الفارس
06-12-12, 03:47 PM
وأنا أحضر للحديث عن الحكيم الصيني كونفوشيوس في برنامج «ذاكرة إنسان»على قناة الثقافية، توقفت مليًّا عند إحدى جمله الحكيمة وهي: «دراسة الماضي تهمُّ مَن يريد تخطيط المستقبل»، وقلت في نفسي: ليت المعنيين يسمعون هذه الحكمة، ويتأمّلون في معناها وأبعادها! ليتهم يدركون أن أمة بلا تاريخ لن تكون لها هوية، ومَن ليس له هوية لن يكون له مستقبل مشرق! ليتهم يعلمون الفرق بين أمة تملك إرثًا حضاريًّا كبيرًا، ملامح الإشراق فيه واضحة ومُبهرة، وأخرى نابتة من عدم؛ تعيش لحظتها فقط، ولا تشعر بأي اعتزاز أو فخر على مر خط الزمن!
لا شك أن الفرق واضح لمن ألقى السمع وهو بصير، وحتمًا فإن الأمر سيؤرّق كلّ مَن هو مسكون بقيمة أمته وعزتها، وكل مَن هو متجذر في عروق هذه الأرض الطاهرة، مؤمن بأهميتها وعلو كعبها في الآفاق؛ أولئك هم الموتورون اليوم جراء حالة الاحتضار الذي يعيشه التاريخ على الصعيد الأكاديمي والثقافي، على الرغم من حالة الازدواجية العجيبة المتمثل حاليًّا بين الاهتمام ظاهرًا بالمنجز التاريخي عبر مختلف الوسائط الإعلامية لاسيما في جانب التأصيل الوطني علاوة على اقتصاد السياحة، في الوقت الذي تتم فيه ممارسة التهميش العملي للتاريخ ذاتًَا، من واقع تقزيم دور وأداء أقسام التاريخ بمختلف جامعاتنا الوطنية العريقة، بل واستهداف إلغاء التاريخ جسمًا وروحًا من كل الجامعات الحديثة، تصورًا بأن التقدم والتحديث مقتصران على الجوانب التقنية والطبية وحسب، لكونهم قد نظروا إلى الأمر من زاويته المادية دون الاهتمام بالنسق المعنوي، وكأن أبناءنا ريبوتات آلية تنتظر المدخلات لتستجيب وتعمل وفق الإرشادات، متناسين أن الإنسان مادة وروح، وأنه بقدر ما يحتاج إلى المعرفة العقلية المادية، بقدر ما يحتاج إلى غذاء روحي فكري، ولن يتأتى ذلك إلاّ بمعرفة جوانب تاريخ أمتنا الحضارية والإنسانية، ولن يكون إلاّ بتعزيز الثقة بأقسام التاريخ وتنمية دورها وأدائها ضمن محيط حرمنا الجامعي.
بقي أن أشير إلى أن ترسيخ مفهوم البعد الحضاري لبلادنا، الذي نادى به سمو الأمير سلطان بن سلمان، وجعل منه أساسًا لمشروع تنمية الاقتصاد السياحي، لن تكون له فاعلية جوهرية مع ضعف مفهوم الوعي الحضاري ضمن محيط حياتنا الاجتماعية، جراء تلاشي التاريخ من حياتنا، وغيابه كليًّا من لوائح الخطط الإستراتيجية للتنمية، والنظر إليه وكأنه عبء ثقيل على الدولة والمجتمع، وتركه يحتضر دون اكتراث أو اهتمام، والمحصلة ستكون موته واقعًا، وموت وعينا الحضاري معه، بل وموت أشياء كثيرة في عمقنا الحياتي والذهني. فهل ذلك هو المطلوب؟ سؤال أرجو أن أجد له رجع صدى.
د. زيد علي الفضيل
لا شك أن الفرق واضح لمن ألقى السمع وهو بصير، وحتمًا فإن الأمر سيؤرّق كلّ مَن هو مسكون بقيمة أمته وعزتها، وكل مَن هو متجذر في عروق هذه الأرض الطاهرة، مؤمن بأهميتها وعلو كعبها في الآفاق؛ أولئك هم الموتورون اليوم جراء حالة الاحتضار الذي يعيشه التاريخ على الصعيد الأكاديمي والثقافي، على الرغم من حالة الازدواجية العجيبة المتمثل حاليًّا بين الاهتمام ظاهرًا بالمنجز التاريخي عبر مختلف الوسائط الإعلامية لاسيما في جانب التأصيل الوطني علاوة على اقتصاد السياحة، في الوقت الذي تتم فيه ممارسة التهميش العملي للتاريخ ذاتًَا، من واقع تقزيم دور وأداء أقسام التاريخ بمختلف جامعاتنا الوطنية العريقة، بل واستهداف إلغاء التاريخ جسمًا وروحًا من كل الجامعات الحديثة، تصورًا بأن التقدم والتحديث مقتصران على الجوانب التقنية والطبية وحسب، لكونهم قد نظروا إلى الأمر من زاويته المادية دون الاهتمام بالنسق المعنوي، وكأن أبناءنا ريبوتات آلية تنتظر المدخلات لتستجيب وتعمل وفق الإرشادات، متناسين أن الإنسان مادة وروح، وأنه بقدر ما يحتاج إلى المعرفة العقلية المادية، بقدر ما يحتاج إلى غذاء روحي فكري، ولن يتأتى ذلك إلاّ بمعرفة جوانب تاريخ أمتنا الحضارية والإنسانية، ولن يكون إلاّ بتعزيز الثقة بأقسام التاريخ وتنمية دورها وأدائها ضمن محيط حرمنا الجامعي.
بقي أن أشير إلى أن ترسيخ مفهوم البعد الحضاري لبلادنا، الذي نادى به سمو الأمير سلطان بن سلمان، وجعل منه أساسًا لمشروع تنمية الاقتصاد السياحي، لن تكون له فاعلية جوهرية مع ضعف مفهوم الوعي الحضاري ضمن محيط حياتنا الاجتماعية، جراء تلاشي التاريخ من حياتنا، وغيابه كليًّا من لوائح الخطط الإستراتيجية للتنمية، والنظر إليه وكأنه عبء ثقيل على الدولة والمجتمع، وتركه يحتضر دون اكتراث أو اهتمام، والمحصلة ستكون موته واقعًا، وموت وعينا الحضاري معه، بل وموت أشياء كثيرة في عمقنا الحياتي والذهني. فهل ذلك هو المطلوب؟ سؤال أرجو أن أجد له رجع صدى.
د. زيد علي الفضيل