جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا"؛ وصلى الله وسلم وبارك على نبي الرحمة القائل محذرا من دعوة المظلوم: "واتقوا دعوة المظلوم فإنها ليست بينها وبين الله حجاب".

شكرا أخيتي للطرح المفيد.

ام الفهد
17-05-10, 12:48 AM
شاكرة للجميع المرور على احرفي و كلماتي

زرقاء اليمامة
17-05-10, 05:07 AM
الظلم ظولمات ..... واذا كانت دولة الظلم ساعة فاْن دولة الحق الى قيام الساعة

صدقتى ياختى فى كل كلمة نقشتيها بفكرا جيد لكى منى كل تقدير وحترام على موضوعك

الجيد وجزاكى الله الف خير

عاشق الادب
17-05-10, 09:16 AM
الظلم هو السبب الرئيسي في تفشي الجرائم والفساد والظلم هو سبب رئيسي من أسباب غضب الله على البشر والظلم ظلمات . على الظالم ان يتذكر لحظة العقاب من الله وعلى المظلوم ان يتذكر ان الله هو الذي ينصره وكفى بالله ؟
اشكرك ام الفهد والكلام الكبير لا يخرج الا من الكبار

ام الفهد
15-06-10, 05:52 PM
اختي زرقاء اليمامة و اخي عاشق الأدب
سعدت بمروركما