تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عويس ( قصة من واقعنا )


الآتي الأخير
25-05-07, 03:49 PM
عاش عويس يتيماً، فقد مات أبوه في ظروف غامضة، حيث وجدوه مرمياً في بئر ولم يكتشفوا ذلك إلا بعد أن فاحت رائحة جثته المتعفنة. ودارت حكايات طويلة حول سبب قتله وقذفه في البئر، ثم توقف الحديث مطلقاً عن سبب قتله.
وكانت أم عويس تعمل في البيوت تغسل الصحون بعد الولائم، وتكنس، وتنظف ما يطلب إليها تنظيفه. وأدخلت عويس المدرسة، ولكنه لم يكن مهيأً للدراسة بسبب منظره المزري، وهيئته الرثة، وقلة نظافته، إضافة إلى أوجاع عينيه المصابتين بالرمد الدائم، مع رثاثته الذهنية. فكان مدرس الرياضيات يسخر منه ويسميه "لويس" الخامس عشر، لأن قدراته الحسابية في الجمع والطرح والضرب لا تتعدى الخمسة عشر.. وهذا ما جعل استمراره في المدرسة أمراِ صعباً، فقد كان يتناول يومياً وجبات طويلة من الجلد المسلط على جسده النحيل.. لذا هرب من المدرسة وصار يتسكع في الأزقة والشوارع، ويجلس أمام الدكاكين، وكان أصحابها يطردونه لأنه أحياناً يسطو على بعض أشيائهم عندما يتغافلهم.. لذا فأكثر ما تراه يدور في الأزقة المهملة وفي الخرائب. وكثيراً ما تراه يحمل جرواً أو قطاً ويتجمع الأطفال حوله فيضحكون من كلبه الصغير، أو من قطه، ثم يقومون بركل الجرو أو القط فيخطفه من بين أرجلهم هارباً إلى البيت، مكتفياً بإخراج رأسه وإخراج ذيل الجرو أو رأس القط.. وهكذا.

وذات يوم ولا يدري أحد كيف وجد عويس قرداً صغيراً، لا أحد يعرف كيف وصل القرد إلى قريتهم، فالمنطقة ليست منطقة قرود، وربما أن أحداً قد تخلص منه من أهل المدينة فرمى به هناك.. المهم أن عويساً حمل القرد بفرح وسرور، بل لقد سرت أمه بالقرد سروراً عظيماً وراحت تقدم له الوجبات التي يتقاسمها مع عويس.

صار عويس يحمل القرد فوق كتفه ويقف به أمام المدرسة، وفي ساحات البلدة والناس يضحكون، ويعجبون، ويسيرون خلفه حيث سار، والقرد يقفز من فوق رأسه، وعلى كتفيه برشاقة وخفة، ويصدر حركات مضحكة..

وتطور الأمر لدى عويس فأخذ يدرب القرد على حركات بهلوانية وسط ساحة البلدة، في السوق الكبير، وصار الناس يتجمعون بما في ذلك الرجال وكبار السن.. ويطلبون من عويس أن يأمر قرده بإعادة تلك الحركات العجيبة المضحكة والمسلية، وصار عويس يطلب من الناس أن يدفعوا أجراً لذلك، وأخذت تتوالى على القرد القروش فيلتقطها ويضعها في جيب صاحبه، وربما قفز على كتف ذلك الذي رمى له القرش وربما قبَّل رأسه. وهكذا ظل قرد عويس تسلية أهل البلد.. وصار يحضره معه في المناسبات: كالزواج أو النجاح وغيرهما، وطغت شخصية القرد في البلدة.. وصار الناس إذا أرادوا أن يكافئوا أولادهم لعمل فعلوه يبعثونهم إلى الساحة وفي جيوبهم بعض النقود ليستمتعوا بعروض القرد البهلوانية المسلية المضحكة.

غير أن مرضاً مفاجئاً ألم بالقرد مما جعله غير قادر على ممارسة عمله اليومي، وظل طريح الفراش، وضاق صدر عويس وضاق صدر أمه، بل وصدور أهل القرية.. وصار الناس كلما رأوا عويساً يسألونه عن صاحبه القرد، فيبدو لهم جزعاً حزيناً، ثم يضحك مذكراً إياهم بحركاته، قائماً بتقليده، فيتعجبون ويضحكون وهو يقوم بتقليد القرد تماماً، بل ربما زاد من عنده حركات شيقة وغريبة ومضحكة تفوق حركات القرد. وصار عويس يذهب إلى الساحة يومياً ويأتي بغرائب وعجائب أخرى، ونسى الناس القرد المريض، وصاروا يتجمعون أكثر ويزدحمون لرؤية عويس، وهو يقفز من هنا وهنا، ويثب من هنا وهناك، ويصدر أصواتاً مختلفة عجيبة، وامتلأت جيوب عويس بالنقود مكافأة لما يأتي به من عجائب ومضحكات.

وبعد فترة شفي القرد وظهر في الساحة مع عويس، وصار الاثنان يتبادلان الحركات وإضحاك الناس وإمتاعهم، وبدا واضحاً تفوق عويس على القرد بمراحل كثيرة.. بل لقد أدرك القرد تفوق صاحبه، فصار يقلد حركاته، ويضحك، ويطرب، ويصفق..

ومع مرور الأيام نسي الناس القرد تماماً، حيث أصبح واحداً من الجمهور، ونسوا أن عويساً كان واحداً منهم، بل إن عويساً نفسه اندمج في هذه الحالة البهلوانية ونسي بشريته التي انسلخ منها.. وبعد حين صار الناس يشاهدون القرد يقود عويساً، ويدور به في الشوارع والساحات العامة، ويتلقى الأجر بدلاً عنه..


بقلم / عبد الله محمد الناصر

ريتاج
26-05-07, 05:31 PM
قصه تحمل في طيتها الكثير من المعاني

شكرا لطرح الموضوع



ريتاج

خالد الحويطي
26-05-07, 09:01 PM
قصة رائعة
اسلوب جميل تتابع الاحداث بشكل شيق
لتكتشف في النهاية المعنى الاجمل والمعبر الناقد

اخي الاتي الاخير
اختيار موفق ومميز

تحياتي وتقديري لك

السلطان
27-05-07, 12:34 AM
قصة جميل و موثرة أخي الاتي الاخير .

الله يعطيك العافية ..

لك تحياتي ..