الفارس
07-08-12, 02:28 PM
العرب يتطلعون إلى الديمقراطية بحريتها وكرامتها، واقتصادها المزدهر، وحقوق الإنسان... الخ. وتلك الأفكار الخلابة إنما جذبت الألباب بنماذج مطبقة على أرض الواقع في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تحديدا وبعض الاستثناءات في الشرق، وبذلك فالديمقراطية لمن عاش في أكنافها الغربية يجدها الطريق الوحيدة للحياة الكريمة والمستقرة التي تحفظ للإنسان كيانه وتصون حقوقه وتحقق العدل والمساواة، وتحترم حقوق الإنسان، وكل هذا جميل ويعتبر لمن عاشوا في تلك الديار مطلبا أساسيا للحياة يريدون أن ينعم به غيرهم في أوطانهم العربية الأم.
الديمقراطية الغربية ولدت من رحم المعاناة سواء في مواجهة الكنسية أو في مواجهة طبقية المجتمع واقطاعيات الحكام الموقعين بأمر الكنيسة في عصور أوروبا الوسطى. خاض الغربيون عقودا بل قرونا من الحروب ليعبروا ببلدانهم إلى هذا الأنموذج الذي توافقوا عليه، وصاحب ذلك تدرج في النضج وتدخل عوامل عديدة كونت تلك المجتمعات وعززت مبدأ الفردانية والرأس مالية ودعمت تلك المجتمعات بمؤسسات مدنية سدت الخلل الكبير الذي يحدثه الاقتصاد الحر القائم على حرية التملك وعلى النزوع الشخصي للتصرف بعيدا عن العلاقات الاجتماعية التي تقيد خيارات الفرد.
إن كان الطريق لتلك التجربة الإنسانية الجميلة قد عبر بحورا من الدماء، وداس على أشلاء الملايين من الأبرياء، فهل على العرب أن يكرروا التجربة نفسها، وأن يصار إلى الحروب والدمار والفوضى الخلاقة لاستنبات ديمقراطية في غير أرضها المناسبة؟ الأرض الغربية لم تستصلح بسهولة لغرس الديمقراطية، وليست الأرض العربية أقل مقاومة للديمقراطية، ولكن السؤال من يضمن إذا تجرعت المجتعات العربية المحن نفسها التي مرت بها المجتمعات الغربية أن تصل إلى النتائج ذاتها؟
الذين يضعون الديمقراطية في مقابل الاستقرار إنما يسوقون مبررات عدم الجدية في تحقيق مبادئ الديمقراطية، كما أن الذين يضحون بالاستقرار من أجل ديمقراطية غير مضمونة العواقب إنما يغامرون بمجتمعات آمنة مستقرة من أجل نتائج غير محسوبة.
هناك طريق ثالثة يمكن السير فيها، وقد يستغرق ذلك وقتا ولكنه يجنب المجتمعات العربية دوامة العنف والعنف المضاد، ويتجاوز نماذج الصوملة واللبننة والأفغنة، ويتخذ لتحقيق الأهداف والغايات سبلا أكثر سلمية؛ وهو ما ينسجم مع حركة عالمية تعزز مفاهيم السلام وتدعو إلى اعتناق مبدأ التعايش السلمي. هذه الطريق هي التحول التدريجي نحو قيم الديمقراطية، وتلك القيم ليس بالضرورة أن تكون غربية الهوى والمفهوم، وإنما يمكن أن يسهم موروثنا الديني والأخلاقي في استنبات أنماط تناسب طبيعتنا العربية، وتتماشى مع روح الإسلام.
لماذا لا تتحول الحالات إلى كيانات تحترم الإنسان وتحافظ على كرامته وتحقق العدل والمساواة في المجتمعات، وتخضع جميع أنظمتها لمعايير هيئات حقوق الإنسان بما يتفق مع ثوابتنا، وليكن طريقنا لذلك ليس الاستئصال والثورات الدموية وإنما التعليم وتعزيز قيم المشاركة، وتكريس المسؤولية والمحاسبة والشفافية، وبدلا من أن نقضي عقودا في الحروب على أمل ديمقراطية قد لا تأتي، أو يتضح لنا بعد سنوات المعاناة بأن الأرض غير قابلة لاستنباتها، بدلا من كل ذلك نستثمر نصف الوقت مع الكثير من الصبر والعمل في تقديم جرعات الإصلاح بشكل سلمي وبتدرج وبتعزيز ثقافة حافزة لتحقيق مخرجات إن لم تكن متوافقة تماما مع المفاهيم الديمقراطية السائدة فإنها على الأقل ستترك أثرا حضاريا في مجتمعاتنا سيثري ممارساتنا اليومية وعلاقاتنا ببعض.
