تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الالتزام في الأدب و مجلة الآداب


الآتي الأخير
21-06-07, 06:20 PM
كتب جورج طرابيشي عن الالتزام في الثقافة العربية ما يلي:

من مفارقات الثقافة العربية المعاصرة، الخاضعة بقوة لقانون التثاقف أنها تستورد أحياناً المفاهيم، وحتى الشعارات، قبل أن تكون المكتبة العربية قد استوعبت - عن طريق الترجمة - الكتب الأمهات التي صيغت فيها تلك المفاهيم.
وهذا ما حدث لفكرة الالتزام التي استطاعت أن تفرض نفسها بمنتهى القوة في الساحة الثقافية العربية ابتداء من أواسط الخمسينيات، بفضل مجلة (الآداب) البيروتية، قبل أن يكون المنبع الرئيسي لهذه الفكرة، وهو كتاب سارتر (ما الأدب؟) قد أخذ طريقه إلى النشر بالعربية.
لقد حل جدل الحرية والالتزام محل جدل الزنديق والمؤمن في التراث القديم، وجدل الرجعي والتقدمي في السجال الحضاري والاجتماعي، وجدل القومي والماركسي في المجال السياسي، وشهدت الخمسينيات والستينيات احتفاء خاصا بهذا المفهوم وجدلا واسعا دون العودة إلى منابعه الأصلية، أو أصوله الفلسفية والثقافية العميقة، وكانت مجلة الآداب ممثلة بسهيل إدريس تفهمه كنظير حقيقي للفكرة الجدانوفية الشائعة في الأدبيات الماركسية المبسطة أكثر من فهمها السارتري الخاص، فقد طرحته كصنو للمقدس الإيديولوجي في السياسة، وبالكاد لامست المفهوم الوجودي له، بل انحازت إلى ثقافة سياسية قومية شبه حزبية، وأملت من خلال سلطتها في النشر والترويج نصا خاضعا لرؤيتها هي، كانت تريد أن تصل به إلى جمهورية حالمة يقوم على تغيير الواقع (الراهن) ويكيف المبنى الحضاري الحالي مع مبنى حضاري وثقافي عربي سابق. وقد رافقتها بطبيعة الأمر حالات التقهقر السياسي العربي، وصعود الناصرية، وبروز حركات التحرر الوطني التي دفعت هذا المفهوم شيئا فشيئا نحو الالتزام بصورته الجدانوفية أو المتمركسة دون اعتراف بالجدانوفية أو الماركسية.إن رفع اليافطة السياسية، ووعود جنة الاستقلال والحرية والوحدة المقبلة، وتصنيع الأدب والثقافة مع استصلاح الأراضي وخوض المعارك الوهمية على الورق قد أنتجت كتاباً ملتزمين وحالمين مثلهم مثل الحالمين في الجمهوريات الاشتراكية، وتحول سارتر إلى جدانوف مقابل لجدانوفية عربية عند الحصري والأرزوسي، وكان المفهوم الحقيقي للالتزام هو الأدب المحكوم والموجه والملحق، ولم يكن فيهما ما يحيل على الأدب مطلقا.في الواقع، فضح الالتزام أزمة النخب المثقفة الحديثة في تشكُّلها الهجين واضطرابها بين صياغتين وبنيتين مختلفتين تقريبا دون التمكن من المصالحة بينهما، ومن هذا التعارض النسقي بزغ التشظِّي الثقافي، وعدم القدرة على صياغة موقف اجتماعي وفكري واضح، وبالرغم من أن الانفتاح على التيارات الثقافية الغربية شكل شرخا في سؤال الهوية، إلا أن معرفة الثقافة الغربية أبقت أيضا على وحدة الثقافة ولم تمس استقلالها بشيء... وهكذا يمكننا أن نعثر على الصورة المزدوجة والمربكة لمواقف المثقفين ببساطة شديدة وبوضوح كبير.من جهة أخرى كانت كل حركة وافدة -حتى الحركات ذات الطابع الوجودي والشخصاني-تخضع إلى الخطاب التعبوي في الثقافة العربية، فالوجودية وسارتر حصرا تحولا -مثل الماركسية والقومية-إلى خطاب تعبوي في حين أن تأثيرهما في الغرب وإن كان كاسحا إلا إنه فردي وليس جماعيا... ففي الثقافة العربية هنالك جمهور على الدوام، وهنالك مرشد الجمهور، فهو داعية، وتستبنى رؤية الجمهور من المثقف لا من الثقافة، من الشخص لا من النص.

الآتي الأخير
21-06-07, 06:50 PM
نتمنى مزيدا من المشاركة في هذا القسم