السيف
20-03-13, 12:55 AM
قبل عدة أعوام، عندما كانت المنازل بيضاء والحدائق خضراء والشواطئ زرقاء، والطرقات آمنة، والسيارات أقل عددا، والبشر أكثر تهذيبا واحتراما لخصوصيات الآخرين، تحمس أحد السكان في حينا (حي الشاطئ) وأطلق عليه اسم الحي الراقي. أصابت العين ذلك الحي، فتحول كل شيء إلى العكس، فلم تعد المنازل بيضاء، ولم تعد الحدائق خضراء بل إن بعضها اختفى من الوجود، ولم تعد الطرقات آمنة بل أصبحت حلبات سباق، وتكدست السيارات في الطرقات السكنية التي «كانت آمنة» وتحولت الآن إلى مصدر خطورة من السيارات ومصدر إزعاج من السيارات التي اتخذت من الطرقات وأرصفة المشاة مواقف عشوائية، وكاد الحس الاجتماعي واحترام حقوق وخصوصيات الآخرين والتعامل المهذب في الأماكن العامة داخل الحي السكني أن ينعدم، لتحل الفوضى واللامبالاة والرعونة.
ضعف التخطيط، أو قل انعدام التخطيط السليم للأنشطة العمرانية والحضرية في الأحياء السكنية، في جميع أنحاء جدة، هو السبب وراء هذه الفوضى وهذا التخبط. المحصلة النهائية هي إتعاس السكان وإرهاقهم نفسيا وجسديا، ليطغى لديهم تدريجيا الإحساس بعدم الرضى ببيئتهم المعيشية، وبالتالي تولد الإحساس بالعدوانية والتهجم، والتجهم تجاه الآخرين.
نقول في تخطيط المدن، إن أردت أن تعرف شيئا عن ثقافة وحضارة وأخلاق أي مجتمع في أي مدينة، وإحساسه بالمسؤولية الاجتماعية، فما عليك إلا زيارة الأحياء السكنية لتلك المدينة والتجول داخلها. ثم أتساءل، ما هو الانطباع الذي سيرسخ في ذهن أي زائر غريب أو أجنبي يتجول في الأحياء السكنية في جدة؟ حاولوا أن تجيبوا على هذا السؤال بكل تجرد.
مع انقضاء جيل كامل، ومنذ أكثر من ثلاثين عاما تقريبا، ونحن نسمع من بعض المسؤولين عن تخطيط جدة أن «اصبروا وثابروا» فنحن نبني جدة العصرية لراحتكم وسعادتكم. ولكن لا نزال نعاني حتى اليوم، ونحن «صابرون» ولا نعلم إلى متى ستستمر المعاناة. جدة تتضخم وتترهل، ويبرز لها كرش، وتتمدد أطرافها في كل اتجاه بلا ضابط ولا رابط، ونحن نركض خلفها، نرقع لها ثوبها كيفما اتفق، ونحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أخرج من منزلي بسيارتي في زيارة أو مشوار خاص، لأجد طريقي مسدودا بتحفيرات وحفر وبلوكات أسمنتية، فأتخذ طريقا آخر لأجد في نهايته مستنقع مياه مخيفا لا أعلم مصدره، فاضطر إلى التراجع خلفا وأتحول إلى طريق آخر، لأجد فيه تحويلات وتكسيرات ومرورا مختنقا، وهكذا يحتاج الواحد فينا إلى «خارطة طريق» ليخرج من مأزقه ويصل إلى غايته بعد طول مشقة ولف ودوران. أصبح معظمنا يفضل الاعتكاف في المنزل وعدم مغادرته إلا عند الضرورة القصوى.
لا أدري كيف يعمل هؤلاء المهندسون والمخططون والمسؤولون في مدينة كبيرة مثل جدة، يبدو أنهم يفتقدون إلى الخبرة والتخطيط السليم لتسلسل الأعمال وتتابعها وسير تنفيذها، وبعضهم يتعلم الحلاقة على رؤوسنا، على رأس جدة.
قليل جدا من مدن العالم تعاني ما تعانيه مدينتي جدة من تخبط وفوضى وسوء تخطيط منذ زمن غير قصير، وقليل من سكان مدن العالم لديهم صبر وطول بال سكان جدة على مدى أكثر من جيل وحتى الآن، والعرض مستمر.
وفوق ذلك، يأخذون على خاطرهم من النقد والتذمر حتى وإن كان بهدف الإصلاح، ويطالبون بمزيد من الصبر.. والصمت.
بعد طول المعاناة، نتمنى أن نعيد ترتيب بيتنا بهدوء وروية، ومن خلال تنمية حضارية اجتماعية علمية محسوبة ومخطط لها، بعيدا عن نظام التجربة والخطأ والعشوائية.
ليت اليوم الذى يمكننا أن نصفق فيه ونكيل المديح عن قناعة وبصدق وأمانة، للإنجازات المتقنة والإبداعات الحقيقية يأتي. فالمدينة ملك لسكانها، ونحن جميعنا مسؤولون عنها ومشاركون في مصيرها ومسيرتها.
وفي النهاية، مخطط المدينة الناجح هو الذي يستطيع تحسين نوعية حياة السكان، وتقوية الرابطة بينهم وبين بيئة مدينتهم.
عبد الله يحيى بخاري
ضعف التخطيط، أو قل انعدام التخطيط السليم للأنشطة العمرانية والحضرية في الأحياء السكنية، في جميع أنحاء جدة، هو السبب وراء هذه الفوضى وهذا التخبط. المحصلة النهائية هي إتعاس السكان وإرهاقهم نفسيا وجسديا، ليطغى لديهم تدريجيا الإحساس بعدم الرضى ببيئتهم المعيشية، وبالتالي تولد الإحساس بالعدوانية والتهجم، والتجهم تجاه الآخرين.
نقول في تخطيط المدن، إن أردت أن تعرف شيئا عن ثقافة وحضارة وأخلاق أي مجتمع في أي مدينة، وإحساسه بالمسؤولية الاجتماعية، فما عليك إلا زيارة الأحياء السكنية لتلك المدينة والتجول داخلها. ثم أتساءل، ما هو الانطباع الذي سيرسخ في ذهن أي زائر غريب أو أجنبي يتجول في الأحياء السكنية في جدة؟ حاولوا أن تجيبوا على هذا السؤال بكل تجرد.
مع انقضاء جيل كامل، ومنذ أكثر من ثلاثين عاما تقريبا، ونحن نسمع من بعض المسؤولين عن تخطيط جدة أن «اصبروا وثابروا» فنحن نبني جدة العصرية لراحتكم وسعادتكم. ولكن لا نزال نعاني حتى اليوم، ونحن «صابرون» ولا نعلم إلى متى ستستمر المعاناة. جدة تتضخم وتترهل، ويبرز لها كرش، وتتمدد أطرافها في كل اتجاه بلا ضابط ولا رابط، ونحن نركض خلفها، نرقع لها ثوبها كيفما اتفق، ونحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أخرج من منزلي بسيارتي في زيارة أو مشوار خاص، لأجد طريقي مسدودا بتحفيرات وحفر وبلوكات أسمنتية، فأتخذ طريقا آخر لأجد في نهايته مستنقع مياه مخيفا لا أعلم مصدره، فاضطر إلى التراجع خلفا وأتحول إلى طريق آخر، لأجد فيه تحويلات وتكسيرات ومرورا مختنقا، وهكذا يحتاج الواحد فينا إلى «خارطة طريق» ليخرج من مأزقه ويصل إلى غايته بعد طول مشقة ولف ودوران. أصبح معظمنا يفضل الاعتكاف في المنزل وعدم مغادرته إلا عند الضرورة القصوى.
لا أدري كيف يعمل هؤلاء المهندسون والمخططون والمسؤولون في مدينة كبيرة مثل جدة، يبدو أنهم يفتقدون إلى الخبرة والتخطيط السليم لتسلسل الأعمال وتتابعها وسير تنفيذها، وبعضهم يتعلم الحلاقة على رؤوسنا، على رأس جدة.
قليل جدا من مدن العالم تعاني ما تعانيه مدينتي جدة من تخبط وفوضى وسوء تخطيط منذ زمن غير قصير، وقليل من سكان مدن العالم لديهم صبر وطول بال سكان جدة على مدى أكثر من جيل وحتى الآن، والعرض مستمر.
وفوق ذلك، يأخذون على خاطرهم من النقد والتذمر حتى وإن كان بهدف الإصلاح، ويطالبون بمزيد من الصبر.. والصمت.
بعد طول المعاناة، نتمنى أن نعيد ترتيب بيتنا بهدوء وروية، ومن خلال تنمية حضارية اجتماعية علمية محسوبة ومخطط لها، بعيدا عن نظام التجربة والخطأ والعشوائية.
ليت اليوم الذى يمكننا أن نصفق فيه ونكيل المديح عن قناعة وبصدق وأمانة، للإنجازات المتقنة والإبداعات الحقيقية يأتي. فالمدينة ملك لسكانها، ونحن جميعنا مسؤولون عنها ومشاركون في مصيرها ومسيرتها.
وفي النهاية، مخطط المدينة الناجح هو الذي يستطيع تحسين نوعية حياة السكان، وتقوية الرابطة بينهم وبين بيئة مدينتهم.
عبد الله يحيى بخاري