الشهاب
13-11-07, 07:51 PM
ما لا يصدق في الأرض المحتلــة
بقلم: فهمـي هـويـــدي
كل ما يحدث في الأرض المحتلة غير قابل للتصديق, أما صداه في العالم العربي فهو ليس أفضل منه حالا!
(1)
يوم الإثنين الماضي(5 -11) توفي الشاب بسام حمدي حرارة, الذي كان مصابا بفشل في الكليتين, بعدما منعته سلطات الاحتلال الإسرائيلي من مغادرة قطاع غزة لتلقي العلاج في مصر, وكانت صحته قد تدهورت أخيرا, بعدما شهدت وظائف الكليتين تراجعا كبيرا في أثناء رحلة علاجه التي استمرت أربعة أشهر في مستشفي الشفاء بغزة, ظل بسام البالغ من العمر36 عاما يحلم بأن يجئ إلي مصر ليجري عملية زرع كلية تنقذ حياته, ومنذ شهرين قدمت أسرته طلبا للسلطات الإسرائيلية لكي تسمح له بالخروج, ولكن قرار الحصار جعل مثل هذه الطلبات تمر بإجراءات طويلة, أريد بها معاقبة الفلسطينيين وإذلالهم, وبطبيعة الحال فإن بسام لم يكن الوحيد الذي كان ضحية النقص الخطير في الأدوية الذي سببه الحصار ولا ضغوط الإذلال والقهر التي يمارسها الإسرائيليون, فقد كان المريض الثالث الذي تدهورت حالته ولفظ أنفاسه الأخيرة خلال أسبوع لذات السبب, وحسب معلومات وزارة الصحة الفلسطينية, فإن سبعة أشخاص علي الأقل فقدوا حياتهم منذ شهر يونيو الماضي لذات السبب, وهناك ألف مريض معرضون للموت بسبب عدم توافر الأدوية اللازمة لعلاجهم في الداخل.
للإذلال وجه آخر تمثل في ابتزاز بعض المرضي واشتراط تجنيدهم لحساب المخابرات الداخلية الإسرائيلية( الشاباك) مقابل السماح لهم بالعلاج, وقد نشر الأهرام ويكلي تقريرا حول هذا الموضوع في7/11, كتبه من غزة الزميل صالح النعامي, وفيه روي قصة الصحفي بسام الوحيدي(30 سنة) الذي احتاج لإجراء عملية لإعادة شبكية العين إلي موضعها وإلا فقد بصره, وبعد أن رتب الأمر مع أحد المستشفيات الفلسطينية بالقدس, قصد معبر إيريز ليذهب إلي المستشفي, ولكن عناصر الشاباك احتجزته وأهانته وقامت بتعريته كاملا, قبل أن تدخله إلي أحد محققي الجهاز, الذي وجه إليه خلال خمس ساعات سيلا من الأسئلة حول جماعات المقاومة في القطاع, وفي نهاية اللقاء أخبره صراحة أنه لن يسمح له بالذهاب لإجراء العملية إلا اذا تعاون معهم وقدم لهم المعلومات اللازمة عن المقاومة وعناصرها, ولكن الرجل فضل أن يفقد بصره علي أن يصبح عميلا للشاباك, نفس القصة تكررت مع الدكتور كامل المغني العميد السابق لكلية الفنون الجميلة بجامعة النجاح(65 عاما), الذي أصيب بسرطان في رقبته, وأجريت له جراحة في أحد المستشفيات الإسرائيلية ثم طلب منه التردد علي المستشفي بعد ذلك لكي يتلقي علاجا بالأشعة, وفي أول محاولة له للانتظام في جرعات العلاج, تعرض لنفس الموقف عند معبر ايريز, فرفض وقرر أن يعود أدراجه إلي غزة ليموت فيها شريفا.
بطبيعة الحال, فإن هذا الموقف يتعرض له كل المرضي الذين يبحثون عن العلاج خارج القطاع, خصوصا أصحاب الأمراض الخطيرة, ولا مفر من الاعتراف بأن البعض يضعفون أمام شبح الموت أو العجز الذي يتهددهم, فيمتثلون لما طلب منهم, علي الأقل خلال فترة العلاج, ومنهم من يبلغ السلطات المعنية في القطاع بذلك.
لا يقف الإذلال عند ذلك الحد, ولكن إسرائيل منذ اعتبرت قطاع غزة كيانا معاديا, فإنها لجأت إلي أسلوب القطع التدريجي للوقود والكهرباء والمياه عنه, كما عملت علي تقليص كميات الغذاء والدواء التي تصل إلي القطاع, الأمر الذي يعد عقابا جماعيا للمدنيين في القطاع(1,5 مليون), ومخالفة صارخة للقانون الدولي, وإذ استنكرها الأمين العام للأمم المتحدة وممثل الاتحاد الأوروبي وروسيا وفرنسا والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي, فإن العواصم العربية لم تحرك إزاءها ساكنا!
(2)
في 2 -11 الحالي, نشرت صحيفة الأحداث التي تصدر في مدينة الناصرة حوارا مع وزيرة التعليم والثقافة السابقة شلوميت ألوني, دعت فيه إلي تقديم كل من وزير الدفاع الحالي إيهود باراك ورئيس الأركان السابق دان حالوتس لمحكمة العدل الدولية في لاهاي, بسبب ما ارتكباه من جرائم بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني, فقالت إن باراك هو الرجل الأكثر خطورة علي إسرائيل, بسبب دمويته وغروره, وهو لا يتردد في الذهاب في جرائمه بحق الفلسطينيين إلي أبعد مدي, ظنا منه أنه بذلك يستطيع الانتصار علي خصمه بنيامين نيتانياهو في الانتخابات المقبلة, وهاجمت ألوني التي تزعمت في السابق حركة ميريتس اليسارية قرار باراك بفرض عقوبات جماعية علي الفلسطينيين في قطاع غزة قائلة إن العقاب الجماعي هو جريمة ضد الإنسانية( أبومازن وقادة السلطة في رام الله لم يصدر عنهم مثل هذا الكلام).
كشفت السيدة ألوني النقاب عن أن دان حالوتس أصدر في أثناء الحرب اللبنانية تعليماته بإلقاء قنابل انشطارية ـ محظورة دوليا ـ علي مناطق مأهولة بالسكان المدنيين, الأمر الذي يصنفه كمجرم حرب, علما بأن حالوتس حين كان قائدا للقوات الجوية في عام2002, أمر بإلقاء قنبلة تزن طنا علي منزل الشيخ صلاح شحادة قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحماس, وهو ما أدي إلي وقوع مجزرة بشعة, قتل فيها15 فلسطينيا بينهم تسعة أطفال, في حين قتل سبعون آخرون.
روت ألوني للصحيفة أنها قبل أسبوع ألقت محاضرة أمام ضباط كلية الأمن الوقائي في تل أبيب, دعت فيها إلي عدم توجيه اللوم إلي الفلسطينيين في حال تنفيذهم للعمليات الاستشهادية لأن كل واحد منكم يداه ملطختان بالدماء فهم يلقون القنابل كما أنكم تلقونها, ولديكم طائرات وهم لا يملكون منها شيئا, ولذلك فإنهم يفجرون أنفسهم في الأهداف الإسرائيلية, وحينذاك قال لها أحد الضباط كيف تقارنين الدم اليهودي بالدم الفلسطيني, فردت عليه قائلة إن لونه أحمر بنفس درجة الدم اليهودي.
(3)
في نفس يوم 2 -11 الذي نشر فيه كلام شلوميت ألوني ودعت فيه إلي محاكمة باراك وحالوتس دوليا باعتبارهما من مجرمي الحرب, سمحت إسرائيل لقوة أمنية فلسطينية قوامها300 رجل بالدخول إلي نابلس( عاصمة الانتفاضة) لاختبار قدرتها علي تجريد عناصر المقاومة من سلاحها وإجبارهم علي توقيع تعهدات بوقف عملياتهم العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي, وأعلنت إسرائيل أنها سمحت للقوة الفلسطينية بالدخول إلي نابلس لفرض الأمن فيها, لكن ذلك لن يمنعها من أن تقوم بعمليات عسكرية في المدينة ليلا, ونشرت صحيفة الحياة اللندنية في3 -11 تصريحا لمحافظ نابلس جمال محيسن, قال فيه إن إسرائيل قد تقوم بعمليات عسكرية في أثناء النهار أيضا!, وذكر تقرير الحياة أن ثمة مجموعات تابعة لحركة فتح مازالت ترفض تسليم سلاحها ووقف مقاومة الاحتلال, وهي تشكل أحد التحديات التي تواجه حكومة سلام فياض التي قررت تجريد المقاومة من سلاحها, وهي المهمة التي تشكل الاستحقاق الرئيسي لخطة خريطة الطريق.
في اليوم ذاته(2 -11) نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الجيش الإسرائيلي شكل أخيرا وحدة جديدة مهمتها رصد ومتابعة كل المؤسسات المدنية التابعة لحركة حماس في الضفة, بهدف تصفيتها وتقديم المسئولين عنها إلي المحاكمة بتهمة الإرهاب, وقالت الصحيفة إن إسرائيل أدركت في وقت متأخر أن الخطر الذي تمثله حماس لا يكمن في ناشطيها المسلحين فحسب, وإنما أيضا في مؤسساتها الخيرية والتعليمية والصحية ومنابرها الإعلامية, التي وصفها المعلق العسكري للصحيفة إليكس فيشمان بـ الأخطبوط المخيف الذي يمثل الخطر الأكبر الذي تواجهه إسرائيل والسلطة الفلسطينية في رام الله.
وبطبيعة الحال فإن عملية المتابعة هذه تستند إلي معلومات التعاون الأمني بين الأجهزة الإسرائيلية وأجهزة السلطة الوطنية في رام الله, علما بأن ملاحقة عناصر المقاومة التابعة لحركة حماس والجهاد في الضفة تمت أيضا في إطار ذلك التعاون بين الأجهزة الأمنية للطرفين.
هذه الخلفية تساعدنا علي فهم وتفسير الخبر المثير الذي نشره الأهرام في9 -11, خاصا بمشروع أعدته البعثة الفلسطينية لدي الأمم المتحدة, لاستصدار قرار لم تؤيده المجموعة العربية, يدعو الجمعية العامة لاعتبار حركة حماس( ميليشيا) خارجة علي القانون!!
(4)
بالتوازي مع محاولات خنق قطاع غزة, وتطهير الضفة من العناصر التي يمكن أن تتصدي للاحتلال, وفي أجواء الصمت المخيم علي العالم العربي إزاء ما يجري, أثار الانتباه أن بعض غلاة القادة الإسرائيليين تحدثوا عن الرغبة في القيام بانسحاب جزئي من الأحياء الفلسطينية في شرق القدس, في حالة التوصل إلي اتفاق سلام مع الفلسطينيين, وهذا ما أعلنه في 7 - 10 الوزير اليميني المتشدد أفيجدور ليبرمان زعيم ائتلاف إسرائيل بيتنا, والداعي إلي طرد الفلسطينيين من إسرائيل( سبق أن دعا إلي ضرب السد العالي وقصف المقر الرئاسي في دمشق), وتضامن معه في اقتراحه نائب رئيس الوزراء حاييم رامون, الذي لا يختلف عنه كثيرا, وهذا الإعلان لم يكن سوي قنبلة دخان هدفها إثارة الغبار وحجب الحقيقة, ليس فقط لأن ملف القدس مغلق في الحسابات السياسية الإسرائيلية, ولا يستطيع أولمرت بتحالفه الهش أن يقترب منه, وهو من يعلم أنه كان أحد أسباب سقوط بعض أسلافه( بيريز ونيتانياهو وباراك), ولكن أيضا لأن المقصود بشرقي القدس والأحياء العربية فيها هو بعض المخيمات والقري والبلديات التي أضيفت إلي نطاق المدينة بعد عام1967, في الوقت ذاته فإن الدخان الذي أحدثته تلك التصريحات صرف الانتباه عن قرار إسرائيلي بضم1129 دونما( أكثر من500 فدان) من أراضي أربع قري إسرائيلية تقع في محيط القدس( هي أبوديس والسواحرة الشرقية والنبي موسي والخان الأحمر), وذلك بهدف إنشاء مجمع من المستوطنات في إطار مشروع القدس الكبري وتمهيدا لبناء3500 سكن جديد, إضافة إلي مجمع صناعي ومن شأن هذه الخطوة أن تغير من جغرافية المنطقة, بحيث تتيح تواصلا جغرافيا لليهود ما بين مستعمرة معالي أدوميم الكبيرة وبين القدس, وفي حالة استكمال بناء ما تبقي من جدار الفصل حول المدينة المقدسة, فإن إسرائيل ستكون قد استحوذت علي نصف مجمل أراضي الضفة الغربية, مهدرة بذلك حقوق أكثر من200 ألف فلسطيني.
ذلك كله يحدث في الوقت الذي تتأهب فيه إسرائيل للمشاركة في مؤتمر أنابوليس الذي يقال إنه يستهدف تحريك السلام, وهو ما ذكرني بما قاله مناحيم بيجين رئيس الوزراء الأسبق حين سئل عن سر تقديره الخاص لإيهود أولمرت برغم أنه تمرد عليه وصوت ضد كامب ديفيد, فكان رده: يعجبني فيه بشكل خاص خداعه ودهاؤه, وقدرته الفائقة علي قول الشئ ونقيضه في وقت واحد, لكن ما حيرني حقا أن أبومازن حين سأله قبل ثلاثة أسابيع مندوب صحيفة واشنطن بوست عن رأيه في أولمرت فقال: تعجبني استقامته ونزاهته!
بقلم: فهمـي هـويـــدي
كل ما يحدث في الأرض المحتلة غير قابل للتصديق, أما صداه في العالم العربي فهو ليس أفضل منه حالا!
(1)
يوم الإثنين الماضي(5 -11) توفي الشاب بسام حمدي حرارة, الذي كان مصابا بفشل في الكليتين, بعدما منعته سلطات الاحتلال الإسرائيلي من مغادرة قطاع غزة لتلقي العلاج في مصر, وكانت صحته قد تدهورت أخيرا, بعدما شهدت وظائف الكليتين تراجعا كبيرا في أثناء رحلة علاجه التي استمرت أربعة أشهر في مستشفي الشفاء بغزة, ظل بسام البالغ من العمر36 عاما يحلم بأن يجئ إلي مصر ليجري عملية زرع كلية تنقذ حياته, ومنذ شهرين قدمت أسرته طلبا للسلطات الإسرائيلية لكي تسمح له بالخروج, ولكن قرار الحصار جعل مثل هذه الطلبات تمر بإجراءات طويلة, أريد بها معاقبة الفلسطينيين وإذلالهم, وبطبيعة الحال فإن بسام لم يكن الوحيد الذي كان ضحية النقص الخطير في الأدوية الذي سببه الحصار ولا ضغوط الإذلال والقهر التي يمارسها الإسرائيليون, فقد كان المريض الثالث الذي تدهورت حالته ولفظ أنفاسه الأخيرة خلال أسبوع لذات السبب, وحسب معلومات وزارة الصحة الفلسطينية, فإن سبعة أشخاص علي الأقل فقدوا حياتهم منذ شهر يونيو الماضي لذات السبب, وهناك ألف مريض معرضون للموت بسبب عدم توافر الأدوية اللازمة لعلاجهم في الداخل.
للإذلال وجه آخر تمثل في ابتزاز بعض المرضي واشتراط تجنيدهم لحساب المخابرات الداخلية الإسرائيلية( الشاباك) مقابل السماح لهم بالعلاج, وقد نشر الأهرام ويكلي تقريرا حول هذا الموضوع في7/11, كتبه من غزة الزميل صالح النعامي, وفيه روي قصة الصحفي بسام الوحيدي(30 سنة) الذي احتاج لإجراء عملية لإعادة شبكية العين إلي موضعها وإلا فقد بصره, وبعد أن رتب الأمر مع أحد المستشفيات الفلسطينية بالقدس, قصد معبر إيريز ليذهب إلي المستشفي, ولكن عناصر الشاباك احتجزته وأهانته وقامت بتعريته كاملا, قبل أن تدخله إلي أحد محققي الجهاز, الذي وجه إليه خلال خمس ساعات سيلا من الأسئلة حول جماعات المقاومة في القطاع, وفي نهاية اللقاء أخبره صراحة أنه لن يسمح له بالذهاب لإجراء العملية إلا اذا تعاون معهم وقدم لهم المعلومات اللازمة عن المقاومة وعناصرها, ولكن الرجل فضل أن يفقد بصره علي أن يصبح عميلا للشاباك, نفس القصة تكررت مع الدكتور كامل المغني العميد السابق لكلية الفنون الجميلة بجامعة النجاح(65 عاما), الذي أصيب بسرطان في رقبته, وأجريت له جراحة في أحد المستشفيات الإسرائيلية ثم طلب منه التردد علي المستشفي بعد ذلك لكي يتلقي علاجا بالأشعة, وفي أول محاولة له للانتظام في جرعات العلاج, تعرض لنفس الموقف عند معبر ايريز, فرفض وقرر أن يعود أدراجه إلي غزة ليموت فيها شريفا.
بطبيعة الحال, فإن هذا الموقف يتعرض له كل المرضي الذين يبحثون عن العلاج خارج القطاع, خصوصا أصحاب الأمراض الخطيرة, ولا مفر من الاعتراف بأن البعض يضعفون أمام شبح الموت أو العجز الذي يتهددهم, فيمتثلون لما طلب منهم, علي الأقل خلال فترة العلاج, ومنهم من يبلغ السلطات المعنية في القطاع بذلك.
لا يقف الإذلال عند ذلك الحد, ولكن إسرائيل منذ اعتبرت قطاع غزة كيانا معاديا, فإنها لجأت إلي أسلوب القطع التدريجي للوقود والكهرباء والمياه عنه, كما عملت علي تقليص كميات الغذاء والدواء التي تصل إلي القطاع, الأمر الذي يعد عقابا جماعيا للمدنيين في القطاع(1,5 مليون), ومخالفة صارخة للقانون الدولي, وإذ استنكرها الأمين العام للأمم المتحدة وممثل الاتحاد الأوروبي وروسيا وفرنسا والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي, فإن العواصم العربية لم تحرك إزاءها ساكنا!
(2)
في 2 -11 الحالي, نشرت صحيفة الأحداث التي تصدر في مدينة الناصرة حوارا مع وزيرة التعليم والثقافة السابقة شلوميت ألوني, دعت فيه إلي تقديم كل من وزير الدفاع الحالي إيهود باراك ورئيس الأركان السابق دان حالوتس لمحكمة العدل الدولية في لاهاي, بسبب ما ارتكباه من جرائم بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني, فقالت إن باراك هو الرجل الأكثر خطورة علي إسرائيل, بسبب دمويته وغروره, وهو لا يتردد في الذهاب في جرائمه بحق الفلسطينيين إلي أبعد مدي, ظنا منه أنه بذلك يستطيع الانتصار علي خصمه بنيامين نيتانياهو في الانتخابات المقبلة, وهاجمت ألوني التي تزعمت في السابق حركة ميريتس اليسارية قرار باراك بفرض عقوبات جماعية علي الفلسطينيين في قطاع غزة قائلة إن العقاب الجماعي هو جريمة ضد الإنسانية( أبومازن وقادة السلطة في رام الله لم يصدر عنهم مثل هذا الكلام).
كشفت السيدة ألوني النقاب عن أن دان حالوتس أصدر في أثناء الحرب اللبنانية تعليماته بإلقاء قنابل انشطارية ـ محظورة دوليا ـ علي مناطق مأهولة بالسكان المدنيين, الأمر الذي يصنفه كمجرم حرب, علما بأن حالوتس حين كان قائدا للقوات الجوية في عام2002, أمر بإلقاء قنبلة تزن طنا علي منزل الشيخ صلاح شحادة قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحماس, وهو ما أدي إلي وقوع مجزرة بشعة, قتل فيها15 فلسطينيا بينهم تسعة أطفال, في حين قتل سبعون آخرون.
روت ألوني للصحيفة أنها قبل أسبوع ألقت محاضرة أمام ضباط كلية الأمن الوقائي في تل أبيب, دعت فيها إلي عدم توجيه اللوم إلي الفلسطينيين في حال تنفيذهم للعمليات الاستشهادية لأن كل واحد منكم يداه ملطختان بالدماء فهم يلقون القنابل كما أنكم تلقونها, ولديكم طائرات وهم لا يملكون منها شيئا, ولذلك فإنهم يفجرون أنفسهم في الأهداف الإسرائيلية, وحينذاك قال لها أحد الضباط كيف تقارنين الدم اليهودي بالدم الفلسطيني, فردت عليه قائلة إن لونه أحمر بنفس درجة الدم اليهودي.
(3)
في نفس يوم 2 -11 الذي نشر فيه كلام شلوميت ألوني ودعت فيه إلي محاكمة باراك وحالوتس دوليا باعتبارهما من مجرمي الحرب, سمحت إسرائيل لقوة أمنية فلسطينية قوامها300 رجل بالدخول إلي نابلس( عاصمة الانتفاضة) لاختبار قدرتها علي تجريد عناصر المقاومة من سلاحها وإجبارهم علي توقيع تعهدات بوقف عملياتهم العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي, وأعلنت إسرائيل أنها سمحت للقوة الفلسطينية بالدخول إلي نابلس لفرض الأمن فيها, لكن ذلك لن يمنعها من أن تقوم بعمليات عسكرية في المدينة ليلا, ونشرت صحيفة الحياة اللندنية في3 -11 تصريحا لمحافظ نابلس جمال محيسن, قال فيه إن إسرائيل قد تقوم بعمليات عسكرية في أثناء النهار أيضا!, وذكر تقرير الحياة أن ثمة مجموعات تابعة لحركة فتح مازالت ترفض تسليم سلاحها ووقف مقاومة الاحتلال, وهي تشكل أحد التحديات التي تواجه حكومة سلام فياض التي قررت تجريد المقاومة من سلاحها, وهي المهمة التي تشكل الاستحقاق الرئيسي لخطة خريطة الطريق.
في اليوم ذاته(2 -11) نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الجيش الإسرائيلي شكل أخيرا وحدة جديدة مهمتها رصد ومتابعة كل المؤسسات المدنية التابعة لحركة حماس في الضفة, بهدف تصفيتها وتقديم المسئولين عنها إلي المحاكمة بتهمة الإرهاب, وقالت الصحيفة إن إسرائيل أدركت في وقت متأخر أن الخطر الذي تمثله حماس لا يكمن في ناشطيها المسلحين فحسب, وإنما أيضا في مؤسساتها الخيرية والتعليمية والصحية ومنابرها الإعلامية, التي وصفها المعلق العسكري للصحيفة إليكس فيشمان بـ الأخطبوط المخيف الذي يمثل الخطر الأكبر الذي تواجهه إسرائيل والسلطة الفلسطينية في رام الله.
وبطبيعة الحال فإن عملية المتابعة هذه تستند إلي معلومات التعاون الأمني بين الأجهزة الإسرائيلية وأجهزة السلطة الوطنية في رام الله, علما بأن ملاحقة عناصر المقاومة التابعة لحركة حماس والجهاد في الضفة تمت أيضا في إطار ذلك التعاون بين الأجهزة الأمنية للطرفين.
هذه الخلفية تساعدنا علي فهم وتفسير الخبر المثير الذي نشره الأهرام في9 -11, خاصا بمشروع أعدته البعثة الفلسطينية لدي الأمم المتحدة, لاستصدار قرار لم تؤيده المجموعة العربية, يدعو الجمعية العامة لاعتبار حركة حماس( ميليشيا) خارجة علي القانون!!
(4)
بالتوازي مع محاولات خنق قطاع غزة, وتطهير الضفة من العناصر التي يمكن أن تتصدي للاحتلال, وفي أجواء الصمت المخيم علي العالم العربي إزاء ما يجري, أثار الانتباه أن بعض غلاة القادة الإسرائيليين تحدثوا عن الرغبة في القيام بانسحاب جزئي من الأحياء الفلسطينية في شرق القدس, في حالة التوصل إلي اتفاق سلام مع الفلسطينيين, وهذا ما أعلنه في 7 - 10 الوزير اليميني المتشدد أفيجدور ليبرمان زعيم ائتلاف إسرائيل بيتنا, والداعي إلي طرد الفلسطينيين من إسرائيل( سبق أن دعا إلي ضرب السد العالي وقصف المقر الرئاسي في دمشق), وتضامن معه في اقتراحه نائب رئيس الوزراء حاييم رامون, الذي لا يختلف عنه كثيرا, وهذا الإعلان لم يكن سوي قنبلة دخان هدفها إثارة الغبار وحجب الحقيقة, ليس فقط لأن ملف القدس مغلق في الحسابات السياسية الإسرائيلية, ولا يستطيع أولمرت بتحالفه الهش أن يقترب منه, وهو من يعلم أنه كان أحد أسباب سقوط بعض أسلافه( بيريز ونيتانياهو وباراك), ولكن أيضا لأن المقصود بشرقي القدس والأحياء العربية فيها هو بعض المخيمات والقري والبلديات التي أضيفت إلي نطاق المدينة بعد عام1967, في الوقت ذاته فإن الدخان الذي أحدثته تلك التصريحات صرف الانتباه عن قرار إسرائيلي بضم1129 دونما( أكثر من500 فدان) من أراضي أربع قري إسرائيلية تقع في محيط القدس( هي أبوديس والسواحرة الشرقية والنبي موسي والخان الأحمر), وذلك بهدف إنشاء مجمع من المستوطنات في إطار مشروع القدس الكبري وتمهيدا لبناء3500 سكن جديد, إضافة إلي مجمع صناعي ومن شأن هذه الخطوة أن تغير من جغرافية المنطقة, بحيث تتيح تواصلا جغرافيا لليهود ما بين مستعمرة معالي أدوميم الكبيرة وبين القدس, وفي حالة استكمال بناء ما تبقي من جدار الفصل حول المدينة المقدسة, فإن إسرائيل ستكون قد استحوذت علي نصف مجمل أراضي الضفة الغربية, مهدرة بذلك حقوق أكثر من200 ألف فلسطيني.
ذلك كله يحدث في الوقت الذي تتأهب فيه إسرائيل للمشاركة في مؤتمر أنابوليس الذي يقال إنه يستهدف تحريك السلام, وهو ما ذكرني بما قاله مناحيم بيجين رئيس الوزراء الأسبق حين سئل عن سر تقديره الخاص لإيهود أولمرت برغم أنه تمرد عليه وصوت ضد كامب ديفيد, فكان رده: يعجبني فيه بشكل خاص خداعه ودهاؤه, وقدرته الفائقة علي قول الشئ ونقيضه في وقت واحد, لكن ما حيرني حقا أن أبومازن حين سأله قبل ثلاثة أسابيع مندوب صحيفة واشنطن بوست عن رأيه في أولمرت فقال: تعجبني استقامته ونزاهته!