الشبكة العامة لقبائل الحويطات - المنبر الاعلامي و المرجع الرسمي المعتمد

الشبكة العامة لقبائل الحويطات - المنبر الاعلامي و المرجع الرسمي المعتمد (https://www.alhowaitat.net/index.php)
-   منتدى الإســـلام والعلم والإيـمــان (https://www.alhowaitat.net/forumdisplay.php?f=41)
-   -   حدث في رمضان (https://www.alhowaitat.net/showthread.php?t=66263)

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:08 AM

رد: حدث في رمضان
 
25 رمضان
في الخامس والعشرين من رمضان عام 658هـ، انتصر المسلمون بقيادة المجاهد المؤمن سيف الدين قطز في المعركة الخالدة عين جالوت، حيث قهرت الجيوش المصرية التتار الذين قتلوا ملايين البشر من المسلمين وغيرهم، وقضوا على الخليفة ودولة الخلافة وعاصمتها بغداد في عام 656هـ.

فبعدما سحق التتار كل الإمارات الإسلامية من الصين في أقصى الشرق مرورًا بوسط آسيا وإيران والعراق والشام، فلم يتبقَّ لهم في حصادهم البشري إلا مصر، التي لو سقطت حينها لأمكن للتتار أن يرتعوا في القارة الأوربية، فضلاً عن إفريقيا وبلاد المغرب الإسلامي، لا يردهم في ذلك رادٌّ.

وبكل صلف وغرور، وبعدما احتل التتار بمعاونة الصليبيين وبعض الخونة ممن ينتسبون للإسلام اسمًا - بلادَ الشام، أرسلوا رسالة فيها من التهديد والوعيد إلى سلطان مصر قطز، يخبروه فيها بضرورة تسليم مصر بكل هدوء حتى لا تكون كمثيلاتها من البلدان الأخرى، ولكن المجاهد المؤمن لا يغتر بمثل هذه التُّرَّهات، ومن ثَمَّ أمر بقطع رءوس الرسل المغول وتعليقها في أبواب القاهرة؛ لطمأنة عموم الناس، وبثّ الأمل والثقة فيهم.

وعلى الفور أمر قطز بجمع الجيوش بمعونة من كبار العلماء كالعالم المجاهد عز الدين بن عبد السلام رحمه الله، فسارت القوات الإسلامية صوب الشام لملاقاة التتار، ولم تنتظر مصيرها في بلدها كالبلاد الأخرى، "وبلغ ذلك كتبغا نائب هولاكو على الشام، فجمع مَن بالشام مِن التتر، وسار إلى قتال المسلمين ومعه صاحب الصبيبة السعيد بن العزيز بن العادل بن أيوب، والتقوا في الغور يوم الجمعة 25 رمضان عام 658هـ، فانهزمت التتر هزيمة قبيحة وأخذتهم سيوف المسلمين، وقُتل مقدمهم كتبغا واستؤسر ابنه، وتعلق من سلم منهم برءوس الجبال وتبعهم المسلمون فأفنوهم، وهرب من سلم إلى الشرق. وجرد قطز بيبرس البندقداري في أثرهم، فتبعهم إلى أطراف البلاد. وكان أيضًا في صحبة التتر الأشرف موسى صاحب حمص ففارقهم وأمّنه قطز، وأقرّه على حمص ومضافاتها. وأما صاحب الصبيبة فأُحضر أسيرًا بين يدي قطز، فضربت عنقه لما اعتمد من السفك والفسق، وأحسن قطز إلى المنصور صاحب حماة، وزاده على حماة وبارين المعرَّةَ، وكانت بيد الحلبيين من سنة 635هـ، وأخذ سَلَمِيَّة منه وأعطاها أمير العرب. وأتم المظفر قطز السير بالعساكر وصحبته المنصور صاحب حماة إلى دمشق، وتضاعف شكر العالم لله تعالى على هذا النصر العظيم من بعد اليأس من النصرة على التتر؛ لاستيلائهم على معظم بلاد الإسلام، ولأنهم ما قصدوا إقليمًا إلاَّ فتحوه، ولا عسكرًا إلا هزموه، ويوم دخوله دمشق شنق جماعة من المنتسبين إلى التتر، منهم حسين الطبردار موقع الملك الناصر في أيدي التتر"[1].

وبهذا النصر الساحق، التأم شمل المسلمين في مصر والشام والحجاز تحت قيادة الدولة المملوكية، ولم تقم للتتار قومة بعدها، وذلك بفضل الإيمان الراسخ، والثقة في الله تعالى، وكان ذلك النصر من الانتصارات الباهرة في شهر رمضان المبارك.

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:11 AM

رد: حدث في رمضان
 
26 رمضان
ولدت السيدة نفيسة يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الأول عام 145هـ بمكة المكرمة، وبقيت بها حتى بلغت خمسة أعوام، درجت فيها محاطة بالعزة والكرامة، حتى صحبها أبوها مع أمها زينب بنت الحسن إلى المدينة المنورة؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى حصلت على لقب "نفيسة العلم" قبل أن تصل لسن الزواج، ولما وصلته رغب فيها شباب آل البيت، فكان أبوها يردهم ردًّا جميلاً، إلى أن أتاها "إسحاق المؤتمن" ابن جعفر الصادق ، وتزوجا في بيت أبيه، وبزواجهما اجتمع نور الحسن والحسين، وأصبحت السيدة نفيسة كريمة الدارين، وأنجبت لإسحاق ولدًا وبنتًا هما القاسم وأم كلثوم.

كانت تمضي أكثر وقتها في حرم جدها المصطفى ، وكانت زاهدة دون مبالغة، فلم تكن تقاطع الحياة، وإنما كان هجرها للدنيا واقعًا على كل ما يعوق عن العبادة والتزوُّد بالتقوى، وكانت الآخرة نُصب عينيها، حتى إنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها. وكانت تحفظ القرآن وتفسِّره، ويؤمها الناس ليسمعوا تفسيرها، وكانت تدعو الله قائلةً: "إلهي يسِّر لي زيارة قبر خليلك إبراهيم". فاستجاب الله لها، وزارت هي وزوجها "إسحاق المؤتمن" قبر الخليل .

رحيلها لمصر واحتفاء المصريين

ثم قررت هي وزوجها إسحاق المؤتمن أن يرحلا إلى مصر، وفي السادس والعشرين من شهر رمضان من عام 193هـ وصلت السيدة نفيسة ابنة الإمام الحسن الأنور ابن زيد الأبلج ابن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب مصر. ونزلت بدار سيدة من المصريين تُدعى "أم هانئ" وكانت دارًا رحيبة، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم، حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: "إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمْع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى". ففزع الناس لقولها، وأبوا عليها رحيلها، حتى تدخَّل الوالي "السَّرِيّ بن الحكم" وقال لها: "يابنة رسول الله، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه". ووهبها دارًا واسعة، ثم حدَّد موعدًا -يومين أسبوعيًّا- يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة؛ لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت.

رسالة السيدة نفيسة لابن طولون

ويذكر القرماني في تاريخه ويؤيده في روايته صاحب الغرر وصاحب المستطرف -وهما من رواة التاريخ الثقات- أن السيدة نفيسة (رضي الله عنها) قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة، فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها: "ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخُوِّلتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفّاذة غير مخطئة، لا سيَّما من قلوبٍ أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته.

ولمَّا وفد الإمام الشافعي إلى مصر، وتوثقت صلته بالسيدة نفيسة، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء، حتى إذا مرض كان يرسل إليها من يُقرِئها السلام ويقول لها: "إن ابن عمك الشافعي مريض ويسألك الدعاء". وأوصى الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فأدخلت الجنازة دارها، وصلّت عليه؛ إنفاذًا لوصيته حين وفاته عام 204هـ[1].

وفاتها

وفي شهر رمضان من عام 208هـ، توفيت السيدة نفيسة رضي الله عنها، "ولما ماتت عزم زوجها إسحاق بن جعفر على حملها إلى المدينة ليدفنها هناك، فسأله المصريون بقاءها عندهم، فدُفنت في الموضع المعروف بها اليوم بين القاهرة ومصر، وكان يُعرف ذلك المكان بدرب السباع، فخُرِّب الدرب ولم يبق هناك سوى المشهد"[2].

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:12 AM

رد: حدث في رمضان
 
26 رمضان
ولدت السيدة نفيسة يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الأول عام 145هـ بمكة المكرمة، وبقيت بها حتى بلغت خمسة أعوام، درجت فيها محاطة بالعزة والكرامة، حتى صحبها أبوها مع أمها زينب بنت الحسن إلى المدينة المنورة؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى حصلت على لقب "نفيسة العلم" قبل أن تصل لسن الزواج، ولما وصلته رغب فيها شباب آل البيت، فكان أبوها يردهم ردًّا جميلاً، إلى أن أتاها "إسحاق المؤتمن" ابن جعفر الصادق ، وتزوجا في بيت أبيه، وبزواجهما اجتمع نور الحسن والحسين، وأصبحت السيدة نفيسة كريمة الدارين، وأنجبت لإسحاق ولدًا وبنتًا هما القاسم وأم كلثوم.

كانت تمضي أكثر وقتها في حرم جدها المصطفى ، وكانت زاهدة دون مبالغة، فلم تكن تقاطع الحياة، وإنما كان هجرها للدنيا واقعًا على كل ما يعوق عن العبادة والتزوُّد بالتقوى، وكانت الآخرة نُصب عينيها، حتى إنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها. وكانت تحفظ القرآن وتفسِّره، ويؤمها الناس ليسمعوا تفسيرها، وكانت تدعو الله قائلةً: "إلهي يسِّر لي زيارة قبر خليلك إبراهيم". فاستجاب الله لها، وزارت هي وزوجها "إسحاق المؤتمن" قبر الخليل .

رحيلها لمصر واحتفاء المصريين

ثم قررت هي وزوجها إسحاق المؤتمن أن يرحلا إلى مصر، وفي السادس والعشرين من شهر رمضان من عام 193هـ وصلت السيدة نفيسة ابنة الإمام الحسن الأنور ابن زيد الأبلج ابن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب مصر. ونزلت بدار سيدة من المصريين تُدعى "أم هانئ" وكانت دارًا رحيبة، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم، حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: "إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمْع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى". ففزع الناس لقولها، وأبوا عليها رحيلها، حتى تدخَّل الوالي "السَّرِيّ بن الحكم" وقال لها: "يابنة رسول الله، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه". ووهبها دارًا واسعة، ثم حدَّد موعدًا -يومين أسبوعيًّا- يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة؛ لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت.

رسالة السيدة نفيسة لابن طولون

ويذكر القرماني في تاريخه ويؤيده في روايته صاحب الغرر وصاحب المستطرف -وهما من رواة التاريخ الثقات- أن السيدة نفيسة (رضي الله عنها) قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة، فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها: "ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخُوِّلتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفّاذة غير مخطئة، لا سيَّما من قلوبٍ أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته.

ولمَّا وفد الإمام الشافعي إلى مصر، وتوثقت صلته بالسيدة نفيسة، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء، حتى إذا مرض كان يرسل إليها من يُقرِئها السلام ويقول لها: "إن ابن عمك الشافعي مريض ويسألك الدعاء". وأوصى الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فأدخلت الجنازة دارها، وصلّت عليه؛ إنفاذًا لوصيته حين وفاته عام 204هـ[1].

وفاتها

وفي شهر رمضان من عام 208هـ، توفيت السيدة نفيسة رضي الله عنها، "ولما ماتت عزم زوجها إسحاق بن جعفر على حملها إلى المدينة ليدفنها هناك، فسأله المصريون بقاءها عندهم، فدُفنت في الموضع المعروف بها اليوم بين القاهرة ومصر، وكان يُعرف ذلك المكان بدرب السباع، فخُرِّب الدرب ولم يبق هناك سوى المشهد"[2].

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:16 AM

رد: حدث في رمضان
 
27 رمضان
في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 65هـ تولى عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمويّ القرشيّ الخلافةَ، بعد وفاة والده مروان بن الحكم، الذي لم يستمر في الحكم إلا عشرة أشهر وعِدَّة أيام.

قضاء عبد الملك بن مروان على الفتن والإصلاحات الداخلية

استطاع عبد الملك بن مروان أن يقضي على الفتن التي كانت تعمُّ العالم الإسلامي عندما تولى الخلافة، وأشهرها فتنة عبد الله بن الزبير التي قسمت العالم الإسلامي إلى جزأين، فأضحت الخلافة الإسلامية منذ القضاء على فتنة عبد الله بن الزبير عام 73هـ في استقرار وأمن.

وبدأ عبد الملك بن مروان بعد ذلك العام في الاهتمام بالأوضاع الداخلية للمسلمين، وبالفتوح الإسلامية، ففي "سنة خمس وسبعين حجَّ بالناس، وسيّر الحجّاج أميرًا على العراق. وفي سنة سبع وسبعين فتحت هرقلة، وهدمَ عبد العزيز بن مروان جامع مصر وزيد فيه من جهاته الأربع. وفي سنة اثنين وثمانين فُتح حصن سنان من ناحية المصيصة، وكانت غزوة أرمينية وصنهاجة بالمغرب. وفي سنة ثلاث وثمانين بنيت مدينة واسط بناها الحجاج. وفي سنة أربع وثمانين فتحت المصيصة وأودية من المغرب. وفي سنة خمس وثمانين بنيت مدينة أردبيل ومدينة برذعة، بناها عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي. وفي سنة ست وثمانين فتح حصن بولق وحصن الأخرم"[1].

ومن جملة إصلاحاته الداخلية أن حُوِّلت الدواوين في عهده إلى العربية، ونُقشت الدنانير والدراهم بالعربية وذلك عام 76هـ، وكان على الدنانير قبل ذلك كتابة بالرومية، وعلى الدراهم كتابة بالفارسية.

عبد الملك بن مروان وتقويم الولاة

وكان عبد الملك يقظًا مع عماله، يقوّم اعوجاجهم، ويرشدهم إلى الصالح الذي يرضاه لرعيته؛ فقد كتب إلى الحجاج ذات مرة، قائلاً: "قد بلغني عنك إسراف في القتل، وتبذير في المال، وهاتان خلتان لا أحتمل عليهما أحدًا، وقد حكمت عليك في العمد بالقود، وفي الخطأ بالدية، وفي الأموال أن تردها إلى مواضعها"[2]. ولذلك كان ابن خلدون -رحمه الله- يرى أن عبد الملك بن مروان -رحمه الله- استطاع أن ينقل العرب من "غضاضة البداوة إلى رونق الحضارة، ومن سذاجة الأمية إلى حذق الكتابة، وظهر في العرب ومواليهم مهرة في الكتاب والحسبان"[3].

وفاة عبد الملك بن مروان

وعلى فراش الموت، يتمنى عبد الملك أنه لم يكن شيئًا مذكورًا؛ إذ يقول: "وددت أني عبدٌ لرجل من تهامة أرعى غنمًا في جبالها، وأني لم أك شيئًا"[4]. وكان يقول قبل لحظات من موته: "ارفعوني على شَرَفٍ. ففُعل، فتنسم الروح ثم قال: يا دنيا ما أطيبك! إن طويلك لقصير، وإن كبيرك لحقير، وإن كنا منك لفي غرور"[5].

وقد توفي -رحمه الله- في شهر شوال من عام 86هـ، وله من العمر ستون عامًا، وصلى عليه ابنه الوليد، ودُفن بباب الجابية الصغير في دمشق[6].

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:16 AM

رد: حدث في رمضان
 
27 رمضان
في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 65هـ تولى عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمويّ القرشيّ الخلافةَ، بعد وفاة والده مروان بن الحكم، الذي لم يستمر في الحكم إلا عشرة أشهر وعِدَّة أيام.

قضاء عبد الملك بن مروان على الفتن والإصلاحات الداخلية

استطاع عبد الملك بن مروان أن يقضي على الفتن التي كانت تعمُّ العالم الإسلامي عندما تولى الخلافة، وأشهرها فتنة عبد الله بن الزبير التي قسمت العالم الإسلامي إلى جزأين، فأضحت الخلافة الإسلامية منذ القضاء على فتنة عبد الله بن الزبير عام 73هـ في استقرار وأمن.

وبدأ عبد الملك بن مروان بعد ذلك العام في الاهتمام بالأوضاع الداخلية للمسلمين، وبالفتوح الإسلامية، ففي "سنة خمس وسبعين حجَّ بالناس، وسيّر الحجّاج أميرًا على العراق. وفي سنة سبع وسبعين فتحت هرقلة، وهدمَ عبد العزيز بن مروان جامع مصر وزيد فيه من جهاته الأربع. وفي سنة اثنين وثمانين فُتح حصن سنان من ناحية المصيصة، وكانت غزوة أرمينية وصنهاجة بالمغرب. وفي سنة ثلاث وثمانين بنيت مدينة واسط بناها الحجاج. وفي سنة أربع وثمانين فتحت المصيصة وأودية من المغرب. وفي سنة خمس وثمانين بنيت مدينة أردبيل ومدينة برذعة، بناها عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي. وفي سنة ست وثمانين فتح حصن بولق وحصن الأخرم"[1].

ومن جملة إصلاحاته الداخلية أن حُوِّلت الدواوين في عهده إلى العربية، ونُقشت الدنانير والدراهم بالعربية وذلك عام 76هـ، وكان على الدنانير قبل ذلك كتابة بالرومية، وعلى الدراهم كتابة بالفارسية.

عبد الملك بن مروان وتقويم الولاة

وكان عبد الملك يقظًا مع عماله، يقوّم اعوجاجهم، ويرشدهم إلى الصالح الذي يرضاه لرعيته؛ فقد كتب إلى الحجاج ذات مرة، قائلاً: "قد بلغني عنك إسراف في القتل، وتبذير في المال، وهاتان خلتان لا أحتمل عليهما أحدًا، وقد حكمت عليك في العمد بالقود، وفي الخطأ بالدية، وفي الأموال أن تردها إلى مواضعها"[2]. ولذلك كان ابن خلدون -رحمه الله- يرى أن عبد الملك بن مروان -رحمه الله- استطاع أن ينقل العرب من "غضاضة البداوة إلى رونق الحضارة، ومن سذاجة الأمية إلى حذق الكتابة، وظهر في العرب ومواليهم مهرة في الكتاب والحسبان"[3].

وفاة عبد الملك بن مروان

وعلى فراش الموت، يتمنى عبد الملك أنه لم يكن شيئًا مذكورًا؛ إذ يقول: "وددت أني عبدٌ لرجل من تهامة أرعى غنمًا في جبالها، وأني لم أك شيئًا"[4]. وكان يقول قبل لحظات من موته: "ارفعوني على شَرَفٍ. ففُعل، فتنسم الروح ثم قال: يا دنيا ما أطيبك! إن طويلك لقصير، وإن كبيرك لحقير، وإن كنا منك لفي غرور"[5].

وقد توفي -رحمه الله- في شهر شوال من عام 86هـ، وله من العمر ستون عامًا، وصلى عليه ابنه الوليد، ودُفن بباب الجابية الصغير في دمشق[6].

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:19 AM

رد: حدث في رمضان
 
28 رمضان

في الثامن والعشرين من رمضان عام 2هـ، فرض الله تعالى على عِباده زكاة الفطر، وكانت قد فرضت قبل زكاة الأموال[1]، وهي واجبة من القرآن والسنة والإجماع.

وقد شرعت زكاة الفطر؛ تطهيرًا للنفس من أدرانها من الشح وغيره من الأخلاق الرديئة، وتطهيرًا للصيام مما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث ونحوهما، وتكميلاً للأجر وتنمية للعمل الصالح، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناءً لهم من ذلِّ الحاجة والسؤال يوم العيد؛ فعن ابن عباس مرفوعًا: "فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو واللعب، وطُعمة للمساكين"[2].

وفيها: إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وما يسّر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه. وفيها: إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم.

وتجب زكاة الفطر زكاة على كل مسلم ذكرًا كان أو أنثى، حرًّا كان أو عبدًا، وسواء كان من أهل المدن أو القرى أو البوادي، بإجماع من يعتد بقوله من المسلمين؛ ولذا كان بعض السلف يخرجها عن الحمل. ومن أدلة وجوبها: حديث ابن عمر قال: "فرض رسول الله زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين. وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة"[3].

ونحو هذا الحديث، مما فيه التصريح بالفرض والأمر، وإنما تجب على الغني -وليس المقصود بالغني في هذا الباب الغني في باب زكاة الأموال- بل المقصود به زكاة الفطر مَن فضل عنده صاع أو أكثر يوم العيد وليلته من قوته وقوت عياله، ومن تجب عليه نفقته، وغير المكلفين كالأيتام والمجانين ونحوهم، يخرجها راعيهم من مالهم مَن له عليه ولاية شرعية، فإنْ لم يكن لهم مال فإنه يخرجها عنهم من ماله ممن تجب عليه نفقتهم؛ لعموم ما روي عن النبي أنه قال: "أدُّوا الفطر عمَّن تَمُونُون" [4].

وتخرج زكاة الفطر من الأصناف التي دلّ عليها حديث النبي وهي التمر والشعير والزبيب والأقط، وقد أجاز الحنفية إخراج زكاة الفطر نقدًا؛ إعمالاً للمصلحة وفق مقاصد التشريع الحكيم، وهو "أولى ليَتيسر للفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ لأنه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحم، أو غير ذلك؛ فإعطاؤه الحبوب يضطره إلى أن يطوف بالشوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمن بخسٍ أقل من قيمتها الحقيقية، هذا كله في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرة في الأسواق، أمَّا في حالة الشدة وقلة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاةً لمصلحة الفقير

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:19 AM

رد: حدث في رمضان
 
28 رمضان

في الثامن والعشرين من رمضان عام 2هـ، فرض الله تعالى على عِباده زكاة الفطر، وكانت قد فرضت قبل زكاة الأموال[1]، وهي واجبة من القرآن والسنة والإجماع.

وقد شرعت زكاة الفطر؛ تطهيرًا للنفس من أدرانها من الشح وغيره من الأخلاق الرديئة، وتطهيرًا للصيام مما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث ونحوهما، وتكميلاً للأجر وتنمية للعمل الصالح، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناءً لهم من ذلِّ الحاجة والسؤال يوم العيد؛ فعن ابن عباس مرفوعًا: "فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو واللعب، وطُعمة للمساكين"[2].

وفيها: إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وما يسّر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه. وفيها: إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم.

وتجب زكاة الفطر زكاة على كل مسلم ذكرًا كان أو أنثى، حرًّا كان أو عبدًا، وسواء كان من أهل المدن أو القرى أو البوادي، بإجماع من يعتد بقوله من المسلمين؛ ولذا كان بعض السلف يخرجها عن الحمل. ومن أدلة وجوبها: حديث ابن عمر قال: "فرض رسول الله زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين. وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة"[3].

ونحو هذا الحديث، مما فيه التصريح بالفرض والأمر، وإنما تجب على الغني -وليس المقصود بالغني في هذا الباب الغني في باب زكاة الأموال- بل المقصود به زكاة الفطر مَن فضل عنده صاع أو أكثر يوم العيد وليلته من قوته وقوت عياله، ومن تجب عليه نفقته، وغير المكلفين كالأيتام والمجانين ونحوهم، يخرجها راعيهم من مالهم مَن له عليه ولاية شرعية، فإنْ لم يكن لهم مال فإنه يخرجها عنهم من ماله ممن تجب عليه نفقتهم؛ لعموم ما روي عن النبي أنه قال: "أدُّوا الفطر عمَّن تَمُونُون" [4].

وتخرج زكاة الفطر من الأصناف التي دلّ عليها حديث النبي وهي التمر والشعير والزبيب والأقط، وقد أجاز الحنفية إخراج زكاة الفطر نقدًا؛ إعمالاً للمصلحة وفق مقاصد التشريع الحكيم، وهو "أولى ليَتيسر للفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ لأنه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحم، أو غير ذلك؛ فإعطاؤه الحبوب يضطره إلى أن يطوف بالشوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمن بخسٍ أقل من قيمتها الحقيقية، هذا كله في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرة في الأسواق، أمَّا في حالة الشدة وقلة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاةً لمصلحة الفقير

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:20 AM

رد: حدث في رمضان
 
29 رمضان

في التاسع والعشرين من شهر رمضان عام 92هـ، وقعت معركة شَذُونَة على نهر لَكّة في الأندلس، بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد -رحمه الله- وبين لُذْريق قائد القوط.

وقد اتصلت الحرب بين الجانبين ثمانية أيام، استشهد فيها ثلاثة آلاف من المسلمين، ولكن الهزيمة دارت على لذريق وجيشه، وقيل: إن لذريق غرق وقُتل كثير من جيشه[1].

وفي بدء المعركة وجّه لذريق أحد قادته من أصحابه قد عرف نجدته، ووثق ببأسه ليشرف على عسكر طارق ليعرف عددهم، ويعاين هيئاتهم ومراكبهم، "فأقبل ذلك العِلْج[2] حتى طلع على العسكر ثم شدَّ في وجوه من استشرفه من المسلمين، فوثبوا إليه فولّى منصرفًا راكضًا وفاتهم بسبق فرسه، فقال العلج للذريق: أتتك الصور التي كشف لك عنها التابوت، فخذ على نفسك، فقد جاءك منهم من لا يريد إلا الموت أو إصابة ما تحت قدميك... وصُفُّوا في السهل موطِّنين أنفسهم على الثبات؛ إذ ليس لهم في أرضنا مكان مهرب. فرعب وتضاعف جزعه، والتقى العسكران بالبحيرة، واقتتلوا قتالاً شديدًا إلى أن انهزمت ميمنة لذريق وميسرته"[3].

وقد اعتبرت هذه المعركة من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام، حيث مهّدت للفتح الإسلامي للأندلس؛ ولذلك قال ابن الأثير عقب هذه المعركة: "وسار طارق إلى مدينة إستجة مُتَّبِعًا لهم (لفلول المنهزمين في معركة شذونة)، فلقيه أهلها ومعهم من المنهزمين خلقٌ كثير، فقاتلوه قتالاً شديدًا، ثم انهزم أهل الأندلس ولم يلقَ المسلمون بعدها حربًا مثلها"[4]. وتعليق ابن الأثير بأن المسلمين لم يلقوا حربًا مثلها، دليلٌ على اعتبار هذه المعركة خطًّا فاصلاً لمسيرة الفتوح الإسلامية في الأندلس.

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:20 AM

رد: حدث في رمضان
 
29 رمضان

في التاسع والعشرين من شهر رمضان عام 92هـ، وقعت معركة شَذُونَة على نهر لَكّة في الأندلس، بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد -رحمه الله- وبين لُذْريق قائد القوط.

وقد اتصلت الحرب بين الجانبين ثمانية أيام، استشهد فيها ثلاثة آلاف من المسلمين، ولكن الهزيمة دارت على لذريق وجيشه، وقيل: إن لذريق غرق وقُتل كثير من جيشه[1].

وفي بدء المعركة وجّه لذريق أحد قادته من أصحابه قد عرف نجدته، ووثق ببأسه ليشرف على عسكر طارق ليعرف عددهم، ويعاين هيئاتهم ومراكبهم، "فأقبل ذلك العِلْج[2] حتى طلع على العسكر ثم شدَّ في وجوه من استشرفه من المسلمين، فوثبوا إليه فولّى منصرفًا راكضًا وفاتهم بسبق فرسه، فقال العلج للذريق: أتتك الصور التي كشف لك عنها التابوت، فخذ على نفسك، فقد جاءك منهم من لا يريد إلا الموت أو إصابة ما تحت قدميك... وصُفُّوا في السهل موطِّنين أنفسهم على الثبات؛ إذ ليس لهم في أرضنا مكان مهرب. فرعب وتضاعف جزعه، والتقى العسكران بالبحيرة، واقتتلوا قتالاً شديدًا إلى أن انهزمت ميمنة لذريق وميسرته"[3].

وقد اعتبرت هذه المعركة من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام، حيث مهّدت للفتح الإسلامي للأندلس؛ ولذلك قال ابن الأثير عقب هذه المعركة: "وسار طارق إلى مدينة إستجة مُتَّبِعًا لهم (لفلول المنهزمين في معركة شذونة)، فلقيه أهلها ومعهم من المنهزمين خلقٌ كثير، فقاتلوه قتالاً شديدًا، ثم انهزم أهل الأندلس ولم يلقَ المسلمون بعدها حربًا مثلها"[4]. وتعليق ابن الأثير بأن المسلمين لم يلقوا حربًا مثلها، دليلٌ على اعتبار هذه المعركة خطًّا فاصلاً لمسيرة الفتوح الإسلامية في الأندلس.

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:22 AM

رد: حدث في رمضان
 
30 رمضان
في الثلاثين من رمضان عام 256هـ توفي الإمام العلاّمة، حافظ حديث النبي ، وإمام السُّنَّة محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، عن عمرٍ ناهز الاثنين وستين عامًا.

ولد شيخ الإسلام الإمام البخاري في شوال سنة 194هـ في "بخارى"، ونشأ في بيت علم، وظهرت عليه في طفولته علامات النبوغ والنجابة، ووهبه الله I ذاكرةً قويّة تفوّق بها على أقرانه، وقد اشتمله الله برعايته منذ طفولته، وابتلاه بفقدان بصره في صباه، فرأت والدته في المنام إبراهيم فقال لها : "يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره؛ لكثرة بكائك أو كثرة دعائك". فأصبحت وقد ردَّ الله عليه بصره ببركة دعاء أمه له.

حياة الإمام البخاري العلمية وقوة حافظته

بدأ البخاري حياته العلمية من الكُتَّاب، فأتم حفظ كتاب الله في العاشرة من عمره، ثم مرّ على الشيوخ ليأخذ عنهم الحديث، ولما بلغ ستة عشر عامًا كان قد حفظ أحاديث ابن المبارك ووكيع، وكان آية في الحفظ، حتى بلغ محفوظه آلاف الأحاديث وهو لا يزال غلامًا. والشاهد على ذلك ما رواه حاشد بن إسماعيل -رحمه الله- أن الإمام كان يذهب إلى المشايخ مع رفقائه وهو غلام، فكان يكتفي بسماع الأحاديث دون أن يدوِّنها كما يفعل زملاؤه، حتى أتى على ذلك أيام فكانوا يقولون له: "إنك تتردد معنا إلى المشايخ ولا تكتب ما تسمعه، فما الذي تفعله؟" وأكثروا عليه حتى ضاق بهم ذرعًا، وقال لهم مرةً بعد ستة عشر يومًا: "إنكم قد أكثرتم عليَّ وألححتم، فأخرجا إليَّ ما كتبتموه". فأخرجوا إليه ما كان عندهم، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلوا يصحِّحون ما كتبوه من حفظه، فعرفوا أنه لا يتقدمه أحد.

ثم ارتحل البخاري في طلب الحديث إلى "بلخ" و"نيسابور" وأكثر من مجالسة العلماء، وحمل عنهم علمًا جمًّا، ثم انتقل إلى مكة وجلس فيها مدة، وأكمل رحلته إلى بغداد ومصر والشام حتى بلغ عدد شيوخه ما يزيد على ألفٍ وثمانمائة شيخٍ، وتصدّر للتدريس وهو ابن سبع عشرة سنة، وقد كان الناس يزدحمون عليه وهم آلاف حتى يغلبوه على نفسه، ويجلسوه في بعض الطريق، يكتبون عنه، وهو لا يزال شابًّا لم تنبت له لحية.

الإمام البخاري خصال حميدة ومناقب عظيمة

وهب الله تعالى الإمام البخاري عددًا من الخصال الحميدة، والمناقب العظيمة، حتى شهد له علماء عصره بتفوقه على أقرانه، ولو كتبنا في مناقب هذا الإمام العظيم المؤلفات ما وفّينا حقه، حتى قال عنه رجاء الحافظ: "هو آية من آيات الله يمشي على ظهر الأرض". من ذلك أن الله قد آتاه حفظًا وسعة علم، حتى روي عنه أنه قال: "لو أردتُ ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة"، وذلك في إحدى المجالس. ومما يدل على كثرة محفوظاته قوله: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح".

واشتَهر الإمام بشدّة ورعه، فقد كان حريصًا على ألفاظه عند الجرح والتعديل للرواة، ومما أُثر عنه قوله: "أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا". كما اشتَهر -رحمه الله- بالزهد والكرم، يُعطِي عطاءً واسعًا، ويتصدّق على المحتاجين من أهل الحديث ليغنيهم عن السؤال، وكان وقّافًا عند حدود الله، كما كان شديد الحرص على اتّباع السنة، قال النجم بن الفضيل: "رأيت النبي في النوم كأنه يمشي، ومحمد بن إسماعيل يمشي خلفه، فكلما رفع النبي قدمه وضع الإمام قدمه مكانها"

وأعظم خصلة تحلّى بها الإمام هي الإخلاص لله تعالى -نحسبه كذلك والله حسيبه-، فقد كان يريد الله بعلمه وعمله، وبغضه وحبه، ومنعه وبذله؛ فانتشرت كتبه، وتلقت الأمة كلها "صحيح البخاري" بالقبول، حتى عدَّه العلماء أصحّ كتابٍ بعد كتاب الله تعالى.

مصنفات الإمام البخاري

ساهم البخاري -رحمه الله- في التأليف والكتابة، وأول كتاب يتبادر إلى الذهن هو كتابه العظيم "الجامع الصحيح" المعروف عند الناس بكتاب "صحيح البخاري"، وهو أول كتاب صُنِّف في الحديث الصحيح المجرد، واستغرق تصنيف هذا الجامع ست عشرة سنة، ولم يضع في كتابه هذا إلا أصح ما ورد عن النبي .

وللشيخ تصانيف أخرى مهمة، مثل: "الأدب المفرد" الذي تناول فيها جملة من الآداب والأخلاق، وبعض الأجزاء الحديثية مثل: "رفع اليدين في الصلاة" و"القراءة خلف الإمام"، وفي علم التاريخ له: "التاريخ الكبير، والأوسط، والصغير"، وفي العقيدة ألّف رسالة أسماها: "خلق أفعال العباد"، وفي علم الرجال: "الضعفاء"، ومصنفات أخرى كثيرة بعضها في عداد المفقود.

محنة ووفاة الإمام البخاري

تعرض الإمام البخاري للامتحان والابتلاء كما تعرض الأنبياء والصالحون من قبله، فصبر واحتسب، وما وهن وما لان، وكانت محنته من جهة الحسد الذي ألمَّ ببعض أقرانه؛ لما له من المكانة في قلوب العامَّة والخاصَّة، فأثاروا حوله الشائعات بأنه يقول بخلق القرآن، وهو بريء من هذا القول، فحصل الشغب عليه، ووقعت الفتنة، وخاض فيها من خاض، حتى اضطر الشيخ درءًا للفتنة أن يترك "نيسابور" ويذهب إلى "بخارى" موطنه الأصلي.

وبعد رجوعه إلى بخارى استتبَّ له الأمر زمنًا، ثم ما لبث أن حصلت وحشة بينه وبين أمير البلد عندما رفض أن يخصَّه بمجلس علم دون عامة الناس، فنفاه الوالي وأمر بإخراجه، فتوجَّه إلى قرية من قرى سمرقند، فعظم الخطب عليه واشتد البلاء، حتى دعا ذات ليلة فقال: "اللهم إنه قد ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك". فما تم الشهر حتى مات، وكان ذلك سنة 256هـ، وعاش اثنتين وستين سنة، ودُفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر. رحم الله الإمام رحمة واسعة، وأجزل له العطاء والمثوبة، فقد كانت سيرته منارًا يُهتدى بها، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا معه في جنات النعيم، والحمد لله أوَّلاً وآخرًا[1].

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:22 AM

رد: حدث في رمضان
 
30 رمضان
في الثلاثين من رمضان عام 256هـ توفي الإمام العلاّمة، حافظ حديث النبي ، وإمام السُّنَّة محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، عن عمرٍ ناهز الاثنين وستين عامًا.

ولد شيخ الإسلام الإمام البخاري في شوال سنة 194هـ في "بخارى"، ونشأ في بيت علم، وظهرت عليه في طفولته علامات النبوغ والنجابة، ووهبه الله I ذاكرةً قويّة تفوّق بها على أقرانه، وقد اشتمله الله برعايته منذ طفولته، وابتلاه بفقدان بصره في صباه، فرأت والدته في المنام إبراهيم فقال لها : "يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره؛ لكثرة بكائك أو كثرة دعائك". فأصبحت وقد ردَّ الله عليه بصره ببركة دعاء أمه له.

حياة الإمام البخاري العلمية وقوة حافظته

بدأ البخاري حياته العلمية من الكُتَّاب، فأتم حفظ كتاب الله في العاشرة من عمره، ثم مرّ على الشيوخ ليأخذ عنهم الحديث، ولما بلغ ستة عشر عامًا كان قد حفظ أحاديث ابن المبارك ووكيع، وكان آية في الحفظ، حتى بلغ محفوظه آلاف الأحاديث وهو لا يزال غلامًا. والشاهد على ذلك ما رواه حاشد بن إسماعيل -رحمه الله- أن الإمام كان يذهب إلى المشايخ مع رفقائه وهو غلام، فكان يكتفي بسماع الأحاديث دون أن يدوِّنها كما يفعل زملاؤه، حتى أتى على ذلك أيام فكانوا يقولون له: "إنك تتردد معنا إلى المشايخ ولا تكتب ما تسمعه، فما الذي تفعله؟" وأكثروا عليه حتى ضاق بهم ذرعًا، وقال لهم مرةً بعد ستة عشر يومًا: "إنكم قد أكثرتم عليَّ وألححتم، فأخرجا إليَّ ما كتبتموه". فأخرجوا إليه ما كان عندهم، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلوا يصحِّحون ما كتبوه من حفظه، فعرفوا أنه لا يتقدمه أحد.

ثم ارتحل البخاري في طلب الحديث إلى "بلخ" و"نيسابور" وأكثر من مجالسة العلماء، وحمل عنهم علمًا جمًّا، ثم انتقل إلى مكة وجلس فيها مدة، وأكمل رحلته إلى بغداد ومصر والشام حتى بلغ عدد شيوخه ما يزيد على ألفٍ وثمانمائة شيخٍ، وتصدّر للتدريس وهو ابن سبع عشرة سنة، وقد كان الناس يزدحمون عليه وهم آلاف حتى يغلبوه على نفسه، ويجلسوه في بعض الطريق، يكتبون عنه، وهو لا يزال شابًّا لم تنبت له لحية.

الإمام البخاري خصال حميدة ومناقب عظيمة

وهب الله تعالى الإمام البخاري عددًا من الخصال الحميدة، والمناقب العظيمة، حتى شهد له علماء عصره بتفوقه على أقرانه، ولو كتبنا في مناقب هذا الإمام العظيم المؤلفات ما وفّينا حقه، حتى قال عنه رجاء الحافظ: "هو آية من آيات الله يمشي على ظهر الأرض". من ذلك أن الله قد آتاه حفظًا وسعة علم، حتى روي عنه أنه قال: "لو أردتُ ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة"، وذلك في إحدى المجالس. ومما يدل على كثرة محفوظاته قوله: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح".

واشتَهر الإمام بشدّة ورعه، فقد كان حريصًا على ألفاظه عند الجرح والتعديل للرواة، ومما أُثر عنه قوله: "أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا". كما اشتَهر -رحمه الله- بالزهد والكرم، يُعطِي عطاءً واسعًا، ويتصدّق على المحتاجين من أهل الحديث ليغنيهم عن السؤال، وكان وقّافًا عند حدود الله، كما كان شديد الحرص على اتّباع السنة، قال النجم بن الفضيل: "رأيت النبي في النوم كأنه يمشي، ومحمد بن إسماعيل يمشي خلفه، فكلما رفع النبي قدمه وضع الإمام قدمه مكانها"

وأعظم خصلة تحلّى بها الإمام هي الإخلاص لله تعالى -نحسبه كذلك والله حسيبه-، فقد كان يريد الله بعلمه وعمله، وبغضه وحبه، ومنعه وبذله؛ فانتشرت كتبه، وتلقت الأمة كلها "صحيح البخاري" بالقبول، حتى عدَّه العلماء أصحّ كتابٍ بعد كتاب الله تعالى.

مصنفات الإمام البخاري

ساهم البخاري -رحمه الله- في التأليف والكتابة، وأول كتاب يتبادر إلى الذهن هو كتابه العظيم "الجامع الصحيح" المعروف عند الناس بكتاب "صحيح البخاري"، وهو أول كتاب صُنِّف في الحديث الصحيح المجرد، واستغرق تصنيف هذا الجامع ست عشرة سنة، ولم يضع في كتابه هذا إلا أصح ما ورد عن النبي .

وللشيخ تصانيف أخرى مهمة، مثل: "الأدب المفرد" الذي تناول فيها جملة من الآداب والأخلاق، وبعض الأجزاء الحديثية مثل: "رفع اليدين في الصلاة" و"القراءة خلف الإمام"، وفي علم التاريخ له: "التاريخ الكبير، والأوسط، والصغير"، وفي العقيدة ألّف رسالة أسماها: "خلق أفعال العباد"، وفي علم الرجال: "الضعفاء"، ومصنفات أخرى كثيرة بعضها في عداد المفقود.

محنة ووفاة الإمام البخاري

تعرض الإمام البخاري للامتحان والابتلاء كما تعرض الأنبياء والصالحون من قبله، فصبر واحتسب، وما وهن وما لان، وكانت محنته من جهة الحسد الذي ألمَّ ببعض أقرانه؛ لما له من المكانة في قلوب العامَّة والخاصَّة، فأثاروا حوله الشائعات بأنه يقول بخلق القرآن، وهو بريء من هذا القول، فحصل الشغب عليه، ووقعت الفتنة، وخاض فيها من خاض، حتى اضطر الشيخ درءًا للفتنة أن يترك "نيسابور" ويذهب إلى "بخارى" موطنه الأصلي.

وبعد رجوعه إلى بخارى استتبَّ له الأمر زمنًا، ثم ما لبث أن حصلت وحشة بينه وبين أمير البلد عندما رفض أن يخصَّه بمجلس علم دون عامة الناس، فنفاه الوالي وأمر بإخراجه، فتوجَّه إلى قرية من قرى سمرقند، فعظم الخطب عليه واشتد البلاء، حتى دعا ذات ليلة فقال: "اللهم إنه قد ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك". فما تم الشهر حتى مات، وكان ذلك سنة 256هـ، وعاش اثنتين وستين سنة، ودُفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر. رحم الله الإمام رحمة واسعة، وأجزل له العطاء والمثوبة، فقد كانت سيرته منارًا يُهتدى بها، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا معه في جنات النعيم، والحمد لله أوَّلاً وآخرًا[1].

أبو زيد الهلال 07-07-15 01:26 AM

رد: حدث في رمضان
 
تم بحمد الله ونساله العفو والعافية وبتوفيق منه

بارك الله فيكم واثابكم جنته جميعا وعلى الخير والمحبة نلتقي
أخوكم ناجح الصويلحيين الحويطي ( أبوزيد الهلال )

طبعي الوفا 08-07-15 02:31 PM

رد: حدث في رمضان
 
مجهود مميز لمعلومات تاريخية

جزاك الله خير اخى الفاضل أبوزيد الهلال

وجعله فى ميزان حسناتك وكل سنة وانت من عواد الشهر الفضيل

أبو زيد الهلال 24-07-15 07:15 PM

رد: حدث في رمضان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طبعي الوفا (المشاركة 558716)
مجهود مميز لمعلومات تاريخية

جزاك الله خير اخى الفاضل أبوزيد الهلال

وجعله فى ميزان حسناتك وكل سنة وانت من عواد الشهر الفضيل


واياكم ياطيب وتقبل الله طاعتكم وكل عام وانتم والجميع بالف خير


الساعة الآن 01:50 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL