الآتي الأخير
06-10-07, 12:43 AM
أعجبني قرار الملك عبد الله بن عبد العزيز بخصوص عودة البعثات التعليمية السعودية إلى الخارج, بعد انقطاع دام 20 عاما.
كنا في حاجة إلى خطوة كهذه لضخ كم أكبر من العلوم والثقافة إلى المجتمع.
كنا في حاجة إلى بعث عملي جديد ينفض صدأ انغلاقنا عن العلوم الحديثة والثقافات الأخرى.
فمهما كان رقي الجامعات المحلية, لايمكن أن تغطي, بإمكانياتها المتواضعة, حاجات مجتمع ضخم بحجم المجتمع السعودي.
أعجبني في القرار أيضا أنه لايحصر الابتعاث في الولايات المتحدة الأمريكية, التي كانت قبلة المبتعثين في السابق. إذ يمكن اليوم أن يشمل الابتعاث الخارطة الأوروبية والهندية وحتى كوريا الجنوبية.
ولتتحقق الفائدة من هذه الخطوة فيجب أن نتحاشى أخطاء التجارب الماضية. اقصد بذلك, على وجه الخصوص, الأخطاء التي ارتكبها مبتعثونا في الماضي.
وأفسر ذلك بالقول إنه يغلب الخجل على طبع الشاب السعودي, والخليجي بصفة عامة, ما يؤدي إلى انطوائه وانعزاله عن التواصل مع البيئة المحيطة به في بلد الابتعاث. وليس غريبا أن ترى المبتعثين السعوديين يتجمعون حول بعضهم, كما لو كانوا يحمون أنفسهم من الاتصال بالآخرين الذين هم أصلا في بلدهم.
وقد نشأ عن انفصال المبتعث عن البيئة المحيطة به عزلة أكبر, ارتدت, في بعض جوانبها, إلى نوع من التطرف الفكري, تطور بدوره إلى تطرف ديني. والسبب هنا ليس الحب بالله والدين, بقدر ما هو الفشل الذريع في التواصل مع البيئة المحيطة.
وأذكر أن بعض أصدقائي غادروا إلى الولايات المتحدة في بعثات علمية وهم أكثر انفتاحا بكثير من عودتهم.
بل ان بعضهم وصل به الأمر أن عاد يحمل أفكارا متطرفة كما لو أنه أبتعث إلى أفغانستان لا إلى كاليفورنيا.
وفي اعتقادي أن مثل هذا التطرف لم يأت بسبب الثقافة الدينية التي نشأ عليها الفرد السعودي في بيئته, بل هو بسبب عدم قدرته على التواصل مع البيئة التي يعيش فيها خارج بيئته السعودية.
تواصل المبتعث إذا مع البيئة التي تحيط به أثناء ابتعاثه هي أهم من الدراسة في الجامعة.
فمن يبتعث إلى أوروبا أو أمريكا, يجب أن يعلم أن التواصل مع الآخرين هو جامعة أخرى. على الطالب أن يدرك أن ابتعاثه من أجل تحصيل العلوم لاينحصر في الجامعة التي سيدرس فيها, فالشارع جامعة, والمسارح جامعة, والأصدقاء من أبناء البلد الذي يدرس فيه هم أيضا مجموعة جامعات متنقلة.
سأقول للطالب السعودي المبتعث أذهب وحافظ على دينك, لكن تواصل مع المجتمع الذي انت فيه بفكر منفتح.
لا تأخذ مواقف متحجرة ومسبقة من الآخرين, ومن عاداتهم وتقاليدهم. لا اقول تمسك بها. لا اقول حتى دافع عنها. لكن اتصل بها. وتواصل معها. فهذه جامعة اخرى. وفي يقيني انها ستكون اهم في اثرها عليك من الجامعة التي ستدرس فيها.
هذا ما يخلق التواصل والتفاهم والحوار مع الآخر. عندما نعرف كيف يفكر, وكيف سيفكر.
هكذا لايعود المبتعث متسلحا بالعلم فقط, بل وبقدرة على فهم الآخر, والحوار معه, والاستفادة من تجاربه. وهذا أهم العلوم.
