المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من نصدق عندما يصحّح التاريخ عدة مرات ؟


خالد الحويطي
21-09-07, 01:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

من نصدق عندما يصحّح التاريخ عدة مرات ؟


في نسخ الأفلام المصرية القديمة - ما قبل عام 1952م - الموجودة في الفضائية الرسمية،
توجد بعض المشاهد التي تدور في مكان ِ خدمات ٍ عمومي، قسم شرطة أو خان في السوق،
تظهر في هذه المشاهد لطخة سوداء مستحدثة بطريقة بدائية لطمسِ شيء ما موجودٍ على الحائط. هذا الشيء المطموس هو صورة الملك فاروق.
فاروق واحد بالطبع، و هوَ ذاته الذي استخدم رمزا ً رجسيا ً للعهد البائد في احتفالات ذكرى الثورة التي يحضرها كبار رجالات الدولة حتى قبل بضعة أعوام ٍ قليلة. يظهر على المسرح ممثل بشنبات ٍ معقوفة و نظارة سوداء و وزن ٍ زائد، و هذا إذن فاروق، رمز فساد الفرد في أعلى هرم السلطة و تهتّك القيم و سيادة البرجوازية و التـّغريب، و كل ما تقتضيه الحاجة السياسية المتغيّرة من صفات.
و هو ذاته فاروق الذي تعرض أكبر الفضائيات سيرته بطبعة جديدة ثورية، تنزّههُ فيها أخيرا ً عن تهتّك الحياة الشخصية و تفسّر سهولة تنازله عن العرش بالوطنية و حقن الدماء - حسب كلمات المخرج و السيناريست. العمل تمّ إنجازه بطاقم ٍ مصري و على أرضٍ مصرية.
إذن، التاريخ الذي كُتِبَ و زُخرف و حُرّمت أي نسخة أخرى عداه و اعتُمِد كحقيقة صافية و أصبحت شخوصه أيقوناتٍ تاريخية و شعبية لخمسةٍ و خمسين عاما ً راحت؛ مجرّد كذبة. أو في أفضل الأحوال، مجرّد احتمال بين احتمالاتٍ كثيرة و قد يكون أضعفها. لكنّ هذه النسخة الركيكة من التاريخ كانت مُصدّقة و مقدّسة - مفروضٌ تصديقها و تقديسها. رواية أورويل "1984" لا تعود فنتازية أو مبالغة فعلا ً في جزئها المتعلق بالتدمير المنهجي للتاريخ، بالنظر إلى مسلسل التفسيرات التاريخية الرسمية المتقلبة. في العالم الديكتاتوري في الرواية، يعمل البطل "ونستون" في هيئة ضخمة تتولى معالجة كل وثيقة مكتوبة و منشورة لتصبح متوافقة مع وقائع اليوم الحاضر. العدوّ الجديد اليوم يصبح بعد تحوير أرشيف الصحف و الكتب إلى عدوّ منذ الأزل، الذي استجدّ منعهُ حديثا ً أو صباح اليوم فقط يصبح حسب الوثائق ممنوعا ً منذ انبلاج الحزب. و لا أهمية حقا ً لما كان أو كيف كانت عليه الأشياء، المهم هو أن لا شيء في الأمس مختلف عن الحاضر، و كلّ أمسٍ يمكن تحويره ليتوافق مع أي حاضر ٍ جديد. تاريخٌ ماكيافيللي. للتأكد من ذلك، نظرة صغيرة على صورة الملك المطموسة إلى جوار الكوبسات الساطعة على وجه تيم الحسن في إهابه الفاروقي.

الظاهرة، هي اندماج الناس في الرواية التاريخية الجديدة بسهولة، دون شعور ٍ بالتـّشوّش أو الخديعة. دون استنكار ٍ فطري ٍ لـ"تغيير الكلام" الذي يفطن لهُ واحدهم في كلام البائع و هو يُفاصل على السعر في دكّان، لكنه لا يفطن أو لا يهمه أن يفطن له و هو يتعلق بكلام الرياسة. الأجهزة الرسمية و رواتها المعتمدون للتاريخ، يحرصون على تخطـّي مفصل الاعتراف بـ"تغيير الكلام" برشاقة، و عدم التوقف كثيرا ً عند حقيقة الكذب التاريخي الذي كان و أسباب التحوّل الحالي أو تسييس التاريخ الذي يكمن وراء الاثنين.
و غالبا ً ستـُحال هذه المسألة إلى كونها مظلماتٍ علمية ارتكبها المؤرخون بسبب خلل ٍ في مناهجهم. مظلمة علمية، لا أكثر.
الاستعادة الإنسانية لفاروق، التي لا تخلو من مديح، يمكنها أن تصبّ في النهاية في حوض تلميع هيئات الرئاسة الحالية. حماية المصالح بالطريقة البلدوزريّـة القديمة، أصبحت تكلفتها أعلى من فائدتها. من ذا في العالم الحديث و منظوماته الدولية سيحترم و لو قليلا ً هيئة تدافع عن منجزها برواية متعصبة للتاريخ تجعله يقترب من المثيولوجيا في مُتقابلاتِ الخير و الشر؟!
حتى شعبيا ً، بات من الصعب الوصول إلى إنتاج صورة رئاسية متّزنة و حكيمة و واثقة في الأذهان، طالما أن التاريخ القريب مُرقـّع بهذه الطريقة الفاقعة.
ثمّ إن إشاعة أنسنة الشخوص التي في أعلى الهرم، بوصفهم بشرا ً ذوي رغبات و مخاوف و قلة حيلة، يساهم بدوره في تثبيط المخيلة الشعبية عمّن أتى لاحقا ً على رأس ذات الهرم. المخيلة الشعبية الحالية التي لا يمكن أن تتحمل صورة بشرية لمن هم تحت الأضواء الساطعة...
حتى لأم كلثوم، التي كادت تصبح نبيّة ً في الرواية التلفزيونية عنها قبل بضعة أعوام.
ناهيك عن فكرة ابنة جمال عبدالناصر حول إهانة صورة والدها: ظهور شخصيته في الفيلم "ناصر" و هو يلبس البيجاما.
مخيّلة القديسين هذه هي ذاتها مخيلة الشياطين التي يسهل عليها أن تتقبل صورة شيطانية عمّن في الأعلى أكثر من تقبل صورة بشرية له.
أحد رؤساء التحرير الأربعة المحكوم عليهم بالسجن الأسبوع الماضي، إبراهيم عيسى، له رواية طريفة بعنوان "مقتل الرجل الكبير"، يظهر فيها رئيس الدولة كأنه عرّاب لمافيا من مستوى استثنائي.
حتى في سياق إدانة رؤساء التحرير هؤلاء، لم تأتِ الإدانة بصيغة حماية السلطة و الانحياز الصريح للرئاسة،
بل نوّهت عن الضرر الذي أصاب الاقتصاد الوطني على إثر الشائعات.
نقطة تدعو المنحاز إلى الحريات الصحفية إلى التردد لوهلة و إعادة النظر. ما وراء إنصاف رموز العهد القديم و الانحياز لرواياتٍ تاريخية معتدلة و التشجيع على أنسنة الرموز و إحكام التهم عندما يتعلق الأمر بحرية الصحافة و التعبير؟

ثمة تقنية جديدة تنمو عربيا ً بنجاح ٍ باهر، بحكم الحاجة ربما،
و هي إعطاء مظهر جديد لبضاعة قديمة لم يعد يشتريها أحد.
البضاعة هي أنظمة لم يعد أحد يقبلها أو لم يعد أحد مستعدا ً لقبولها و هي على هذه الدرجة من الافتضاح.
و التقنية الباهرة حقا ً هي كسو هذه الأنظمة بكل ضرورات الحداثة المطلوبة عالميا ً، حرية رأي و اعتقاد و تعددية و قانونية و براغماتية.
الفنّ هو في أن يكون هذا المظهر جادا ً جدا ً و مقنعا ً لشار ٍ متوسّط النـَّفـَس،
دون أن يمسّ هذا الظاهر شعرة من الباطن الجوهري لمصالح النظام الذي يرفض أن يتغيّر.
مصيبة هذا الكساء اللامع أنه سيخدع، و سيدفع كل شيء إلى النوم قرنا ً آخر.

مقال للكاتبة السعودية / إيمان القويفلي (http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2547&id=2277&Rname=76)

almansy
21-09-07, 01:56 AM
شكرا لك اخي خالد لنقل المقال

واذا اردت ان تكون صراحتنا مطلقه

فالامر اقدم بكثير من الثوره في مصر والتي قامت على اساس

طي صفحة الحكم الفاسد وتحرير الشعب ( ليكبل من جديد باسم الثوره )

تاريخ الامه ليس كله ابيض ناصع ولم تقف عند الملك فاروق او من خلفه في حكم مصر

دمت بخير

خالد الحويطي
21-09-07, 02:19 AM
اخي الغالي المنسي

ماتطرقت اليه صحيح
ان المشكلة اعم واشمل
واقدم من الثورة المصرية والملك فاروق


ولكن
هي مجرد نموذج ومثال
ليظهر ان التاريخ يبدل حسب المواقف السياسة
وعدم الخجل من الاصرار على تغييره و تزييفه


تحياتي لك

الآتي الأخير
20-11-08, 12:44 PM
طرح رائع وبنّاء اخي خالد اشكرك عليه