يعقوب العمراني
21-03-19, 08:40 PM
كان رجل مثري قد اعطاه الله من اصناف المال المتنوع من عقار ونقود وعروض واموال كثيرة . وكان له صاحب يعرف منه النصح والعلم ، فقال لصاحبه شاكيآ له الحال : ألم ترى ما انا فيه من المال الواسع ، والاموال الكثيرة ؟ والناس متفقين على ان من كان كذلك ، فقد حصلت له السعادة الدنيوية والعيش الهين ، والحياة السعيدة ، وانا ما انا فيه لم ادرك ما ذكروا ، ولم ازل اتنقل من هم الى كدر ، ولم تحصل لي اللذة الصحيحة في حياتي ، فاحب ان ترشدني ياصاحبي الى الحياة السعيدة والى الراحة في حياتي .
فقال له صاحبه : يا اخي اعلم ان من اتى الامور من غير ابوابها وطرقها وسلك للمنافع غير مسالكها ، لم يدرك المطلوب ولم ينج من المرهوب ، وانت جعلت الدنيا اكبر همك ومبلغ علمك وحبيبك الوحيد الذي ملك عليك ظاهرك وباطنك ومشاعرك وحواسك كلها . ومن كان كذلك فهو طبعا لا يستريح في دنياه فإنه في كدر ، فضلا عن الاكدار التي تنتابه من جهة الاهل والعائلة ، والمعاملين والمعاشرين واختلاف الارادات ، وتعذر الاتفاق والانسجام بينهم من كل وجه ، او تعسر ذلك .
فقال له المثري : صدقت . من هذه الجهات كلها ، ومن غيرها يأتيني الكدر . والهم ملازم لي في كل احوالي . فهل من سبيل الى تخفيف ذلك او زواله بالكلية ؟ فقد ضاقت على الحيل والمحاولات ، وأنا حريص على راحة نفسي ، بأي سبيل .
فقال له صاحبه : يا اخي السبيل واضح ، ولكن مادامت خطتك على هذا المنوال ، فغير ممكن لك العيشة الهنية . فإن غيرت خطتك وفهمت ما اقول لك ، وعملت عليه ، رجوت لك الخير ، والحياة الطيبة السعيدة . فأول ذلك : ان تعلم علم اليقين ان الدنيا والاموال المتنوعة ليست هي المقصود لذاتها . وإنما مقصودة لغيرها ، ووسيلة يتوسل بها العبد الى منافعه الحقيقية ، ومطالبه الابدية ، وسعادته الاخروية . فاجعل يا اخي هذا المعنى الذي لا يستريب فيه العقلاء نصب عينيك ، وقبلة قلبك ، ثم اسع في تحصيل الدنيا ، وفي تصريفها ، وفي تدبيرها ، من كل جهة على هذا الاساس ، واستصحب النية الصادقة في جميع نواحي حياتك ، سعيآ وتدخيلا وتصريفآ ، فإذا عاملت الناس ببيع وشراء وتأجير ومشاركات وغيرها ، فأقصد بذلك القيام بالواجبات والمستحبات ، والاستغناء عن الخلق ، واقتصر على المعاملات الطيبة الحلال . واجتهد ان تكون مكاسبك كلها حلالآ ، ثم تصريفها في الواجبات من الزكاة والنفقات والمستحبات وتوابعها . تقرب بذلك الى الله ، واحتسب عنده الاجر والثواب ، واحمد ربك الذي اقدرك على المال ، ثم وفقك في صرفه على الوجوه النافعة التي تبرئ بها ذمتك ، وتكتسب بها الاجر العظيم عند الله ، وتكون لك مغنمآ لا مغرمآ . فإنك إن فعلت ذلك ، هانت عليك النفقات ، وبذلتها بسماحة ورغبة ، وعلم انها تكسب لها امثالها اضعافعآ مضاعفة . ومع ذلك ، فإذا حصل فيها ما تحب من زيادة ونمو وكمال ، فأكثر من حمد الله وشكره ، وإذا حصل فيها ما تكره ، فإحتسب ذلك عند الله ، واعتبرها من المصائب التي يعوض الله بها الصابرين عليها من الاجر اضعاف اضعاف ما فاتهم . فإنك إن وفقت لذلك حصلت لك الحياة الطيبة ، وهي راحة القلب وطمأنينته ، وطمعه في فضل الله وثوابه ، وفي كل حالة وفي كل وقت . ومع ذلك ، فإنه لا يفوتك من نصيبك من الدنيا ولا من لذاتها شيئ ، بل تستوفيها كاملة هنيئة ، تفوق فيها لذة المترفين ونعيمهم ، ويجمع الله لك بين خيري الدنيا والاخرة . وأعلم ان هذا ليس بعسير ، بل هو يسير على من يسره الله عليه . ومن ذاق طعم هذه الحياة ، علم ان هذه الحياة التي يسعى لها الخلق وارباب الدنيا وجمهورهم ، لم يدركها ، بل مات بغمه ، ولم يذق لها طعمآ . ولكنك يا اخي تحتاج الى تمرين كثير ، وتغيير لطبيعتك الاولى التي ملكت الدنيا عليك مشاعرك وامورك كلها ، وتستعين الله على ذلك ، فمن توكل عليه اعانه وكفاه . فوا اسفآ لمن اعطوا نصيبآ من الدنيا فخسروها ، وأعطو الاسباب التي تدرك بها الخيرات فلم يستعملوها !