هاني نقشبندي
كنا في حاجة إلى خطوة كهذه لضخ كم أكبر من العلوم والثقافة إلى المجتمع.
كنا في حاجة إلى بعث عملي جديد ينفض صدأ انغلاقنا عن العلوم الحديثة والثقافات الأخرى.
فمهما كان رقي الجامعات المحلية, لايمكن أن تغطي, بإمكانياتها المتواضعة, حاجات مجتمع ضخم بحجم المجتمع السعودي.
أعجبني في القرار أيضا أنه لايحصر الابتعاث في الولايات المتحدة الأمريكية, التي كانت قبلة المبتعثين في السابق. إذ يمكن اليوم أن يشمل الابتعاث الخارطة الأوروبية والهندية وحتى كوريا الجنوبية.
ولتتحقق الفائدة من هذه الخطوة فيجب أن نتحاشى أخطاء التجارب الماضية. اقصد بذلك, على وجه الخصوص, الأخطاء التي ارتكبها مبتعثونا في الماضي.
وأفسر ذلك بالقول إنه يغلب الخجل على طبع الشاب السعودي, والخليجي بصفة عامة, ما يؤدي إلى انطوائه وانعزاله عن التواصل مع البيئة المحيطة به في بلد الابتعاث. وليس غريبا أن ترى المبتعثين السعوديين يتجمعون حول بعضهم, كما لو كانوا يحمون أنفسهم من الاتصال بالآخرين الذين هم أصلا في بلدهم.
وقد نشأ عن انفصال المبتعث عن البيئة المحيطة به عزلة أكبر, ارتدت, في بعض جوانبها, إلى نوع من التطرف الفكري, تطور بدوره إلى تطرف ديني. والسبب هنا ليس الحب بالله والدين, بقدر ما هو الفشل الذريع في التواصل مع البيئة المحيطة.
وأذكر أن بعض أصدقائي غادروا إلى الولايات المتحدة في بعثات علمية وهم أكثر انفتاحا بكثير من عودتهم.
بل ان بعضهم وصل به الأمر أن عاد يحمل أفكارا متطرفة كما لو أنه أبتعث إلى أفغانستان لا إلى كاليفورنيا.
وفي اعتقادي أن مثل هذا التطرف لم يأت بسبب الثقافة الدينية التي نشأ عليها الفرد السعودي في بيئته, بل هو بسبب عدم قدرته على التواصل مع البيئة التي يعيش فيها خارج بيئته السعودية.
تواصل المبتعث إذا مع البيئة التي تحيط به أثناء ابتعاثه هي أهم من الدراسة في الجامعة.
فمن يبتعث إلى أوروبا أو أمريكا, يجب أن يعلم أن التواصل مع الآخرين هو جامعة أخرى. على الطالب أن يدرك أن ابتعاثه من أجل تحصيل العلوم لاينحصر في الجامعة التي سيدرس فيها, فالشارع جامعة, والمسارح جامعة, والأصدقاء من أبناء البلد الذي يدرس فيه هم أيضا مجموعة جامعات متنقلة.
سأقول للطالب السعودي المبتعث أذهب وحافظ على دينك, لكن تواصل مع المجتمع الذي انت فيه بفكر منفتح.
لا تأخذ مواقف متحجرة ومسبقة من الآخرين, ومن عاداتهم وتقاليدهم. لا اقول تمسك بها. لا اقول حتى دافع عنها. لكن اتصل بها. وتواصل معها. فهذه جامعة اخرى. وفي يقيني انها ستكون اهم في اثرها عليك من الجامعة التي ستدرس فيها.
هذا ما يخلق التواصل والتفاهم والحوار مع الآخر. عندما نعرف كيف يفكر, وكيف سيفكر.
هكذا لايعود المبتعث متسلحا بالعلم فقط, بل وبقدرة على فهم الآخر, والحوار معه, والاستفادة من تجاربه. وهذا أهم العلوم.
هاني نقشبندي