تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : القبيلة و المجتمع - البنية و نقيضها


الآتي الأخير
01-11-07, 03:34 PM
أشرنا في المقالة الماضية لموضوع مهرجانات مزايين الإبل ومسابقات الشعر النبطي وظاهرة انتشار علامات الوسم القبائلي على لوحات السيارات، وهو الشيء الذي اثار ردود فعل ناقدة كشف عنها تحقيق جريدة "الرياض"، وهذا الأمر بدا وكأنه يركز على القبيلة والقبائلية وينسب اليها الأخطاء كلها، وكأن ليس لدينا من أخطاء غير هذه او كأنها العلة الأصل، وهذا تصور ملتبس ولا شك وإن كان للبس ما يفسره، وهو تصور ليس كلياً وليس كامل الصحة ولا يمكن حصره بهذه الوضعية فحسب، وذلك اننا نعلم علم اليقين ان العلة النسقية بوصفها داء اجتماعيا وثقافيا ليست في مظاهرها التي تتجلى فيها ولكنها اعمق من ذلك وأخطر، وهي تتوسل عادة بوسائل تجعلها تعبيرا مرحليا عنها، وفي حالتنا هذه صارت القبيلة هي التعبير النسقي الأبرز مرحلياً، ولذا تركز الحديث عنها وتمحور عليها، حتى ليبدو الأمر وكأن أمر القبيلة هو علة العلل مع انه ليس كذلك، وربما جرى الوهم بأننا لو تخلصنا من موضوع القبائلية فإننا سنخلص من مشاكلنا كلها، وهذا وهم معرفي مضلل ايضا.
ان مشاكلنا هي في بنيتنا الثقافية التقليدية المنغلقة وهي بنية يرتع فيها النسق ويجد له فيها منافذ كثيرة كالمناطقية والفئوية والطائفية والمذهبية، وهي كلها صيغ نسقية انحيازية وعنصرية وتمييزية صارخة، وقد يجد اصحابها صعوبة في تمثيلها شعرياً ومهرجانياً ولكننا نجدها في صيغ أخرى كالنكتة مثلما ونجدها في السلوك الوظيفي وفيما يسمى بالفزعة، ونجدها في خطاب الإنترنت ونجدها في صيغ رمزية كاللباس، وإن بدا اللباس محايدا وثقافيا لكنه ينطوي على مسكوت عنه مضمر تحت اللباس ويشف عن تحيز فئوي. وهي بكل تأكيد تسكن ثاوية في المضمر العميق الذي يظل كامناً الى ان يجد له فرصة يشهر فيها عن نفسه.

كل ذلك كائن ويكون باستمرار، غير ان القبيلة برزت من بين ذلك كله وجعلت نفسها مادة للحديث وللنظر بسبب قوة الخطاب الناتج عنها، ويشهد على ذلك ما نجده في الإنترنت والفضائيات وعلى لوحات السيارات وفي الأشعار وفي كتب الأنساب وشجراتها، ولاشك اننا سنقول ان هذه لو اختفت وانتهى امرها وتوقف الناس عن التفاخر القبلي لاشك اننا سنقول ان النسق سيبتكر له صيغة اخرى تعبر عنه وتمثل شروطه، وسأضرب مثلا يوضح هذه القضية.

وهذا المثل يتعلق بمصطلح (الخليجي) وهو المصطلح الذي افرزته الطفرة النفطية، وهو تعبير ملتبس يحمل الشيء ونقيضه، حيث هو في الأصل علامة على تحول ثقافي لمجموعة بشرية كانت منسية ومهمشة وكانت خارج اطار التاريخ والزمن، ثم نفحها الله بثروة درت عليها خيرا كثيرا في العلم والصحة والعمران وتحول اهلها من النسيان الى الواجهة، وهذا أمر إيجابي جرى التعبير عنه بمصطلح (الخليجي) الذي يضم هذه الفئات جغرافياً وظرفياً ويوحد صفاتهم، ولم يكن المصطلح معروفا من قبل ولكن الظرف الجديد خلق صيغته الخاصة، وكان للأمر ان يمر حيادياً وموضوعياً لولا المبالغة ف يتمثيل الشخصية الخليجية وجاءت خطابات وتعبيرات طاغية في غلوها حول تميز هذا الكائن النفطي الخليجي وزخرت الصحافة في بعض مناطق الخليج في مرحلة ما قبل عام 1990بخطاب غالى كثيراً في تمييز الخليجيين وتصويرهم بصورة متعالية، وعزز هذا اعتماد السلوك الخليجي على المال حتى جاء من يظن ان المال يشتري كل شيء من قصائد الشعراء الى نشر الكتب وكتابات النقاد والعلماء والأفكار والأقلام مثلما تشترى الأجساد والمتع وكل زينات الحياة ومثلها شراء الذمم والسياسات والمواقف والإعلام.

كل ذلك جرى تحت مظلة مصطلح جميل الأصل وصادق المعنى ولكن جرى تشويه الجميل وتقبيحه مما استثار ردود فعل كاسحة ومؤثرة وجاء خطاب مضاد ينسب للخليجي كل الشرور وكل سوءات الزمن العربي والمحن العربية.

والاثنان معا خاطئان ويمثلان صورا من التبادل النسقي في الإقصاء والعنصرية، مع العنصرية المضادة. هذه هي سيرة النسق حينما يأخذ اجمل ما فينا ثم يشوهه، ثم حينما يبني الفعل والفعل المضاد في صيغة تناسخ مستمرة وسلبية. ان النسق فيروس يهاجم اجمل ما فينا ويحول الجسد السليم المعافى الى جسد مريض حتى ليكون معديا وكأنما هو مخزن امراض.

وفي رواية أمبرتو إيكو (اسم الوردة) كانت الصفة الملازمة للإسلام هي في وصفه بدين الكفار مع وصف المسلمين بالكفار، تماما مثلما كان الخطاب المسيحي الأسباني في الجوار الأندلسي المسلم يصف ثقافتنا بثقافة الكفار، مع انهم يدرسون ثقافتنا ويطلبونها، ويحاكون افعال اسلافنا ويتشبهون بهم، وتقليد شباب اوروبا لثقافة أسلافنا هو ما دعا رجال الكنيسة الى لوم شباب الأسبان على تشبههم بالكفار في لباسهم وفي لغتهم وفي مأكلهم، وهم يعنون بذلك ثقافة الإسلام وتقاليد المسلمين التي اغرت شباب اوروبا في ذلك الحين بتقليدها ومحاكاتها لأنها هي الثقافة الطليعية حينذاك.

وهذا كله صورة لما يفعله النسق من تطوعه في تقديم مخترعات لفظية ومصطلحات تعبيرية تساعد الذات المنغلقة في تحصين انغلاقها وحماية نفسها من الآخر الذي سيبدو خصماً وستبدو ثقافته خطراص يجب التمترس ضدها حربيا ومصطلحياً وسلوكياً. وكل حالة انغلاق سوف تخلق بيئة يرتع فيها النسق غير مراقب وغير منقود ويجري تسويقه بوصفه حقيقة فطرية ومنطقا قطعيا.

ولم تكن النسقية قط اختراعا قبائليا والقبيلة ليست هي ما انتجه، ولكن الذي نمر به اليوم ثقافياً هو اننا نشهد حالة ثقافية نادرة جداً وخطرة جداً، وفيها يتم تجيير أجمل ما فينا ليكون من أقبح ما فينا، ويتم تحويل ماهو ثقافي وتاريخي وإنساني، يتم تحويله الى قيمة عنصرية تحيزية حتى ليصير اقصائياً، ونحن نشاهد كيف تتسع صيغ الإقصاء من مستواها البسيط الى مستويات شديدة التعقيد، ولقد كان التفريق والتمييز ابتدأ فيما بين البدوي والحضري حيث يسخر كل واحد منهما من الآخر وكنا نشاهد هذا في النكت وفي التمثيليات، ونتذكر هنا تمثيلية عبدالعزيز الهزاع عن البدوي الذي ركب الطيارة، ثم تصاعد الأمر ليكون بين القبيلة وغير القبيلة ثم صار بين القبائل ذاتها حيث صارت كل واحدة تصعد نفسها فوق الآخرين، وجاءت الفرص التعبيرية المتاحة اعلامياً في الفضاء وفي الإنترنت وفي مهرجانات المزايين، وظهر المحبوس وبمثل ما كان ظهوره شديداً وعالياً فإن ردة الفعل عليه صارت شديدة وعالية ونبيلة ومثل ذلك مسابقات الشعر وحقوق الهوية الكريمة، وهذا كله لا يسبب مشكلة ولا يصنع ردة فعل، وأنا شخصيا استمتع حقاً بمنظر الإبل وهي تلاعب الريح في مشيتها وكأنما تكتب تاريخا للبشرية في الخيال وفي الهوية، ولكن الذي يستنهض ردود الفعل الناقدة هو انحراف الاهتمام هنا من قيمته الثقافية الى قيم اخرى فيها تتميز او اقصاء.

وليس من هدف هذه المقالات ان تكون مع او ضد، ولكنني هنا أقرأ الورقة الاجتماعية التي ينكشف فيها فعل النسق بأبرز صيغه وأشدها تفاعلية وهذه فرصة بحثية نادرة حيث ترى الظاهرة بين يدي الناس كلهم وحيث تقرأ سيرة النسق وهو يتخلق امامك، وكم هو مفيد لهذه المقالات ان أرى تعليقات الناس تأتيني من كل مصدر ومن كل مستوى، وأعلى ما فيها هو نقد الذات ونقد مصطلحاتنا الشخصية ونقد سلوكنا المباشر وهي مهمة ليست يسيرة بكل تأكيد، ولكن الالتزام بالشرط العلمي والمنهجي هو ما يساعد على عبور المبحث الإشكالي دون الانحراف بالحق العلمي الى ماهو غير علمي وغير موضوعي.

وهنا اقول ان الوعي بالقبيلة هو وعي ثقافي بالدرجة الأولى ولكن لابد من ملاحظة الشرط المنهجي في تعريف الوعي، وهو اننا كلما زاد وعينا بشيء وتجاوز هذا الوعي حدوده الواقعية فإن ذلك سيخلق وعيا مضادا ويحفز رد فعل عكسي على درجة مماثلة في الحدة.

ومع شأن القبيلة نلاحظ وجود وعيين متناقضين حولها، اولهما وعي بها والآخر وعي ضدها، وحينما كانت القبيلة محايدة في مرحلة ما بعد التأسيس واستقرار الدولة الى ما قبل عشرين سنة من الآن وهي المرحلة التي لم يكن هناك نقد للقبائلية لأن الوعي بالقبيلة حينها كان ثقافيا وإنسانيا، ولكن حينما خرج الوعي القبلي عن هذين الشرطين وتحول الى وعي نسقي جاء النقد وكثرت الصيحات حوله. إن الوعي يخلق وعيا مجاريا له والبنية تخلق بنية محايثة لها، وتتحول العلاقة بين القطبين الى علاقة سلبية كلما طغت عناصر السلب على الوعي الأولي.

وسأظل اقول انه من المفيد خروج المسكوت عنه وكشف عيوبنا النسقية مهما كانت قاسية وحادة، ومن المفيد ان ننشط الحس النقدي في ثقافتنا لكي نفهم انفسنا بواقعية وعقلانية.
بقلم / د . عبد الله محمد الغذامي

almansy
01-11-07, 06:20 PM
وهنا اقول ان الوعي بالقبيلة هو وعي ثقافي بالدرجة الأولى ولكن لابد من ملاحظة الشرط المنهجي في تعريف الوعي، وهو اننا كلما زاد وعينا بشيء وتجاوز هذا الوعي حدوده الواقعية فإن ذلك سيخلق وعيا مضادا ويحفز رد فعل عكسي على درجة مماثلة في الحدة.



بل ان احياء القبليه بهذا الشكل والتنافس الحاد لاظهار وتميز قبيله عن اخرى

جعلت هناك صراعات ومناقشات حاده يوميه نشهدها بأنفسنا بين ابناء القبائل

وتميل الى التنافر واللمز المقصود وغير المقصود هو امر خطير جدا

واحياء التراث على اساس التناغم الجماعي بين كل فئات المجتمع من المؤكد انه صحي اكثر

وما نشهده في ايامنا هذه من استغلال بعض القنوات الخاصه والمستقله لاجواء المشاحنات

وتغذيتها على غرار برنامج الجزيره ذائع الصيت ( الاتجاه المعاكس )

بارك الله بك اخي الاتي الاخير لنقل المقال