هناك من ينتفض حنقا عندما يسمع من ينادي بالإصلاح بدون دماء، وهناك من يستكثر علينا أن نتمسك بالأمن والاستقرار ونطمح إلى الأفضل، ذلك أنه عاقد العزم على حلول استئصالية يتوقع أنها ستأتي به أو بجماعته إلى سدة الحكم وسيكون البقية خرافا ديمقراطية تسمع وتطيع. مصيبتنا أن هناك تيارا لا يريد أن يسمع ذكر أي حسنة لأنظمتنا الحاكمة في الخليج، ولذلك فهو يتميز غيضا من صوت العقل وينفر من مواجهة حقائق على الأرض تؤكد أننا بخير.
بقلم د/ عبد الله بن موسى الطاير
الديمقراطية الغربية ولدت من رحم المعاناة سواء في مواجهة الكنسية أو في مواجهة طبقية المجتمع واقطاعيات الحكام الموقعين بأمر الكنيسة في عصور أوروبا الوسطى. خاض الغربيون عقودا بل قرونا من الحروب ليعبروا ببلدانهم إلى هذا الأنموذج الذي توافقوا عليه، وصاحب ذلك تدرج في النضج وتدخل عوامل عديدة كونت تلك المجتمعات وعززت مبدأ الفردانية والرأس مالية ودعمت تلك المجتمعات بمؤسسات مدنية سدت الخلل الكبير الذي يحدثه الاقتصاد الحر القائم على حرية التملك وعلى النزوع الشخصي للتصرف بعيدا عن العلاقات الاجتماعية التي تقيد خيارات الفرد.
إن كان الطريق لتلك التجربة الإنسانية الجميلة قد عبر بحورا من الدماء، وداس على أشلاء الملايين من الأبرياء، فهل على العرب أن يكرروا التجربة نفسها، وأن يصار إلى الحروب والدمار والفوضى الخلاقة لاستنبات ديمقراطية في غير أرضها المناسبة؟ الأرض الغربية لم تستصلح بسهولة لغرس الديمقراطية، وليست الأرض العربية أقل مقاومة للديمقراطية، ولكن السؤال من يضمن إذا تجرعت المجتعات العربية المحن نفسها التي مرت بها المجتمعات الغربية أن تصل إلى النتائج ذاتها؟
الذين يضعون الديمقراطية في مقابل الاستقرار إنما يسوقون مبررات عدم الجدية في تحقيق مبادئ الديمقراطية، كما أن الذين يضحون بالاستقرار من أجل ديمقراطية غير مضمونة العواقب إنما يغامرون بمجتمعات آمنة مستقرة من أجل نتائج غير محسوبة.
هناك طريق ثالثة يمكن السير فيها، وقد يستغرق ذلك وقتا ولكنه يجنب المجتمعات العربية دوامة العنف والعنف المضاد، ويتجاوز نماذج الصوملة واللبننة والأفغنة، ويتخذ لتحقيق الأهداف والغايات سبلا أكثر سلمية؛ وهو ما ينسجم مع حركة عالمية تعزز مفاهيم السلام وتدعو إلى اعتناق مبدأ التعايش السلمي. هذه الطريق هي التحول التدريجي نحو قيم الديمقراطية، وتلك القيم ليس بالضرورة أن تكون غربية الهوى والمفهوم، وإنما يمكن أن يسهم موروثنا الديني والأخلاقي في استنبات أنماط تناسب طبيعتنا العربية، وتتماشى مع روح الإسلام.
لماذا لا تتحول الحالات إلى كيانات تحترم الإنسان وتحافظ على كرامته وتحقق العدل والمساواة في المجتمعات، وتخضع جميع أنظمتها لمعايير هيئات حقوق الإنسان بما يتفق مع ثوابتنا، وليكن طريقنا لذلك ليس الاستئصال والثورات الدموية وإنما التعليم وتعزيز قيم المشاركة، وتكريس المسؤولية والمحاسبة والشفافية، وبدلا من أن نقضي عقودا في الحروب على أمل ديمقراطية قد لا تأتي، أو يتضح لنا بعد سنوات المعاناة بأن الأرض غير قابلة لاستنباتها، بدلا من كل ذلك نستثمر نصف الوقت مع الكثير من الصبر والعمل في تقديم جرعات الإصلاح بشكل سلمي وبتدرج وبتعزيز ثقافة حافزة لتحقيق مخرجات إن لم تكن متوافقة تماما مع المفاهيم الديمقراطية السائدة فإنها على الأقل ستترك أثرا حضاريا في مجتمعاتنا سيثري ممارساتنا اليومية وعلاقاتنا ببعض.
هناك من ينتفض حنقا عندما يسمع من ينادي بالإصلاح بدون دماء، وهناك من يستكثر علينا أن نتمسك بالأمن والاستقرار ونطمح إلى الأفضل، ذلك أنه عاقد العزم على حلول استئصالية يتوقع أنها ستأتي به أو بجماعته إلى سدة الحكم وسيكون البقية خرافا ديمقراطية تسمع وتطيع. مصيبتنا أن هناك تيارا لا يريد أن يسمع ذكر أي حسنة لأنظمتنا الحاكمة في الخليج، ولذلك فهو يتميز غيضا من صوت العقل وينفر من مواجهة حقائق على الأرض تؤكد أننا بخير.
بقلم د/ عبد الله بن موسى الطاير