وما أحسن ما قاله الحكيم في شعره :
ولم ار في عيوب الناس شيئآ كنقص القادرين على التمام .
من كتاب / الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة ، تأليف العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي .
فقال له صاحبه : يا اخي اعلم ان من اتى الامور من غير ابوابها وطرقها وسلك للمنافع غير مسالكها ، لم يدرك المطلوب ولم ينج من المرهوب ، وانت جعلت الدنيا اكبر همك ومبلغ علمك وحبيبك الوحيد الذي ملك عليك ظاهرك وباطنك ومشاعرك وحواسك كلها . ومن كان كذلك فهو طبعا لا يستريح في دنياه فإنه في كدر ، فضلا عن الاكدار التي تنتابه من جهة الاهل والعائلة ، والمعاملين والمعاشرين واختلاف الارادات ، وتعذر الاتفاق والانسجام بينهم من كل وجه ، او تعسر ذلك .
فقال له المثري : صدقت . من هذه الجهات كلها ، ومن غيرها يأتيني الكدر . والهم ملازم لي في كل احوالي . فهل من سبيل الى تخفيف ذلك او زواله بالكلية ؟ فقد ضاقت على الحيل والمحاولات ، وأنا حريص على راحة نفسي ، بأي سبيل .
فقال له صاحبه : يا اخي السبيل واضح ، ولكن مادامت خطتك على هذا المنوال ، فغير ممكن لك العيشة الهنية . فإن غيرت خطتك وفهمت ما اقول لك ، وعملت عليه ، رجوت لك الخير ، والحياة الطيبة السعيدة . فأول ذلك : ان تعلم علم اليقين ان الدنيا والاموال المتنوعة ليست هي المقصود لذاتها . وإنما مقصودة لغيرها ، ووسيلة يتوسل بها العبد الى منافعه الحقيقية ، ومطالبه الابدية ، وسعادته الاخروية . فاجعل يا اخي هذا المعنى الذي لا يستريب فيه العقلاء نصب عينيك ، وقبلة قلبك ، ثم اسع في تحصيل الدنيا ، وفي تصريفها ، وفي تدبيرها ، من كل جهة على هذا الاساس ، واستصحب النية الصادقة في جميع نواحي حياتك ، سعيآ وتدخيلا وتصريفآ ، فإذا عاملت الناس ببيع وشراء وتأجير ومشاركات وغيرها ، فأقصد بذلك القيام بالواجبات والمستحبات ، والاستغناء عن الخلق ، واقتصر على المعاملات الطيبة الحلال . واجتهد ان تكون مكاسبك كلها حلالآ ، ثم تصريفها في الواجبات من الزكاة والنفقات والمستحبات وتوابعها . تقرب بذلك الى الله ، واحتسب عنده الاجر والثواب ، واحمد ربك الذي اقدرك على المال ، ثم وفقك في صرفه على الوجوه النافعة التي تبرئ بها ذمتك ، وتكتسب بها الاجر العظيم عند الله ، وتكون لك مغنمآ لا مغرمآ . فإنك إن فعلت ذلك ، هانت عليك النفقات ، وبذلتها بسماحة ورغبة ، وعلم انها تكسب لها امثالها اضعافعآ مضاعفة . ومع ذلك ، فإذا حصل فيها ما تحب من زيادة ونمو وكمال ، فأكثر من حمد الله وشكره ، وإذا حصل فيها ما تكره ، فإحتسب ذلك عند الله ، واعتبرها من المصائب التي يعوض الله بها الصابرين عليها من الاجر اضعاف اضعاف ما فاتهم . فإنك إن وفقت لذلك حصلت لك الحياة الطيبة ، وهي راحة القلب وطمأنينته ، وطمعه في فضل الله وثوابه ، وفي كل حالة وفي كل وقت . ومع ذلك ، فإنه لا يفوتك من نصيبك من الدنيا ولا من لذاتها شيئ ، بل تستوفيها كاملة هنيئة ، تفوق فيها لذة المترفين ونعيمهم ، ويجمع الله لك بين خيري الدنيا والاخرة . وأعلم ان هذا ليس بعسير ، بل هو يسير على من يسره الله عليه . ومن ذاق طعم هذه الحياة ، علم ان هذه الحياة التي يسعى لها الخلق وارباب الدنيا وجمهورهم ، لم يدركها ، بل مات بغمه ، ولم يذق لها طعمآ . ولكنك يا اخي تحتاج الى تمرين كثير ، وتغيير لطبيعتك الاولى التي ملكت الدنيا عليك مشاعرك وامورك كلها ، وتستعين الله على ذلك ، فمن توكل عليه اعانه وكفاه . فوا اسفآ لمن اعطوا نصيبآ من الدنيا فخسروها ، وأعطو الاسباب التي تدرك بها الخيرات فلم يستعملوها !
وما أحسن ما قاله الحكيم في شعره :
ولم ار في عيوب الناس شيئآ كنقص القادرين على التمام .
من كتاب / الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة ، تأليف العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي .