صفاء
14-03-08, 02:14 AM
نشوز الزوج والواجب المهجور
صفية الجفري (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1181062629076&pagename=Zone-Arabic-AdamEve%2FAEALayout#***1)
"لو جاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم هذا الزمان ورأى ظلم بعض
الأزواج لزوجاتهن فلعله يقول: لو
أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت
الزوج أن يسجد لزوجته".
كانت الحرقة تملأ صوت الشيخ أحمد الكبيسي وهو
يقول هذا الكلام، ووجدتني ألوم الشيخ على كلام
استفزته إليه مشاعر ينبغي أن لا تحجب عنا قطعيات
النصوص في حق الزوج العظيم على زوجته.
قطعيات النصوص؟! هذا هو ما يظنه طالب العلم
المبتدئ الذي يتعامل مع التراث الفقهي تعاملا قاصرا
لا ينظر معه إلى سياقات هذا التراث، ولا يربط بين
ما تناثر من جزئياته، بل يفصله عن سياقاته الأصولية
فضلا عن النفسية والاجتماعية، ثم هو يقع بعد ذلك
بين تطرفين، إما نبذ هذا التراث بما يحويه من تحقيق
وتأصيل، أو التعامل معه بقداسة لا تفرق بينه وبين
النص الأصلي للكتاب والسنة.
بل إن التعامل مع التراث المسطور في كتب الفقه
على أنه المصدر الوحيد لفهم الأحكام الشرعية دون ما
سواه من كتب التفسير أو شروح الأحاديث هو سبب
آخر للجمود الذي ابتليت به الشريعة وهي منه براء.
التأكيد على النظر في قواعد الشريعة ومقاصدها، هذا
هو المعنى الذي فقهته أخيرا من عبارة الشيخ الكبيسي
التي قدمت بها. وروح العدل والسماحة هي التي
تنبض بها السيرة الشريفة وهي التطبيق العملي الأكمل
للقرآن الكريم، ولماذا تصدم كثير منا عبارة الشيخ
أحمد الكبيسي إلا لأننا أعملنا حرفية النصوص دون
روحها ومقاصدها.
نشوز الزوج تأصيلا وواقعا
مما ينبغي التنبيه عليه ما يوجد من ارتباك في التعبير
عن حقوق الزوجة تبعا لارتباك مفهوم القوامة الذي
ارتبط في حس الكثيرين بالسلطة المطلقة، لا الرعاية
المسئولة كما هو التعبير النبوي: (كلكم راع وكلكم
مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته،
والرجل راع في أهله و مسئول عن رعيته، والمرأة
راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) رواه
البخاري.
ولنبدأ بتقرير حق الزوج في القوامة، ولا بد من
التأكيد أن النصوص الواردة في طاعة الزوجة لزوجها
ليست مطلقة، فقيام الزوج بمقتضيات القوامة المادية
والمعنوية شرط مهم، ثم إنه إن تحقق ذلك كان له
على زوجته الطاعة في خصوص حق معين، وهو أن
تكون له الكلمة الأخيرة فيما يختلفان فيه من شئون
تخص مستقبل الأسرة، مع عدم إغفال حقها في
الشورى، وعدم التعنت من قبله في الاستبداد برأي
لمجرد العناد، إذ المرأة راعية في بيت زوجها
ومسئولة عن رعيتها، ومقتضى هذه المسئولية حقها
في مشاركة الرجل إدارته لشئون الأسرة مع تفرده
بحق الفصل فيما اختلف فيه ما دام متحققا بصفات
الرجولة ومقتضيات القوامة.
إذن لفظ الطاعة هنا لا يعني الخضوع المقهور، بل
هو الاستجابة الاختيارية أصالة، وتسليم القيادة في
مؤسسة الأسرة لمن هو أصلح لها، حال تحققه بذلك.
ثم يكون التقرير للحقوق والواجبات متكافئا وفقا لتمايز
خصائص الذكورة والأنوثة، بحيث تختلف وظائف
المرأة أمومة عن وظائف الرجل قياما بما يشق على
المرأة القيام به جمعا بينه وبين وظائف الأمومة.
وكما أن إثبات الحقوق للزوج يقتضي إعطاءها إياه
طواعية وعن طيب نفس، فإن حقوق الزوجة ينبغي
أن تؤدى طواعية وعن طيب نفس، وهذا هو مقتضى
المعاشرة بالمعروف، ومقتضى ميثاق الأمان الذي
تواثق عليه الزوجان، قال صلى الله عليه وسلم في
الحديث الصحيح: "اتقوا الله في النساء، فإنكم
أخذتموهن بأمان الله".
ويلزم من ذلك أن أحد الطرفين ليس له أن يسقط حقا
للآخر إلا برضاه، ويجب عليه استئذانه فيما إذا أراد
إسقاط حق له.
فمن ذلك حق الخروج من المنزل وهو حق مشترك،
وإن كان نصيب الرجل فيه أرجح نظرا لقوامة الرجل
ومسئوليته شرعا عن الإنفاق من جهة، والإنفاق جزء
من مسئولية القوامة، وكذلك لما تقتضيه طبيعة المرأة
من قدرة على الرعاية التربوية للأبناء بما يفوق
الرجل فضلا عن مقتضيات السير المتزن للحياة، من
توزيع للمهام بما يلائم طبيعة كل جنس.
حق المرأة في الخروج
بعد هذا التقديم المهم نأتي لتأصيل حق المرأة في
الخروج لما فيه خير أو فضيلة ما دام ذلك لا يضر
بمصالح الزوج أو الأسرة، ألم يقل الرسول صلى الله
عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"؟ فيكون في
معنى الخروج إلى المسجد، الخروج إلى كل ما فيه
فعل فضيلة أو إقامة سنة، كما نبه إلى ذلك الإمام ابن
عبد البر في التمهيد.
أما حق المرأة في استئذان زوجها لها في الخروج
الضار بمصلحتها أو مصلحة الأسرة، فبيان ذلك من
جهات:
دالجهة الأولى: إثبات أن المعاشرة الزوجية هي حق
للزوجين، وهذا يقتضي أن الزوج ليس له أن يغيب
عن المنزل غيابا يخل بحق الزوجة في ذلك إعفافا
وسكنا.
الجهة الثانية : العشرة بالمعروف واجبة على
الطرفين، فمن حق الزوجة على زوجها ألا يتركها
وحيدة لساعات الطوال، وهو ينفق وقته في التلهي مع
أصدقائه، أو حتى حضور مجالس العلم، إذا كان ذلك
سيعطل على الزوجة حقها في الأمن النفسي، واعتدال
الحياة، واستقامتها مع زوجها.
الجهة الثالثة: واجب التربية للأولاد، هو واجب سيسأل
عنه الأب أمام الله عز وجل إذا ضيعه، وقول الشافعية
إن التربية هي فرض كفاية، يقتضي سقوط الإثم عن
الأبوين إذا قام بالواجب أحدهما، فإن قامت الأم بما
تقدر عليه من هذا الواجب وعجزت عن الباقي أثم
الأب بتفريطه.
والجهة الثالثة لا علاقة مباشرة للزوجة بها إلا من
حيث واجبها في النصح والإرشاد للأب المفرّط ،
وإنما ذكرتها تأكيدا على هذه المسألة التي تغيب عن
ذهن بعض الآباء.
فإذا كانت الجهتان الأوليان تقتضيان حقا للزوجة، فإن
ذلك يلزم منه أن الزوج ليس له أن يسقط هذا الحق إلا
برضا الزوجة وإلا كان ظالما لها، والظلم ظلمات يوم
القيامة. ويقتضي ذلك أن عليه استئذانها في خروج من
المنزل يضر بها، ويتشاور معها في قدرتها على القيام
بواجب تربية الأولاد منفردة حال عدم قيامه به لسبب
طارئ، بحيث يتأكد أنه لن يضيع حق الأولاد الذي
سيسأله الله عنه وسيحاسبه عليه. فالمسألة هنا إذن
تعود في النهاية إلى اتفاق يتم بينهما على كيفية
التعامل مع هذا الواجب التربوي.
وإذا كان مثل هذا الكلام يستنبطه أي دارس متخصص
من روح الشريعة ومقاصدها، بل من سياقات كلام
الفقهاء، فإن عدم التصريح به فيه ظلم بيّن ليس للمرأة
فقط، بل للأسرة ككل، بل ظلم لعدالة الشريعة وعمقها
وحكمتها.
نشوز الزوج بالغياب المعنوي
ثم إن الغياب عن الزوجة أو الأسرة قد يكون معنويا،
كما في الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز أو
الكمبيوتر أو مطالعة الكتب مع إهمال حق الزوجة
والأولاد.
وقد نهى سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أبا الدرداء
-رضي الله عنه -عن الاستغراق في العبادة، وتضييع
حقوق نفسه وأهله، فقد روى البخاري في صحيحه ما
نصه: (آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان
وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم
الدرداء متبذلة -أي لابسة ثياب المهنة تاركة للبس
ثياب الزينة- فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو
الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء
فصنع له طعاما فقال له: كل فإني صائم. قال: ما أنا
بآكل حتى تأكل. قال: فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو
الدرداء يقوم، فقال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم.
فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن. فصليا.
فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك
حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان").
وزاد الدارقطني كما نقل الإمام ابن حجر العسقلاني:
"فصم وأفطر، وصل ونم، وائت أهلك".
فإذا كانت العبادة الخالصة المندوبة يُنهى عنها إذا أدت
إلى تضييع حق الزوجة فمن باب أولى يكون النهي
عما سوى ذلك من أمور الدنيا.
والحياة الزوجية أعقد من أن تحدها قوانين لا مرونة
فيها، وعرض أحكامها ليس معتمده الأوحد قوانين
الفقه دون نظر في روح هذه القوانين وارتباطها
بمقاصد الشريعة وقواعدها، ومن ذلك مراعاة تغير
ملامح حياة الناس زمانا ومكانا وأحوالا.
والجمود على ألفاظ معينة عند تناول أحكام الشريعة
في العلاقة بين الزوجين، ظلم للشريعة وعمقها، إذ لا
ينظر إلى هذه الألفاظ نزعا لها عن السياقات التي
وردت فيها، وعن المقاصد الشرعية جملة.
والقوامة حق زائد خص به الرجل تكليفا وتشريفا إن
تحقق بشرائطه، لا ينكر ذلك إلا مكابر في الشرع، بل
في الطبيعة الإنسانية، لكن هذا الفضل الذي كلِّف به
محدود ومشروط بما قدمنا، ولا ينافي حق الزوجة
عليه في عشرة بالمعروف توجب لها حقوقها في
الشورى وإدارة البيت وما سوى ذلك من حقوق، وقد
سمى القرآن ترفع الزوج عن ذلك نشوزا (سورة
النساء: آية 128)، كما سمى ترفع المرأة عن أداء
حق الزوج نشوزا أيضا، والنشوز يقابله أداء الحق
بسماحة وطيب نفس.
ومثل هذه المقابلة، إبرازها وتسليط الضوء عليها لعله
مما يحيي واجبات هجرت عند بعض الأزواج، والله
عز وجل سيسألهم عنها، كما أرجو أن يكون فقهها
مما يعيد للمرأة المسلمة توازنها في المطالبة بحقوقها
دون إجحاف بأوامر ربها، وحقوق الأسرة ككل.
ولا بد لنا حقا من مراجعة لتراثنا الفقهي، وطريقة
تعاملنا معه، واستخدامنا لمفرداته، أو استفادتنا من
كنوزه. والله الموفق.
كاتبة وباحثة شرعية بالمملكة العربية السعودية،
صفية الجفري (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1181062629076&pagename=Zone-Arabic-AdamEve%2FAEALayout#***1)
"لو جاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم هذا الزمان ورأى ظلم بعض
الأزواج لزوجاتهن فلعله يقول: لو
أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت
الزوج أن يسجد لزوجته".
كانت الحرقة تملأ صوت الشيخ أحمد الكبيسي وهو
يقول هذا الكلام، ووجدتني ألوم الشيخ على كلام
استفزته إليه مشاعر ينبغي أن لا تحجب عنا قطعيات
النصوص في حق الزوج العظيم على زوجته.
قطعيات النصوص؟! هذا هو ما يظنه طالب العلم
المبتدئ الذي يتعامل مع التراث الفقهي تعاملا قاصرا
لا ينظر معه إلى سياقات هذا التراث، ولا يربط بين
ما تناثر من جزئياته، بل يفصله عن سياقاته الأصولية
فضلا عن النفسية والاجتماعية، ثم هو يقع بعد ذلك
بين تطرفين، إما نبذ هذا التراث بما يحويه من تحقيق
وتأصيل، أو التعامل معه بقداسة لا تفرق بينه وبين
النص الأصلي للكتاب والسنة.
بل إن التعامل مع التراث المسطور في كتب الفقه
على أنه المصدر الوحيد لفهم الأحكام الشرعية دون ما
سواه من كتب التفسير أو شروح الأحاديث هو سبب
آخر للجمود الذي ابتليت به الشريعة وهي منه براء.
التأكيد على النظر في قواعد الشريعة ومقاصدها، هذا
هو المعنى الذي فقهته أخيرا من عبارة الشيخ الكبيسي
التي قدمت بها. وروح العدل والسماحة هي التي
تنبض بها السيرة الشريفة وهي التطبيق العملي الأكمل
للقرآن الكريم، ولماذا تصدم كثير منا عبارة الشيخ
أحمد الكبيسي إلا لأننا أعملنا حرفية النصوص دون
روحها ومقاصدها.
نشوز الزوج تأصيلا وواقعا
مما ينبغي التنبيه عليه ما يوجد من ارتباك في التعبير
عن حقوق الزوجة تبعا لارتباك مفهوم القوامة الذي
ارتبط في حس الكثيرين بالسلطة المطلقة، لا الرعاية
المسئولة كما هو التعبير النبوي: (كلكم راع وكلكم
مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته،
والرجل راع في أهله و مسئول عن رعيته، والمرأة
راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) رواه
البخاري.
ولنبدأ بتقرير حق الزوج في القوامة، ولا بد من
التأكيد أن النصوص الواردة في طاعة الزوجة لزوجها
ليست مطلقة، فقيام الزوج بمقتضيات القوامة المادية
والمعنوية شرط مهم، ثم إنه إن تحقق ذلك كان له
على زوجته الطاعة في خصوص حق معين، وهو أن
تكون له الكلمة الأخيرة فيما يختلفان فيه من شئون
تخص مستقبل الأسرة، مع عدم إغفال حقها في
الشورى، وعدم التعنت من قبله في الاستبداد برأي
لمجرد العناد، إذ المرأة راعية في بيت زوجها
ومسئولة عن رعيتها، ومقتضى هذه المسئولية حقها
في مشاركة الرجل إدارته لشئون الأسرة مع تفرده
بحق الفصل فيما اختلف فيه ما دام متحققا بصفات
الرجولة ومقتضيات القوامة.
إذن لفظ الطاعة هنا لا يعني الخضوع المقهور، بل
هو الاستجابة الاختيارية أصالة، وتسليم القيادة في
مؤسسة الأسرة لمن هو أصلح لها، حال تحققه بذلك.
ثم يكون التقرير للحقوق والواجبات متكافئا وفقا لتمايز
خصائص الذكورة والأنوثة، بحيث تختلف وظائف
المرأة أمومة عن وظائف الرجل قياما بما يشق على
المرأة القيام به جمعا بينه وبين وظائف الأمومة.
وكما أن إثبات الحقوق للزوج يقتضي إعطاءها إياه
طواعية وعن طيب نفس، فإن حقوق الزوجة ينبغي
أن تؤدى طواعية وعن طيب نفس، وهذا هو مقتضى
المعاشرة بالمعروف، ومقتضى ميثاق الأمان الذي
تواثق عليه الزوجان، قال صلى الله عليه وسلم في
الحديث الصحيح: "اتقوا الله في النساء، فإنكم
أخذتموهن بأمان الله".
ويلزم من ذلك أن أحد الطرفين ليس له أن يسقط حقا
للآخر إلا برضاه، ويجب عليه استئذانه فيما إذا أراد
إسقاط حق له.
فمن ذلك حق الخروج من المنزل وهو حق مشترك،
وإن كان نصيب الرجل فيه أرجح نظرا لقوامة الرجل
ومسئوليته شرعا عن الإنفاق من جهة، والإنفاق جزء
من مسئولية القوامة، وكذلك لما تقتضيه طبيعة المرأة
من قدرة على الرعاية التربوية للأبناء بما يفوق
الرجل فضلا عن مقتضيات السير المتزن للحياة، من
توزيع للمهام بما يلائم طبيعة كل جنس.
حق المرأة في الخروج
بعد هذا التقديم المهم نأتي لتأصيل حق المرأة في
الخروج لما فيه خير أو فضيلة ما دام ذلك لا يضر
بمصالح الزوج أو الأسرة، ألم يقل الرسول صلى الله
عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"؟ فيكون في
معنى الخروج إلى المسجد، الخروج إلى كل ما فيه
فعل فضيلة أو إقامة سنة، كما نبه إلى ذلك الإمام ابن
عبد البر في التمهيد.
أما حق المرأة في استئذان زوجها لها في الخروج
الضار بمصلحتها أو مصلحة الأسرة، فبيان ذلك من
جهات:
دالجهة الأولى: إثبات أن المعاشرة الزوجية هي حق
للزوجين، وهذا يقتضي أن الزوج ليس له أن يغيب
عن المنزل غيابا يخل بحق الزوجة في ذلك إعفافا
وسكنا.
الجهة الثانية : العشرة بالمعروف واجبة على
الطرفين، فمن حق الزوجة على زوجها ألا يتركها
وحيدة لساعات الطوال، وهو ينفق وقته في التلهي مع
أصدقائه، أو حتى حضور مجالس العلم، إذا كان ذلك
سيعطل على الزوجة حقها في الأمن النفسي، واعتدال
الحياة، واستقامتها مع زوجها.
الجهة الثالثة: واجب التربية للأولاد، هو واجب سيسأل
عنه الأب أمام الله عز وجل إذا ضيعه، وقول الشافعية
إن التربية هي فرض كفاية، يقتضي سقوط الإثم عن
الأبوين إذا قام بالواجب أحدهما، فإن قامت الأم بما
تقدر عليه من هذا الواجب وعجزت عن الباقي أثم
الأب بتفريطه.
والجهة الثالثة لا علاقة مباشرة للزوجة بها إلا من
حيث واجبها في النصح والإرشاد للأب المفرّط ،
وإنما ذكرتها تأكيدا على هذه المسألة التي تغيب عن
ذهن بعض الآباء.
فإذا كانت الجهتان الأوليان تقتضيان حقا للزوجة، فإن
ذلك يلزم منه أن الزوج ليس له أن يسقط هذا الحق إلا
برضا الزوجة وإلا كان ظالما لها، والظلم ظلمات يوم
القيامة. ويقتضي ذلك أن عليه استئذانها في خروج من
المنزل يضر بها، ويتشاور معها في قدرتها على القيام
بواجب تربية الأولاد منفردة حال عدم قيامه به لسبب
طارئ، بحيث يتأكد أنه لن يضيع حق الأولاد الذي
سيسأله الله عنه وسيحاسبه عليه. فالمسألة هنا إذن
تعود في النهاية إلى اتفاق يتم بينهما على كيفية
التعامل مع هذا الواجب التربوي.
وإذا كان مثل هذا الكلام يستنبطه أي دارس متخصص
من روح الشريعة ومقاصدها، بل من سياقات كلام
الفقهاء، فإن عدم التصريح به فيه ظلم بيّن ليس للمرأة
فقط، بل للأسرة ككل، بل ظلم لعدالة الشريعة وعمقها
وحكمتها.
نشوز الزوج بالغياب المعنوي
ثم إن الغياب عن الزوجة أو الأسرة قد يكون معنويا،
كما في الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز أو
الكمبيوتر أو مطالعة الكتب مع إهمال حق الزوجة
والأولاد.
وقد نهى سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أبا الدرداء
-رضي الله عنه -عن الاستغراق في العبادة، وتضييع
حقوق نفسه وأهله، فقد روى البخاري في صحيحه ما
نصه: (آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان
وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم
الدرداء متبذلة -أي لابسة ثياب المهنة تاركة للبس
ثياب الزينة- فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو
الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء
فصنع له طعاما فقال له: كل فإني صائم. قال: ما أنا
بآكل حتى تأكل. قال: فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو
الدرداء يقوم، فقال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم.
فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن. فصليا.
فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك
حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان").
وزاد الدارقطني كما نقل الإمام ابن حجر العسقلاني:
"فصم وأفطر، وصل ونم، وائت أهلك".
فإذا كانت العبادة الخالصة المندوبة يُنهى عنها إذا أدت
إلى تضييع حق الزوجة فمن باب أولى يكون النهي
عما سوى ذلك من أمور الدنيا.
والحياة الزوجية أعقد من أن تحدها قوانين لا مرونة
فيها، وعرض أحكامها ليس معتمده الأوحد قوانين
الفقه دون نظر في روح هذه القوانين وارتباطها
بمقاصد الشريعة وقواعدها، ومن ذلك مراعاة تغير
ملامح حياة الناس زمانا ومكانا وأحوالا.
والجمود على ألفاظ معينة عند تناول أحكام الشريعة
في العلاقة بين الزوجين، ظلم للشريعة وعمقها، إذ لا
ينظر إلى هذه الألفاظ نزعا لها عن السياقات التي
وردت فيها، وعن المقاصد الشرعية جملة.
والقوامة حق زائد خص به الرجل تكليفا وتشريفا إن
تحقق بشرائطه، لا ينكر ذلك إلا مكابر في الشرع، بل
في الطبيعة الإنسانية، لكن هذا الفضل الذي كلِّف به
محدود ومشروط بما قدمنا، ولا ينافي حق الزوجة
عليه في عشرة بالمعروف توجب لها حقوقها في
الشورى وإدارة البيت وما سوى ذلك من حقوق، وقد
سمى القرآن ترفع الزوج عن ذلك نشوزا (سورة
النساء: آية 128)، كما سمى ترفع المرأة عن أداء
حق الزوج نشوزا أيضا، والنشوز يقابله أداء الحق
بسماحة وطيب نفس.
ومثل هذه المقابلة، إبرازها وتسليط الضوء عليها لعله
مما يحيي واجبات هجرت عند بعض الأزواج، والله
عز وجل سيسألهم عنها، كما أرجو أن يكون فقهها
مما يعيد للمرأة المسلمة توازنها في المطالبة بحقوقها
دون إجحاف بأوامر ربها، وحقوق الأسرة ككل.
ولا بد لنا حقا من مراجعة لتراثنا الفقهي، وطريقة
تعاملنا معه، واستخدامنا لمفرداته، أو استفادتنا من
كنوزه. والله الموفق.
كاتبة وباحثة شرعية بالمملكة العربية السعودية،