المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مـحــاكــــمــة الـشـــــعــر


الشهاب
31-12-07, 11:02 PM
من قبل أن يقول أرسطو في الشعر قولته بزمن طويل، كان سؤال الشعر سؤال الفلسفة. ومن قبل اكتشافنا أن ظاهرتَي المدّ والجزر سببهما جاذبية القمر، كان سؤال الشعر سؤال العالِم. ومن قبل امتلاك ميدوزا تينك العينين اللتين تحوّلان الأشياء حجاراً، كان سؤال الشعر سؤال الأسطورة... لقد كان، وسيبقى، سؤال الشعر سؤال كل شيء: الفلسفة والعلم والخيال والأسطورة والتوقع... وبجملة أقصر، سؤال العالم. هل في وسعنا، إذاً، وضع الشعر في قفص، ومحاكمته؟ لطالما حاول النقد ذلك، ولطالما أذعن. ليس للشعر خصر، فيطوّقه الناقدُ بذراعيه. وليس للشعر يدان لوضع الكلابشات فيهما. هو الشعر، ذلك الهارب أبداً كالماء، نستطيع شربه، ولا نستطيع القبض عليه. كالعادة، في الأسفل مساهمة متواضعة، يحاول فيها النقد تطويق من لا خصر له، ووضع القيود بيد غير موجودة. مجرّد محاولة!

لا بدّ، لمن أراد القبض على تلك اللحظة السحرية في كتابة القصيدة، من استلال ذلك المشهد من قصة "الموت في البندقية" لتوماس مان: "لامست روحه كحلم، فكرة أن يكون في نيّة الرجل الاعتداء على حياته. لكنه لم يكن قادراً إطلاقاً على التخلص من خَدَره، على الدفاع عن نفسه". هذا المشهد، الذي يصوّر حال غوستاف آشنباخ مسترخياً في قارب يدور في ذهن سائقه الاعتداء عليه، يمثّل، أجمل تمثيل، لذة الانقياد في عرض البحر: روعة الاسترخاء للمصير. قبل ذلك، عدم الرغبة في الدفاع عن النفس: استسلام جسدي وذهني لذلك الاغتصاب الذي ينتظر المخيلة. تعطيل كامل للحواس عبر إطلاقها، بعد سحب الهويات منها. هي ذي اللحظة السحرية، لحظة الشعر: الانقياد، مع توقع الموت في كل لحظة. الشرود، لحظة تحول سير المجذاف من الماء إلى الهواء إلى الرأس.

كذا، الاسترخاء في حضن الموت، والحلم بزجاجة ويسكي؟ النوم على صدر الموت، مع ثلاث بطانيات؟ الجلوس على عانته، واللعب بأصابع قدميه؟ مشهد لا يقل تنفيراً، وسحراً، عن منظر جسد عارٍ يركب درّاجة (جورج باتاي)، أو عن منظر كرسي هزاز تحت شلالات نياغارا (هنري ميللر)، أو عن لحظة اكتشاف أن القمر هو فتحة مؤخرة السماء (ميلان كونديرا).

بالطبع، لنا بعد ذلك، وباستطراد، شعريّ في الضرورة، أن نعيد ما قلناه للتوّ على الشكل الآتي: مشهد لا يقلّ تنفيراً، وسحراً، عن منظر لحم عمودي (جسد عارٍ) على معدن أفقي (درّاجة)، أو عن منظر خشب نصف دائري (كرسي هزاز) تحت ماء عمودي (شلالات نياغارا)، أو عن لحظة اكتشاف أن هناك فتحة مؤخرة (القمر) بهذا الحجم، وبتلك الروعة و... الضوء. فتحة مؤخرة مبهرة للنظر!

كثيرون هم الذين عرّفوا الشعر، أو حاولوا. لكنهم عرّفوه بأدواته. على الدوام، جاء تعريف الشعر تعريفاً شعرياً. والذي خالف هذه القاعدة، لم يؤخذ جهده على محمل الجدّ. نرجسية الشعر تكمن في هذه النقطة بالضبط: لا يمكنك معرفة الشعر إلا من خلال ذاته، وبأدواته. لا يمكنك تعريف الشعر إلا به. الشعر كالله، الذي ليس في وسعنا تخيّل صورته إلا من خلال ما رسمه لنا - هو - في كتبه، وما وصف به نفسه في تنزيله.

النظرية في الشعر هي شيء ضدّه. عمل معادٍ يستوجب ردّاً. ومهما بلغت هذه النظرية، سبكاً وإحكاماً، لن تعدو كونها قطعة نقود تُلقى في بحر.

