الأرق المزمن
 

د.ابراهيم بن حسن الخضير
اضطرابات النوم من أكثر الاضطرابات شيوعاً عند معظم الناس. نسبة كبيرة من الأشخاص يُعانون من اضطراباتٍ في النوم. بعضهم صعوبة الدخول في النوم (الأرق)، بعضهم تقطع النوم، آخرين النوم الخفيف بحيث يستيقظ الشخص وهو يشعر بأنه لم ينم، آخرين ينامون بضع ساعاتٍ ثم يستيقظون في منتصف الليل أو بداية الصباح مثل الساعة الثالثة أو الرابعة فجراً ثم لا يستطيعون النوم مرةً أخرى..!
آخرون يشكون من كثرة النوم، فهم ينامون أكثر من 14ساعة في اليوم، ولديهم استعداد للنوم في أي وقتٍ وفي أي مكان، سواءً كان هذا المكان مُزعجاً أو هادئاً، حاراً أو بارداً. يضع الواحد منهم رأسه على مخدة أو على قطعة خشب أو أي شيء ثم يستغرق خلال لحظات في نومٍ عميق رغم الصخب والضوضاء إلا أنه يستغرق في النوم بصورة عميقة وتحسبه قتيلاً لولا أنك تشاهد وتسمع صوت تنفسّه.

مرةً كنت في مؤتمرٍ للطب النفسي في مدريد عام 1996، وهو مؤتمر الاتحاد العالمي للأطباء النفسيين، ويحضره بضعة آلاف قد يصل عدد المشاركين إلى حوالي عشرة آلاف شخص من المهتمين بالصحة النفسية. كنّا ذات يوم بعد الغداء ولدينا محاضرة في قاعةٍ كبيرة تتسع لأكثر من ألفي شخص، وقد كان الجو خارج المكان حاراً، وبعد الغداء عندما دخلنا إلى القاعة، وبدأ المحاضر يُلقي مُحاضرته، بعدها بدقائق قليلة صدر صوت شخير عالٍ لم اسمع أحداً يشخُر أثناء نومه بهذه الصورة حتى أن كل من في الصالة بدأوا يتلفتون إلى مصدر الشخير، وكان هذا الشخص في الستينات من عمره، ولكنه كان مُستغرقاً في نومٍ عميق، وشخيره غطى على صوت المحاضر، مما أضطر منظمي المؤتمر إلى إيقاظه، ونصحوه بالذهاب إلى الفندق ليرتاح ويأخذ قيلولةٍ هادئة في غرفته في الفندق بدلاً من الضوضاء التي تعج بالمكان، وإن كان هو سبب ضوضاء وضجيج بشخيره المُزعج أكثر من أي شيء آخر خلال المحاضرة. قام هذا الرجل النائم وغادر قاعة المحاضرات، وأصبح معروفاً بأنه ينام في أي مكان، حتى عندما كنّا مدعون للعشاء في أحد الأماكن الأثرية، وكنّا في طريقنا بالحافلة، سمعت صوت شخيره مرةً أخرى، فضحك جميع من في الحافلة، وكانت مشكلة لأن صوت شخيره غطى على صوت الدليل السياحي الذي يشرح لنا، وحاول إيقاظه، فاستيقظ لبضع دقائق ثم عاد مرةً أخرى إلى النوم والشخير المزعج مما اضطر الدليل السياحي إلى التوقف عن الحديث وأصبح الرجل مجالاً خصباً للأطباء النفسيين كي يصنعوا من نومه دُعابات ونكاتٍ جميلة، أجمل بكثير من كلمات المرشد السياحي الرتيبة، وما أن وصلنا إلى دار الضيافة التي سوف نتناول فيها العشاء حتى تحلق بعض الظرفاء من الأطباء النفسيين، وأخذوا يتبادلون النكات والطرائق مع هذا الرجل، وحولّوا بعض سلوكياته بعد تحليلها بسخرية لا ينافس بها أحداً الأطباء النفسيين، خاصةً الذين يحتاجون هم إلى من يعالجهم من بعض سلوكياتهم..!

قبل أيامٍ قلائل من كتابة هذا المقال ،كنت في أمستردام، وهناك أمضيت بعض الوقت مع الروائي الصديق رؤوف مسعد، وهو روائي متميز، عاش حياةً تستحق أن يُكتب عنها تحليلاً نفسياً وليس فقط روائياً..! رؤوف مسعد التحق بالحزب الشيوعي المصري في وقتٍ مُبكر، وقد دخل السجن عام 1954، وعانى من السجن معاناةٍ شديدة، أكثرها بالطبع إلغاء الحرية، ولكن أيضاً الحرمان من النوم. جلسنا في منزله في ضاحية دمين ذات مساء وليلة أخرى ذهبنا ليُرينا الوجه الآخر لأمستردام بعد أن استقر به المقام هناك وتقاعد وتزوج من سيدة هولندية ولديه منها ولد وبنت.

رؤوف استقر به الحال لا يعمل سوى أن يكتب ويعيد الكتابة، فهو الآن يكتب روايتين في وقتٍ واحد، الأولى يُراجعها ربما للمرة الثامنة أو ربما المرة العاشرة، وذلك نتيجة طبيعة شخصيته الوسواسية التي تتوق إلى أن يخرج العمل بصورة متكاملة.

المهم أن رؤوف عندما أصبحنا وحدنا شكا لي من اضطراب النوم عنده، فهو ينام بضع ساعات ثم يستيقظ في حوالي الثالثة أو الرابعة فجراً وبعد ذلك لا يستطيع أن ينام.. ورغم عيشته الطويلة في هولندا وزواجه من هولندية إلا أنه لم يستطع التأقلم مع الطقس والظلام الذي يملأ اليوم.

