المهندس عبدالكريم الفته
16-03-10, 11:50 PM
التزلج على السمن البلدي !!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أهدت إلي الأخت الفاضلة ،، أم فيصل موضوعا خاصا بالذكريات ،، بعنوان
(كسر القارورة وكب الزيت) ،،، وهي بذلك أهدت إلي هديتين في إهداء واحد !!!
لأنها قد نفضت الغبار عن صفحة من ذكرياتي ،، سجلت حدثا ، مر عليه أكثر
من أربعين عاما ،، فأحببت سرده لكم في باب من أبواب الذكريات التي غمرتموني
بكرمكم أن وجدت لها بينكم من المهتمين والمتابعين ، مما يشجعني على مواصلة
الكتابة في هذا الجانب ، إشباعا لهواية الحديث عن الذكريات المحببة إلي ،،
وليكن هذا الموضوع ، هدية مني للأخت الفاضلة أم فيصل ،، وابنها حفظه الله ،،
تعبيرا عن شكري ( لعلبة البليدج التي قدمتها لي لتلميع صفحات الذكريات ) .
وهو بالطبع إهداء لكل متابع لهذه المواضيع ،، وكل من يشرفني بالمرور عليها ،،
والحقيقة لم يكن هناك قارورة ولا زيتا في (سيناريو) قصتي ،، ولكن !!
صلة القرابة بين الواقعتين تصل إلى درجة الأخوة أو أبناء العمومة على الأكثر !!
فعنوان قصتي يتمثل في ( تنكة سمن ) ،، وليس سمنا عاديا !! وإنما من نوع
ما نسميه بــ (السمن البلدي) أو المعروف في منطقة الطائف بالسمن البري !!!
والنوع الجيد منه في هذه الأيام يصل سعره من ( 100 إلى 120) ريال للكيلوجرام !!
أي أن سعر ( التنكة ) منه قد يصل إلى حوالي ( 2500 ريال ) ،، بينما كان سعره
في فترة أحداث القصة في حدود ( 300 ريال للتنكة ) أو 15 ريال للكيلوجرام !!!
وكعادتي سأعتذر عن طول المقدمة ،، وأنقلكم إلى مشاهد وأحداث القصة ،،
وفي البداية ، لتوثيق تاريخ قصتي ، أذكر أن أهم الأحداث العامة في تلك الفترة كان وفاة
الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر " رحمه الله ، أما من الأحداث الخاصة بعائلتنا ، فكان دخول
أخي الأكبر ( الأستاذ محمد محمود ) حفظه الله ، للمستشفى لإجراء عملية الزائدة ،
حيث فاجأه الالتهاب أثناء وجوده في مدينة جدة ، في اليوم الذي كان سيعود فيه إلى
الطائف ، وكان ذلك في بداية العام الدراسي ، مما اضطر الوالدين (حفظهما الله) إلى
مرافقته في جدة أيام العملية ، وذهبت أنا وبقية أخوتي للإقامة عند جدتي رحمها الله
في بيت خالي طيلة تلك الفترة ( ربما تجاوزت الأسبوع ) ، وهناك جرت أحداث القصة ،
ففي إحدى الليالي ، كان خالي ( رحمه الله ) وزوجته في زيارة بعض الأقارب ، ولم يكن
معنا في البيت من كبار السن إلا الجدة ( رحمها الله) ، وأثناء إعداد طعام العشاء ،، طـُلِبَ
من بعضنا أن يحضر حلاوة طحينية ، من (التنكة) الموجودة بالمطبخ في الدور السفلي ،
فقام إثنان منا بالمهمة !! ولا أتذكر من قام بذلك بالتحديد ( من إخوتي أو أبناء الخال ) ،
ولكن المؤكد لدي أني لم أكن أحدهما !!
كان الدور السفلي عبارة عن شقة خالية إلا من بعض الأثاث ،، والمواد التموينية المخزنة
في مطبخ الشقة ،، وهناك وقف الرسولان حائرين أمام العديد من (التنكات) المتشابهة
ولم يعرفا أيا منها كانت تحتوي الحلاوة الطحينية ،، فقررا البحث ،، وأول ما وقع
اختيارهما على أقرب تنكة موضوعة على رف قريب ،، فقاما بإمالتها لفتح غطائها
والتأكد ،، ولكن وزنها كان أكبر من طاقتيهما ، فوقعت على الأرض وانسكب ما فيها ،،
وكانت ممتلئة تماما بالسمن البلدي ،، الذي ساح على الفور مغطيا جزءا غير بسيط
من مساحة أرضية المطبخ المبلطة ،، وكان وقوع التنكة الثقيلة على الأرض من مكان
مرتفع نسبيا صدر عنه صوت تردد صداه في أرجاء الشقة الخالية ،، مما لفت انتباهنا
في الدور العلوي فأسرعنا ( الواحد تلو الآخر) لنستطلع الأمر تاركين الجدة وحدها تنتظر
من يعود إليها ليطمئنها عما حدث !!!
كان مشهد الصغيرين الواقفين أمام (التنكة) المحطمة والسمن المسكوب ،، وثيابهما الملطخة
بالدهن ،، مثيرين للشفقة والضحك في نفس الوقت ،، وما استعادا وعيهما من الذهول إلا
عندما شاهدانا ندخل الشقة ،، عندها تحرك أحدهما باتجاهنا ،، ولم يكد يخط خطوة واحدة
حتى انزلقت قدمه في السمن ووقع على الأرض ، وزحف جسمه منزلقا نحونا ناشرا السمن
على مساحة أكبر من البلاط تجاوزت المطبخ إلى الصالة المجاورة حيث كان يقف أقربنا إليهما
فما كان من الآخر إلا أن رمى بنفسه على الأرض منزلقا بنفس الطريقة ،، ولكن حركته هذه
كانت مقصودة وليست عفوية !!!! وكانت مثيرة للإعجاب لدرجة شجعت أحدنا على خوض
التجربة والاستمتاع بالتزلج الرهيب !!! وتلاه آخر ،، وهكذا استجاب الجميع للدعوة غير
المعلنة لممارسة رياضة التزلج على الجليد ( السمن ) ،، التي لم تكن متوفرة لنا في تلك الأيام
في صالات مخصصة ( كالموجودة اليوم في كل مدن المملكة ) ،، وكل ما كنا نعرفه عن التزلج
هو ما نشاهده في التلفزيون ، حتى الأحذية ذات العجلات ( الاسكيت ) لم تكن معروفة لدينا ،
ومرت دقائق معدودة من المتعة والمرح ،، اتسعت خلالها ساحة التزلج لتشمل المطبخ والصالة
والممرات الملحقة بهما حتى مدخل الشقة ،، وما أسرع ما انقضت لحظات المرح ،، وبدأ التفكير
في عواقب ما حصل ،، بدءاَ من سماعنا صوت الجدة تنادي علينا لنصعد إليها بالأخبار .
ولكم أن تتخيلوا حال الجدة المسكينة ، وهي تشاهد أحفادها بتلك الثياب المشبعة بالسمن والجلود
اللامعة بما اختلط عل سطحها من الدهن والعرق ،، تفوح منهم رائحة السمن البري المميزة ،،
ولم تكن حالتها الصحية لتمكنها من توقيع عقوبة بدنية على الجميع ،، واكتفت بتوجيه اللوم
والعتاب ، ولا أنسى ما أصابني من الخجل عندما حاولت التنصل من المسئولية ، باعتبار أنني
لست ممن أوقع تنكة السمن ،، فما كان منها إلا أن قالت ولكن حالك وثيابك ينطبق عليه حال مسافر
على حمار رأى قتيلا مضرجا بدمائه في أحد الطرقات ،، فنزل من حماره وأخرج خنجره ولطخه
بدماء القتيل ، ( رحمك الله يا جدتي كم كنت حكيمة ) ،،، وعلى كل حال تم تحرير محضر ضبط
بالواقعة ووجه الإتهام لجميع من ظهرت عليهم آثار الجريمة ،، وبعد وصول الخال (رحمه الله)
صدر الحكم في قضية إغتيال تنكة السمن ،، التي تفرق ( دمها ) بين القبائل (المتزلجين) ،،
بأن تم تكليفنا جميعا بتنظيف الشقة مما بقي فيها من السمن بعد أن تشربت أجسادنا
وثيابنا منه بكمية لا بأس بها ،، ومن ثم غسيل الأرضيات بالماء والصابون ،،
ولولا الرقابة الصارمة والمشددة ،، لأتيحت لنا فرصة التزلج مرة أخرى
على الماء والصابون !!!
الـنـهــايـــــة
تحياتي
عمكم العود
أبو ياسر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أهدت إلي الأخت الفاضلة ،، أم فيصل موضوعا خاصا بالذكريات ،، بعنوان
(كسر القارورة وكب الزيت) ،،، وهي بذلك أهدت إلي هديتين في إهداء واحد !!!
لأنها قد نفضت الغبار عن صفحة من ذكرياتي ،، سجلت حدثا ، مر عليه أكثر
من أربعين عاما ،، فأحببت سرده لكم في باب من أبواب الذكريات التي غمرتموني
بكرمكم أن وجدت لها بينكم من المهتمين والمتابعين ، مما يشجعني على مواصلة
الكتابة في هذا الجانب ، إشباعا لهواية الحديث عن الذكريات المحببة إلي ،،
وليكن هذا الموضوع ، هدية مني للأخت الفاضلة أم فيصل ،، وابنها حفظه الله ،،
تعبيرا عن شكري ( لعلبة البليدج التي قدمتها لي لتلميع صفحات الذكريات ) .
وهو بالطبع إهداء لكل متابع لهذه المواضيع ،، وكل من يشرفني بالمرور عليها ،،
والحقيقة لم يكن هناك قارورة ولا زيتا في (سيناريو) قصتي ،، ولكن !!
صلة القرابة بين الواقعتين تصل إلى درجة الأخوة أو أبناء العمومة على الأكثر !!
فعنوان قصتي يتمثل في ( تنكة سمن ) ،، وليس سمنا عاديا !! وإنما من نوع
ما نسميه بــ (السمن البلدي) أو المعروف في منطقة الطائف بالسمن البري !!!
والنوع الجيد منه في هذه الأيام يصل سعره من ( 100 إلى 120) ريال للكيلوجرام !!
أي أن سعر ( التنكة ) منه قد يصل إلى حوالي ( 2500 ريال ) ،، بينما كان سعره
في فترة أحداث القصة في حدود ( 300 ريال للتنكة ) أو 15 ريال للكيلوجرام !!!
وكعادتي سأعتذر عن طول المقدمة ،، وأنقلكم إلى مشاهد وأحداث القصة ،،
وفي البداية ، لتوثيق تاريخ قصتي ، أذكر أن أهم الأحداث العامة في تلك الفترة كان وفاة
الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر " رحمه الله ، أما من الأحداث الخاصة بعائلتنا ، فكان دخول
أخي الأكبر ( الأستاذ محمد محمود ) حفظه الله ، للمستشفى لإجراء عملية الزائدة ،
حيث فاجأه الالتهاب أثناء وجوده في مدينة جدة ، في اليوم الذي كان سيعود فيه إلى
الطائف ، وكان ذلك في بداية العام الدراسي ، مما اضطر الوالدين (حفظهما الله) إلى
مرافقته في جدة أيام العملية ، وذهبت أنا وبقية أخوتي للإقامة عند جدتي رحمها الله
في بيت خالي طيلة تلك الفترة ( ربما تجاوزت الأسبوع ) ، وهناك جرت أحداث القصة ،
ففي إحدى الليالي ، كان خالي ( رحمه الله ) وزوجته في زيارة بعض الأقارب ، ولم يكن
معنا في البيت من كبار السن إلا الجدة ( رحمها الله) ، وأثناء إعداد طعام العشاء ،، طـُلِبَ
من بعضنا أن يحضر حلاوة طحينية ، من (التنكة) الموجودة بالمطبخ في الدور السفلي ،
فقام إثنان منا بالمهمة !! ولا أتذكر من قام بذلك بالتحديد ( من إخوتي أو أبناء الخال ) ،
ولكن المؤكد لدي أني لم أكن أحدهما !!
كان الدور السفلي عبارة عن شقة خالية إلا من بعض الأثاث ،، والمواد التموينية المخزنة
في مطبخ الشقة ،، وهناك وقف الرسولان حائرين أمام العديد من (التنكات) المتشابهة
ولم يعرفا أيا منها كانت تحتوي الحلاوة الطحينية ،، فقررا البحث ،، وأول ما وقع
اختيارهما على أقرب تنكة موضوعة على رف قريب ،، فقاما بإمالتها لفتح غطائها
والتأكد ،، ولكن وزنها كان أكبر من طاقتيهما ، فوقعت على الأرض وانسكب ما فيها ،،
وكانت ممتلئة تماما بالسمن البلدي ،، الذي ساح على الفور مغطيا جزءا غير بسيط
من مساحة أرضية المطبخ المبلطة ،، وكان وقوع التنكة الثقيلة على الأرض من مكان
مرتفع نسبيا صدر عنه صوت تردد صداه في أرجاء الشقة الخالية ،، مما لفت انتباهنا
في الدور العلوي فأسرعنا ( الواحد تلو الآخر) لنستطلع الأمر تاركين الجدة وحدها تنتظر
من يعود إليها ليطمئنها عما حدث !!!
كان مشهد الصغيرين الواقفين أمام (التنكة) المحطمة والسمن المسكوب ،، وثيابهما الملطخة
بالدهن ،، مثيرين للشفقة والضحك في نفس الوقت ،، وما استعادا وعيهما من الذهول إلا
عندما شاهدانا ندخل الشقة ،، عندها تحرك أحدهما باتجاهنا ،، ولم يكد يخط خطوة واحدة
حتى انزلقت قدمه في السمن ووقع على الأرض ، وزحف جسمه منزلقا نحونا ناشرا السمن
على مساحة أكبر من البلاط تجاوزت المطبخ إلى الصالة المجاورة حيث كان يقف أقربنا إليهما
فما كان من الآخر إلا أن رمى بنفسه على الأرض منزلقا بنفس الطريقة ،، ولكن حركته هذه
كانت مقصودة وليست عفوية !!!! وكانت مثيرة للإعجاب لدرجة شجعت أحدنا على خوض
التجربة والاستمتاع بالتزلج الرهيب !!! وتلاه آخر ،، وهكذا استجاب الجميع للدعوة غير
المعلنة لممارسة رياضة التزلج على الجليد ( السمن ) ،، التي لم تكن متوفرة لنا في تلك الأيام
في صالات مخصصة ( كالموجودة اليوم في كل مدن المملكة ) ،، وكل ما كنا نعرفه عن التزلج
هو ما نشاهده في التلفزيون ، حتى الأحذية ذات العجلات ( الاسكيت ) لم تكن معروفة لدينا ،
ومرت دقائق معدودة من المتعة والمرح ،، اتسعت خلالها ساحة التزلج لتشمل المطبخ والصالة
والممرات الملحقة بهما حتى مدخل الشقة ،، وما أسرع ما انقضت لحظات المرح ،، وبدأ التفكير
في عواقب ما حصل ،، بدءاَ من سماعنا صوت الجدة تنادي علينا لنصعد إليها بالأخبار .
ولكم أن تتخيلوا حال الجدة المسكينة ، وهي تشاهد أحفادها بتلك الثياب المشبعة بالسمن والجلود
اللامعة بما اختلط عل سطحها من الدهن والعرق ،، تفوح منهم رائحة السمن البري المميزة ،،
ولم تكن حالتها الصحية لتمكنها من توقيع عقوبة بدنية على الجميع ،، واكتفت بتوجيه اللوم
والعتاب ، ولا أنسى ما أصابني من الخجل عندما حاولت التنصل من المسئولية ، باعتبار أنني
لست ممن أوقع تنكة السمن ،، فما كان منها إلا أن قالت ولكن حالك وثيابك ينطبق عليه حال مسافر
على حمار رأى قتيلا مضرجا بدمائه في أحد الطرقات ،، فنزل من حماره وأخرج خنجره ولطخه
بدماء القتيل ، ( رحمك الله يا جدتي كم كنت حكيمة ) ،،، وعلى كل حال تم تحرير محضر ضبط
بالواقعة ووجه الإتهام لجميع من ظهرت عليهم آثار الجريمة ،، وبعد وصول الخال (رحمه الله)
صدر الحكم في قضية إغتيال تنكة السمن ،، التي تفرق ( دمها ) بين القبائل (المتزلجين) ،،
بأن تم تكليفنا جميعا بتنظيف الشقة مما بقي فيها من السمن بعد أن تشربت أجسادنا
وثيابنا منه بكمية لا بأس بها ،، ومن ثم غسيل الأرضيات بالماء والصابون ،،
ولولا الرقابة الصارمة والمشددة ،، لأتيحت لنا فرصة التزلج مرة أخرى
على الماء والصابون !!!
الـنـهــايـــــة
تحياتي
عمكم العود
أبو ياسر