كثرٌ الذين حاولوا تعريف الشعر، فقال بعضهم هو كلام الله الذي نسي تدوينه. والبعض قال إن النقد الذي يحاول اللحاق بالقصيدة، هو أشبه بذلك الطفيلي الذي يحاول التعلّق بعربة مسرعة، قبل أن يسوطه حوذيها. لكن الشعر لم يكترث بما قيل، ويقال. ولأنه كذلك، لا وظائف له، ولا دعاوى ضدّه. ليس الشاعر خطيباً فيعظ الناس. أو مُصلحاً فيدلُّهم. أما الشاعر المصرّ على هدف، أو غاية، من وراء قصيدته، فلن يكون أقلّ فكاهة من مصوّر رياضي لا يتقن أكثر من التقاط صورة خاطفة لكيلوت لاعبة كرة مضرب تحمّست في طيرانها.

الكتابة عن أغراض في الشعر الحديث، ضرب من ضروب الرياء النقدي. مثلما كان الحديث عن مثل هذه الأغراض، في الشعر القديم، شيئاً يدخل في باب الاجتماعيات. لا وظائف للشعر، قالوا، ونردّد. لكن... كيف لشاعر أن يجيب عن السؤال الآتي: ماذا تعمل؟ بالطبع، سيقول المهنة التي يعيش منها. فإذا كان مترجماً، قال: مترجم. وإذا كان طبيباً، قال: طبيب. وهكذا. يقترح هذا الشكل من التساؤل بداية أخرى: هل الشعر بطالة خلاّقة، وتخفيفاً، بطالة منتجة؟ بطالة صحية؟ إلخ. هل تكون مهنة الشعر للشاعر، على مثال ما يكون المرض مهنة المريض؟

غالباً ما كان الشعر، كمهنة، أرضاً خصيبة لزرع أكياس من إشارات الاستفهام والتعجب. محاكمة برودسكي؟

في العام 1964، زمن الاتحاد السوفياتي، تعرّض الشاعر الروسي جوزف برودسكي، الحائز جائزة نوبل للآداب العام 1987، إلى أغرب محاكمة في التاريخ: محاكمة شاعر بتهمة البطالة!

- ماهي مهنتك؟

- شاعر.

- هذا لا يهمّنا. نريد معرفة اسم المؤسسة التي تعمل فيها.

بعد ذلك، حُكم على الشاعر الروسي بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة. لقد كانت محاكمة برودسكي، عن حقّ، محاكمة مجتمعيّة، قبل كل شيء، للشعر. شيء يختلف عن تدبير المبارزة المؤامرة التي أودت بحياة "شمس روسيا" الكسندر بوشكين. بالطبع، لا يحتاج الشعر محاكمة كهذه كي يفهم ما يريد. وما الذي جاء من أجل قوله. يقول الشعر كلمته، ولا يمشي. في كلّ لحظة يقول كلمته، حانقاً كديك مذعور قبل الذبح، ولا يتوقف. على الدوام، مطالَبٌ الشعر بقول كلمته. بالطبع، ليس الشعر إعلاناً، فينال ما يريده بالتكرار. بل هو نوع من الألم السيزيفي الذي لا نعرف غايته، ولا نعرف منتهاه. مثلما هو نوع من اللذة السرمدية، التي لا ترى آخر طريقها، ولا تريد: في حديث شريف، رواه أبو هريرة، أن الرسول محمداً سُئل يوماً: "أنطأ في الجنة؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده دَحْماً دَحْماً، فإذا قام عنها رجعت مطهَّرة بِكراً" (فسّر ابن الأثير، في "النهاية في غريب الحديث والأثر"، الدَحْمَ بأنه "الوطء بدفع وانزعاج"). هكذا هو الشعر، نوع من الاغتصاب الذي لا ينتهي: نطأ ونقوم ونعيد الكرّة. لذة أبدية، وألم أبدي. جنون مهووس بخلوده. هو ذلك الشغف الخالد الذي لم ينسَ توماس مان، في قصته الرائعة تلك، اقتراح تعريف له، أو اقتراح تعريف لنا: "نحن الشعراء، يا فيدروس، كالنساء: الشغف هو القدوة بالنسبة إلينا، وينبغي أن يكون توقنا محبّة. تلك هي لذتنا، وذلك هو خجلنا. هل ترى الآن أنه لا يمكننا، بما أننا شعراء، أن نكون عقلاء، أو أن نكون أعزة؟ أنه ينبغي أن نضلّ في الضرورة. أن ننحلّ، وأن نبقى مغامري عاطفة؟ إن التحكم بأسلوبنا هو كذب وخداع. إن مجدنا، التشريفات التي تُقدَّم لنا، هي هرجة. إن ثقة الجمهور بنا مضحكة إلى أقصى الحدود. إن تثقيف الشعب بالفنّ مشروع جريء ينبغي منعه. لأن أي تثقيف يلائم ذلك الذي تميل طبيعته إلى الهاوية؟ إننا نجحد الهاوية تلقائياً لنعزّ أنفسنا. لكن أينما استدرنا، فهي تجذبنا إليها. هكذا فإننا نستحلف المعرفة الهدّامة، ذلك أنها ليست عزيزة ولا صارمة. إنها تعرف، تفهم وتسامح. لا قساوة لها، ولا شكل. إنها تتعاطف مع الهاوية، هي الهاوية". لقد فهم الشعراء، بالغريزة وحدها، حقيقة موهبتهم، حقيقتهم. لقد فهموا هاويتهم، وتعاطفوا معها. رأوها تلعق شفتيها، فساروا إليها على أقدامهم: سَحَرهم لُعابُها، ولسانها الكبير.

لحظة قتل ممتازة

"مَن صنّفك شاعراً؟"، سُئل برودسكي أثناء محاكمته. لم يكن شاعرنا متأكداً مما إذا كان لتصنيف المرء بين الشعراء آليةً تختلف عن تصنيفه في الجنس البشري. لم يكن متأكداً، ولم يكن في حاجة إلى معرفة كهذه المعرفة. لا يمنح الشعر مفاتيحه إلا للموهوبين من أنبياء ومرضى وأشقياء وملاعين. لغيرهم ربما أعطى فرشاة أسنان، أو فرشاة أحذية. وكما لا يُسأل الشعر عن أبوابه، لا يُسأل الشاعر عن "ميدالية مفاتيحه". مفتاح الشعر هو "مفتاح عمومي"، في التعبير النيتشوي. مفتاح شامل يدور في كل الأقفال. مفتاح من مادّة الشعر، وله. مفتاح شعريّ خالص. "بك أدلّ عليك، وبك أصل إليك"، يقول البسطامي. بالطبع، لا يُفهَم مما سبق التقليل من شأن السِّوى، أو وضع القارئ والشاعر في كفّتَي ميزان، لتقدير أيهما الأوزن، على ما فعل رولان بارت. لكن للقول أن لا وجود لشاعر يكتب لغير نفسه. لا شعريّة لشاعر يدّعي الكتابة للآخرين. لا شعر للآخرين؟

يحيلنا السؤال هذا على نسق أخلاقي، يستوجب معه إنكار أحد وجهَي الغريزة: العاطفة، أو الدهشة. على سبيل المثال، ما الذي "يجب" علينا فعله بكل تلك "الصدقية" في مقولة "جمالية التلاشي" (نظرية بول فيريليو) أثناء مشاهدتنا لعمل تخريبي يزيل مبنى من مئة طبقة. أننتصر للشعر فيه، ضدّ الإنسانية؟ ثم كيف يستقيم للشعر أن يكون خارج إنسانيتنا؟ لا نعرف، بالضبط، ما الذي كان يدور في أذهان بعضنا، وغرائزهم، ونحن نستنكر الحديث عن مثل هذه المقولة في حادثة انهيار برجَي مركز التجارة العالمي. بالطبع، لا بدّ من ترشيد الكلام بالقول إننا أجزنا لأنفسنا الحديث، هنا، عن الشعر في بروازه الأوسع، واللانهائي. "كل شيء شعر ما عدا الشعر"، قال الشاعر التشيلياني نيكانور بارّا.

أحسب أن ثمّة نقصاً أكيداً في مقولة إن المسرح أبو الفنون. وأستطرد: إذا كان للمسرح أن يكون أبا الفنون جميعها، فلا بدّ أنه أب بالتبنّي. ما "اتسع" له المسرح على خشبته وأكثر، "استغرقه" الشعر. لقد استغرقت خشبة الشعر كل أذن وأنف وعين ولسان وقدم، وقبل ذلك، كل ركبة. لا شيء يقع خارج الشعر، ولا شيء يفلت من قبضته. الصحيح، لا شيء يوجد خارجه. لقد أراد محمد الماغوط، ذات يوم، صورة شعرية جديدة "ولو محجّبة على طريقة الطالبان". خُذْ هذه، الحديثة، أيها الماغوط: صورة منشورة على الصفحات الأولى من جرائد 28 نيسان 2006، تمثّل نساء إيرانيات يتظاهرن ضدّ التساهل في ملابس المرأة: نساء، في براقع سوداء، يدرن ظهورهن للكاميرا وللعالم، قصدتُ أنهن من دون وجوه. يتقدّمن (هل يصحّ هذا التعبير هنا؟) كنهر من الكحل والقار السائل، محتجّات "ضدّ التساهل في لباس المرأة"، تحمل إحداهن طفلة، لم تتجاوز الثالثة في عمرها، هي الوحيدة التي لا تلبس الأسود، وهي الوحيدة المحمولة على كتف، الوحيدة التي تنظر إلى الكاميرا. في وسعنا أن نطيل زمن السرد والوصف أكثر: قمم سوداء متحركة. قمم براكين صغيرة، مبريّة كأقلام الرصاص. تبرز من بينهن طفلة، هي الوحيدة تملك وجهاً وعينين وفماً وخدوداً... إلخ.

الآن، مَن يسعه الادعاء أن الصورة هذه خارج الشعر؟ من يسعه الادعاء أن صورةً شعرية أجمل يمكن المخيّلة اجتراحها؟

وأكثر، من في وسعه التجاسر بالقول إن شَعْراً في بدنه لم يقف لدى سماعه قول العالم البريطاني أوبري دي غراي في شباط الفائت: "الإنسان الذي سيحيا إلى الأبد قد يكون وُلد، وهو الآن على قيد الحياة بيننا"؟ لحظة مرعبة، في شعريّتها. شيء يشبه توجيه التهمة. شيء أخطر من فكرة توقّع مقصلة أو جائزة. لحظة قتل ممتازة.

كذا يكمن الشعر في الأمكنة كلّها، وفي الأشياء كلّها، وفي الزمان كلّه: يقف وراء كل شيء، يرقبنا بعين المختبئ. نصيخ السمع لأنفاسه الكتيمة. نستلقي على ظهرنا. "يضبعنا"، يرشّ على ذيله قليلاً من مائه القدسي، راشقاً وجوهنا به. نسير خلفه مادّين أذرعنا أمامنا. نسير وراءه منقادين، مسترخين، إلى حتفنا، إلى المغارة التي سيقوم فيها بإضحاكنا، قبل أن يلتهمنا. وما أروع ما صوّر فيه بودلير مثل هذا الانقياد المسترخي، في "سأم باريس"، تحديداً في المقطع الذي يحمل عنوان "المقامر الكريم": "البارحة، عبر الحشد الذي غمر الطريق، أحسستني وقد احتكّ بي كائن ملغز، طالما رغبت في التعرّف إليه. وقد تعرّفت اليه من فوري، مع أني لم يسبق لي قط أن رأيته. لا مراء في أنه كانت تخامره حيالي رغبة مماثلة. لأنه، في مروره، غمز لي غمزة لها دلالاتها، سارعتُ إلى الانصياع لها. سرتُ في أثره مراعياً مقامه، وهبطتُ سريعاً وراءه إلى دار تحت الأرض، باهرة يتلألأ فيها ترفٌ لا يسع أحداً من أرقى سكان باريس أن يقدّم مثالاً يدانيه. وبدا لي غريباً أن يكون قد تسنى لي المرور كثيراً بجانب هذا الملاذ المهيب دون أن أخمّن مدخله. هناك هيمن جوّ ساحر، وإن كان مدوّخاً، يؤدي، بشكل يكاد يكون فورياً، إلى نسيان الفظاعات المملّة في الحياة. وكان في إمكان المرء أن يستنشق في ذلك المكان غبطة خافتة مشابهة للغبطة التي لا بدّ أن يستشعرها آكلو اللوتس الذين، إذ يهبطون إلى جزيرة مسحورة، تضيئها أضواء ما بعد ظهيرة أبدية، يحسّون أنهم تولد فيهم، على وقع أصوات شلالات شجية تؤدي إلى النعاس، رغبة في أن لا يعودوا أبداً إلى رؤية بيوتهم، زوجاتهم، أولادهم. وألا يعودوا البتّة إلى ركب أمواج البحر العالية". لقد سمّى بودلير شخصه الغريب ذاك، "الشيطان الطيّب"، ثمّ صلّى من أجل "أن يفي الشيطان بوعده". الشعر هو ذا، شيطاننا الطيّب الذي نصلّي له، من أجلنا. سفينتنا التي تقلّنا إلى الحتف بسعادة. مركبنا الحميم إلى الهاوية. وكما الريح لا تحرن، لا يفعل الشعر ذلك. وكما الوسادة شقيقة العرائس، يحبل الشاعر من الحنجرة.

هكذا الشعر، هو تلويح الفم بالمشاعل فوق الخدّين (باول تسيلان)، وهو الجسد البلا أوردة يستضيء بأوراق لعب مجمّدة (فيدريكو غارثيا لوركا)، وهو ماعز أسود تلمع الحجار البلّورية تحت حوافره (أوكتافيو باث)، وهو أخذ الحكمة أو اختيار الجنون (لويس أراغون)، وهو الانحدار من الأنهار العاتية مع فقدان الإحساس بسيطرة النوتية (أرتور رامبو)، وهو الأوراق الساقطة التي تحلم بالسماء (بول شاوول)... إلخ. على الدوام، كان حظّ الشعر أنه هو، استنطاقاً للغة أنسي الحاج. ولطالما بحث الحاج نفسه عن "صيحة عذراء"، أو "كلمة لم تتوتّر، لم تترنّح، لم تُضرَب من قبلُ رصاصة". لطالما حنق شاعرنا لأنهم "فتَّحوا" عيون اللغة قبل مجيئه. ومثلما استنكر عدم وضع المرأة في الحبس ريثما يأتي، طالب حبيبته، التي لم تفهم غَزَله، بالقهقهة. أي أن تردّ على السحر بالسحر، وبالغواية على أختها. ورغم أنه اعترف بـ"اضطراره" إلى كتابة مقدّمة "لن"، لضرورة تاريخية من أجل إرساء نوع شعري جديد، فهو يؤكد لو أنه أتيح له البدء من جديد، لكتبها من جديد. يريد الحاج للشعر أن يكون بلا عتبات. أن يكون مباشراً كالمسدّس. ليس الشعر قمراً اصطناعياً كي يُحمَل إلى مداره على متن صاروخ أو مركبة. لكنه، مع ذلك، فعل، وسيفعل، ما طالب به حبيبته: الردّ على الغامض بالغامض. لذلك، كان الشعر لديه "جميلة عارية في مرآة": العارية داخل عارية؟ العري في العري؟ وليس له من حكمة في ذلك، وما أروعها، أكثر من أن "الغارق لجوج والبحر رافض".

لحم أسود لامرأة بيضاء

هو الشعر، خالقُنا، لا يُعلى عليه، نسبّح باسمه، بأسمائه الحسنى. الفرد الأحد الصمد، الذي لم يلد، لكنه أبونا وأمّنا. ذائقة سكين، هو ما يملك، وصدر جرادة. نظراته مليئة بالبُنّ، وبياض عينيه مسحون كالثوم. شجرة صنوبر مليئة بالرمّانات اليدوية، يقطف أكوازها الذين حلموا بلحم أسود لامرأة بيضاء. كالبرق، علبة الثقاب في يديه. وكالمطر، يطفئ النار بيديه. آثار أقدامه على أسرّتنا وصحون طعامنا وستائر غرف نومنا. انتبهوا... صدره مليء بالحسك. هكذا، هكذا، نضع الشعر في قفص، نتملّى وجهه الكبير، عينيه الهائلتين، عُقَد يديه، أصابع رجليه، ركبته الوحيدة. نفتح الباب، وننهار

almansy
31-12-07, 11:45 PM
طرح رائع اخي الشهاب

والحمدالله فأن شعراء العرب كثر

ويتغنون بأمجاد الامه

وأن كان اغلبهم يتقن المبالغه اكثر من البلاغه

تقبل مروري

الشهاب
01-01-08, 02:17 AM
شكرا لمرورك وتعليقك اخى المتألق المنسى



الشهاب

اميرة الدلع
01-01-08, 06:22 AM
تحياتى لك اخي الشهاب لطرحك هذا الموضوع


امــــ الــدلــع يــرة

صفاء
02-01-08, 01:25 AM
عميد المجالس

الشهاب

طرح قيم

وجميل

لي عودة

تحياتي وتقديري

صفاء
04-01-08, 02:23 AM
بصراحة جدا جدا


المقال فيه شيء من المبهمات على كتابها

فيه تعبيرات غير مستساقة


ولقد عبر حكماء العرب عن الشعر

ويكفي في تصنيفه قول الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم


إن من الشعر لحكمة وهو مثله مثل غيره من أعمال الإنسان وأقواله فيه الصالح وفيه الطالح


وكذلك هذا المقال

تقديري