يستيقظ ويبقى في فراشه، ثم يقوم ليكتب لكنه يشعر بالتعب خاصةً وأنه يدخل عامه السبعين..عمر قضاه بين السجون والتنظيمات السرية والغربة والعمل في وظائف مُتعددة في بولندا والعراق وبيروت، حيث عمل كصحفي ثم جنيف حيث عمل كعامل نظافة في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وتزوج ثلاث مرات آخرها كانت الهولندية زوجته الحالية وأم أولاده. مع كل هذا لم يستطع التأقلم مع البرد الذي ينخر عظامه والأرق المزمن الذي يكدر عليه صفو حياته رغم أنه يستخدم أدوية منوّمة صرفتها له الطبيبة التابعة للمركز الطبي الذي يرُاجع فيه. رغم الأدوية المنومة إلا أن رؤوف مسعد لا زال يستيقظ كل صباح في الساعة الثالثة ويبقى في الفراش يقرأ أو يكتب لأنه لا يتحّمل الخروج من دفء غرفته، ولا الخروج من منزله، حيث لا يعمل بينما زوجته تعمل وهو يُقيم في المنزل لا يخرج إلا لماماً لغرضٍ مهم.

حينما خرجنا في مساء الأحد ،كانت المدينة هادئة وكان مرتدياً ملابس أشبه بملابس سكان الاسكيمو. وركبنا (الترماي) القطار الذي يسير فوق الأرض بين السيارات، وكرر شكواه من اضطراب النوم عنده، فرغم أنه يتناول الحبوب المنومة التي وصفتها له الطبيبة الا أنه لا ينام سوى بضع ساعات.

فتاة أخرى تتعالج لدّي في العشرينات من عمرها، لا تستطيع أن تنام دون أن تتناول حبوبا منومة. بدأ الأمر في البداية قبل بضع سنوات مع الأدوية البسيطة مثل الباندول نايت والتليلنول نايت، وبقية الأدوية التي تُباع بدون وصفات من الأطباء، ثم أصبحت لا تستطيع أن تنام إلا بالأدوية المنومة المعروفة بالبنزودايازيبين. وحاولت مراراً وتكراراً وبإصرار أن تتوقف عن الأدوية المنومة والمهدئة، ولكنها تظل لليالٍ قابعة في فراشها دون أن يُداعب النوم عينيها حتى تصل إلى مرحلةٍ نفسية وبدنية مُزعجة، فتضطر إلى أن تتناول أدوية منوّمة كي تنام.

إن هناك الكثيرين من الناس الذين يُعانون من الأرق المزمن، وهو حالة مرضية صعبة، حيث لا يستطيع الشخص النوم بشكلٍ طبيعي، وللأسف فإن علاج مثل هذه الحالات أمرٌ غاية في الصعوبة، ويتحدى أكثر المُتخصصين خبرة في إضطرابات النوم. إن السبب الرئيس والمباشر في الأرق المزمن غير معروف كما هو الحال في الارق البسيط أو الأرق المؤقت، حيث يكون نتيجة مرض عضوي أو نفسي وبعلاج المسُبّب تزول الاضطرابات المتعلقة في النوم، بينما في الأرق المزمن الأمر مُختلف جداً، حيث لا سبب واضحا يمكن من خلاله المساعدة في حل المشكلة. بعض المرضى الذين يُعانون من الأرق المُزمن ينامون أثناء النهار ثم يستيقظون أثناء الليل وهذا يعكس طريقة حياتهم، ولكن هؤلاء لا يُشكلون إلا نسبة قليلة من المرضى الذين يُعانون من الأرق المزمن.

عندما يأتي شخص يعاني من الأرق المزمن يجب أخذ التاريخ المرضي لاضطراب النوم عنده بصورةٍ دقيقة، لمعرفة متى بدأ الاضطراب والأعراض المرافقة له والعادات التي يتبعها المريض في محاولة التغلب على الأرق المزمن، ففي بعض الدول يلجأ كثير من الأشخاص الذين يعانون من الأرق المزمن إلى تعاطي الكحول حتى يصلوا إلى مرحلة الإدمان، لأن الكحول يُساعد على النوم، ولكن مع مرور الوقت يحتاج الشخص إلى كميات أكبر وأكبر إلى أن يقعوا في مصيدة الإدمان.

الأعراض التي يأتي بها الشخص الذي يُعاني من أرق مزمن

1.التعب والإرهاق وقلة التركيز.

2.عدم أخذ الكفاية من النوم، خاصة للذين يتعاطون الكحول بكثرة.

3.عدم القدرة على النوم بعد إيقاف الكحول أو المنومات لمدة تصل إلى ثلاث ليال.

4.أرق شديد يستمر لمدة أربعة أسابيع أو أكثر بعد توقيف الكحول والمنومات.

5.أرق بعد توقيف المخدرات مثل الهيروين أو المورفين ومشتقاته.

6.اضطراب في النوم للأشخاص الذين يتعاطون المخدرات.

فعلا مرض يعاني منه الكثير لكن الحل الوحيد له هو قراءة القران في الليل وخصوصا أيات الرقيه الشرعيه ففيها سكون النفس وراحتها وهدؤها .. ونتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم

وان شاء الله سوف يشعر المريض بالتحسن والنوم الهادئ

شكرا لك أخي الفارس على هذا الموضوع المفيد

ساندريلا

انا اعانى كثيرا عدم القدرة على النوم ونادر ما انام فى الليل

انما انام سعات قليلة بالنهار وهاذا طبعا مرهق







مشكور اخى على ذالك الموضوع الرائع





الشهاب

شكرا اخي الفارس لطرح الموضوع
فعلا مرض يعاني منه الكثير وانا اولهم

تحياتي

ريتاج

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .