المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ××فـــنٌ أســمــه حــب الحـياة××


عبدالله الموسي
15-02-08, 03:32 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أخواني الكرام لقد قرائة هذا المقال بصحيفة عطاظ،

للكاتب المبدع/شايع بن هذال الوقيان

وأحببت أن تقراؤه لأني وجدة فيه الكثير من الأبداعات التي سطرها الكاتب،



فنٌ اسمه حب الحياة


لقد أصبح من البديهيات في الثقافة العربية وصف الحياة " الدنيا" بشتى الصفات السلبية، فهي امرأة لعوب أوهي ماكرة أو هي مرحلة عبور لا غير ولا يعشقها إلا ذوو النظرة القاصرة التي لا تعرف معنى للخلود والنعيم الأبدي. وبالتأكيد فإن هاجس الموت قد أملى على هذه النظرةِ المعادية للحياة كثيراً من أوهامها. ولكن هناك أسباباً واقعية وتاريخية تدعو لبغض الحياة واحتقارها يحاول الزهاد والمتقشفون أن يغطوها بالمقولات البلاغية "السوداء" ؛ وأقصد بها العباراتِ والأشعارَ والحكَم التي تكتظ بذكر المآسي والكوارث، حتى أفضى بها الحال إلى تمجيد الموت والإعلاء من شأنه، بل والتغزل به !
من هذه الأسباب تردي الأحوال المعيشية وغياب الرفاهية واستشراء الأمراض وسيادة الطغيان. وبكلمة أخرى فقدان الأمن على كافة المستويات .
حينما يتعرض المرء للخيبات والنكسات في حياته الخاصة يصبح فجأة حكيماً أو شاعراً، ويملأ أسماع الناس بالقصائد التي تبدع في هجاء الحياة ومدح الموت .
والخيبات التي يتعرض لها الإنسان في حياته لا يمكن أن يبرأ منها، فهو مسؤول عن خيباته، فالحياة ليست امرأة لعوباً تراوغ وتخدع.. وإنما هي أميرة جميلة تسكن على قمة جبلٍ ممرعٍ، مرتقاه عسيرٌ إلا على المثابرين والطامحين والمغامرين والجادين .
وهذه حالة من الحالات التي يصل فيها المرء، بسبب قصوره، إلى كرهِ الحياة. ولكن ثمة حالة أشد بؤساً يجد المرء فيها نفسه مضطراً إلى كره الحياة، وهي الحالة التي ينشأ فيها المرء في مجتمع يعتنق بأكمله عقيدة الكراهية هذه. وعقائد المجتمع أقوى وأصلب من عقائد الأفراد، ولها من القوة ما لا يمكن صده والوقوف ضده. هذا المجتمع وبإملاء من هذه العقيدة يسارع إلى محاربة ومكافحة كل بادرة جمالٍ تبديها الحياةُ للناس، للدرجة التي يصبح فيها الجمال والحب والحياة من ألدِّ الأعداء !
من المعروف أن "العقل الجمعي" ينطوي على مكونات شعورية غير منطقية ذات جذور غارقة في القدم، وهو أقل حكمةً من أي شيء آخر. ولكنَّ قوته تتأتى من جانب التاريخ ( العرف والعادة ) ومن جانب الكثرة ( الإجماع ) .
إنني أتكلم هنا من واقع وتجربة، فالناس من حولي - وإن كانوا مأخوذين بالحياة، متلهفين عليها - إلا أنهم لا يكفون عن ذمها وشتمها ولومها. لقد صار الجمال قبحاً، والحب عيباً، والجد هزلاً، والعمل ضعفاً، والفن جرماً، والحياة بكل ما فيها مأساةً !
ما الذي يدفع الناس إلى ذم الحياة رغم أنهم يتهافتون عليها متى ما حانت الفرص ؟ لماذا حينما يكسب المرء مالاً يتوقف عن ذم الحياة – إلا أنه لا يجرؤ على مدحها والعياذ بالله! – وحين يخسر ماله ؛ كلَه أو بعضَه يرفع عقيرته ممعناً في هجائها وسبها ؟
يمكننا أن نقول إن إلقاء اللائمة على الحياة وتحميلها مسؤولية الفشل هو أحد الأسباب، فالناس عندنا لم يتعودوا على نقد "الأنا" والبحث فيها عن سبب المشكلة .. وإنما يبادرون على الفور إلى البحث عن " آخر " يعلقون عليه أخطاءهم. والآخر المسكين هذا ليس سوى الحياة !
وثمة سببٌ أهم من هذا، وهو ثقافة المجتمع. فمن المؤكد أن للمجتمع وثقافته دوراً كبيراً في تحريض الناس على ذم الحياة. وثقافة المجتمع هي بمثابة "عقله الباطن" الذي يختزن في داخله كلَّ الانكسارات والهزائم والمآسي على مرِّ السنين، مما يؤدي به إلى بغض الحياة بل محاولة الانتقام منها من خلال الترويج لمقولات تمجد الموت وتذم الحياة. وقد تختزن هذه الذاكرة الجماعية أفراحاً وأمجاداً وانتصارات تنتهي بها إلى تقدير الحياة واحترامها والسعي إلى استثمار كل جميل فيها والقضاء على كل قبيح ؛ من أجل رفاهية الإنسان وسعادته. ويمكن أن نسمي الأولى الذاكرة التعيسة والأخرى الذاكرة السعيدة .
والذاكرة الجماعية التعيسة التي تعاني منها المجتمعات العربية أصبحت ذاكرة لكل فرد. حتى لقد أضحت التأوهات والشكوى والأنين والعويل هي الأغاني والتراتيل المفضلة لدى العربي. حتى الأغاني السعيدة تنطوي في عمقها على تعاسة ! هذه الذاكرة التراجيدية أصبحت ملازمة للمجتمع المرزوء بالظلم والفقر والطغيان .
وللمقارنة فإنني أقرر أن المجتمع التقليدي *بالعادة* هو ذو ذاكرة تعيسة. وأما المجتمع الحديث الذي ارتقى بالعلم وأصبح قوياً بالعقل فهو ذو ذاكرة سعيدة بشوشة محبة للحياة .
إن المكونات الثقافية للمجتمع التقليدي والتي تكون سبباً في شقاء الفرد، وبالتالي شقاء الذاكرة الفردية والجماعية، كثيرة منها - على سبيل التمثيل - سيادة الفكر الأحادي والتعاليم الواحدة التي تلغي أيَّ فرصة للاختلاف وأيَّ بادرة للتنوع الاجتماعي والإبداع الحضاري. كما أن كون هذا المجتمع شمولياً لا يعتبر بالفرد كقيمة ثقافية فاعلة يعدُّ عاملاً أساسياً في هذا الشقاء. وبعبارة فإن غياب الحرية ( والحرية الفردية تحديداً ) مقترن بالذاكرة التعيسة الشقية وملازم لها، بل هو سبب تعاستها. فالفرد في هذه الذاكرة ليس له حضور، بل ليس له تاريخ. ومن هنا نقول ليس له مستقبل. وما قيمة الحياة لدى امرئ ليس له مستقبل مضمون ؟! ليس له إلا أن يلجأ للتقشف والزهد ونظم الأشعار في هجاء الحياة والناس والزمان .
بقيت نقطة مهمة لا بد من الإشارة إليها قبل أن ننهي المقال. وهي أن هناك فرقاً كبيراً بين التهافت على الحياة وملذاتها وخيراتها، وبين حب الحياة كفنٍّ. فكثير من المتهافتين على الحياة هم طامعون متسرعون، قليلو الإيمان بالحياة، سرعان ما يجحدوا فضلها مع أول نكسة. كما أنهم خاضعون لعقيدة الكراهية ( كراهية الحياة ) التي تحملها ثقافة مجتمعهم التقليدي، فلم يستطيعوا أن يتحرروا منها. أما الفريق الثاني فهم مختلفون جداً .. إنهم فنانون بالفعل، يستثمرون بحكمة وروية كل ما تجود به الحياة، حتى ولو كان هذا الذي تجود به حقيراً. إنهم كالرسام الذي يرسم على قطعة قماش بالية لوحةً فنية عظيمة، أو كالنحات الذي ينحت من الحجر أو الخشب تمثالاً جميلاً يخلب الأنظارَ ويستولي على العقول. لا يأنفون من تقلبات الحياة بل يثابرون ويكافحون حتى تستقيم لهم أمورها على ما يشاءون. لا يصيخون السمعَ للأشعار الكسولة والأمثال البليدة والحكَم الحزينة. بل ينطلقون مغامرين في رحاب الحياة، صانعين منها مستقبلاً زاهراً لإنسان فنانٍ يعرف كيف تُعشق الحياة.

شايع بن هذال الوقيان

الكاسر
15-02-08, 05:19 PM
موضوع قيم وجميل
يعطيك العافيه

عبدالله الموسي
15-02-08, 05:26 PM
شكرا للمروركـ يالكاسر


تحيتي لكـ ياعزيزي