![]() |
ترجمة أبي الطيب الرُّندي صاحب مرثية الأندلس مع المرثية
ترجمة موسى بن سليمان السويداء أبي الطيب الرُّندي صاحب مرثية الأندلس المتوفى سنة (684 ) هـ أبو الطيب الرُّندي : هو شاعر الأندلس وأديبها في زمانه ، وصاحب مرثيتها المشهورة ، صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن على بن شريف النِّفري الرُّندي ، نسبةً إلى رُنْدَة بضم الراء وسكون النون وفتح الدال(1) إحدى مدن الأندلس الواقعة في الجزء الجنوبي من الأندلس – أسبانيا اليوم – . وأما عن كنبته فقد أُختلف فيها فعند لسان الدين بن الخطيب في كتابه " الإحاطة في أخبار غرناطة " أبو الطيب ، وعند المُقرّي في " نفح الطيب " (2) أبو البقاء وبها اشتهر ، إلاَّ أن الأرجح والصحيح أن كنيته " أبو الطيب " لقُرب زمان لسان الدين بن الخطيب منه ، وذلك أن أبي الطيب من وفيات سنة ( 684 هـ ) ، ولسان الدين من وفيات سنة ( 776 هـ) ، كذلك المصادر التي نقل منها لسان الدين قريبة من عصر الرندي ، كما أنه لم يُشير إلى خلاف في كنيته خلال ما نقل ، حتى قال في أخر ترجمته : " نقلت من خط صاحبنا الفقيه المؤرخ أبي الحسن بن الحسن قال : أنشدني القاضي الفاضل أبو الحجاج يوسف بن موسى بن سليمان المنتشافري ، قال : أنشدني القاضي الفاضل أبو القاسم ابن الوزير أبي الحجاج ابن الحُقالة ، قال : أنشدني الأديب أبو الطيب صالح بن أبي خالد يزيد بن صالح بن شريف الرُّندي ... الخ " وهذا دليل قوي على شهرته بأبي الطيب ، وليس بأبي البقاء كما ذكر المُقرَّي والله أعلم . قال ابن الخطيب في كتابه " الإحاطة في أخبار غرناطة " : " إن مولده في محرم سنة إحدى وستمائة " ونقل عن ابن عبد الملك المُراكشي انه قال : " كان خاتمة الأدباء بالأندلس بارع التصرف في منظوم الكلام ومنثوره ، فقيهاً حافظاً ، فرضياً ، متقنناً في معارف شتى ، نبيل القصد متواضعاً مقتصداً في أحواله ، وله مقامات بديعة في أغراض شتى " ثم نقل عن ابن الزبير قوله : " وكان في الجملة معدوداً في أهل الخير وذوي الفضل ، والدين تكرر لقائي إياه ، ولقد أقام بمالقة(3) أشهراً أيام إقرائي ، وكان لا يفارق مجلس إقرائي ، وأنشدني كثيراً من شعره .. " وقيل انه تولى القضاء ، ويبدو انه على المذهب المالكي مذهب أهل بلده وهو المشهور بالأندلس ، وبلاد المغرب(4) . مؤلفاته : وأما مؤلفاته فكان - رحمه الله – له مشاركة في التأليف وإن كانت قليلة ، ولعل سبب ذلك اشتغاله بالقضاء . ذكر ابن الخطيب أنه ألف " جزءاً على حديث جبريل " ، وتصنيفاً في الفرائض وأعمالها ، وآخر في العروض ، وآخر في صنعة الشعر سماه " الوافي في علم القوافي " وله كتاب كبير سماه " روضة الأندلس ونزهة النفس " نقل منه ابن الخطيب في الإِحاطة عدة أوراق(5). شعره : وأما شعره فكان أبو الطيب من أفاضل العلماء بالأندلس ، ومن شعرائها له قصائد طنانة ونظم رائق في وصف العقل ، و البحر ، وغير ذلك تدل على رفيع أدبه ، وجزالة شعره منها قوله في وصف الجيش ، وأبطال المسلمين ، وذل الكفر ، والكافرين : وكتيبة بالدَّارعين كثيفة * * * جرَّت ذيول الجحفل الجرار وله شعر جميل في وصف العقل ، والغربة في ثلاثة أبيات : روضُ المنايا بينها القُضُب التي * * * زُفَّت بها الرَّايات كالأَزهار فيها الكُماة بنو الكُماة كأَنهم * * * أُسد الشَّرى بين القنا الخَطّار مُتهلِّلين لدى اللِّقاء كأَنهم * * * خُلِقت وجوههم من الأَقمار من كلِّ ليثٍ فوق برقٍ * * * خاطف بيمينه قدرٌ من الأَقدار من كلِّ ماضٍ قد تقلَّد مثله * * * فيصُيبَّ آجالاً على الأَعمار لبسوا القلوب على الدروع * * * وأَسرعـوا لأكفِّهم ناراً لأهل النار وتقدموا ولهم على أعدائهم * * * حُنقُ العِدا وحميَّةُ الأنصار فارتاع ناقوس بخلع لِسانه * * * وبكى الصَّليب لِذلَّة الكفار ثم انثنوا عنه وعن عُبّادهِ * * * وقد اْصبحوا خبراً من الأخبار ما أحسن العقل وآثاره * * * لو لازم الإنسان إيثارهُ وله في وصف البحر ، والأنهار ، وما في معنى ذلك قوله : يصون بالعقل الفتى نفسه * * * كما يصون الحر أسرارهُ لاسيما إن كان في غُربةٍ * * * يحتاج أن يُعرف مقدارُه البحر أعظم مما أنت تحسبه * * * من لم ير البحر يوماً ما رأى عجبا وله في المحاكمة بين السيف ، والقلم وهما مما اختلف بينهما الأُدباء قديماً ، ويبدو من خلال أبياته انه يرجح التساوي فقال : طام له حَبَبٌ طاف على زورقٍ * * * مثل السماء إذا ما ملئت شُهُبا تفاخر السيف فيما قيل والقلم * * * والفضل بينهم لاشك منفهمُ وله أيضاً في وصف الريحان : كلاهما شرَّف الله درَّهُما * * * وحبَّذا الخُطّتان الحُكم والحَكمُ وأخضر فستقي اللون غضٌّ * * * يروق بحسن منظره العُيونا وله في وصف ثمرة الرمان : أغار على الترنج وقد حكاه * * * وزاد على اسمه ألفاً ونونا لله رمانةٌ قد راق منظرها * * * فمِثلُها ببديع الحسن منعُوتُ وقال يصف الجزر في بيت واحد : القشر حق لها قد ضمَّ داخلها * * * والشحم قطنٌ والحب ياقوتُ إن قلت قصبٌ فقل قصب بلا * * * زهر أو قلتُ شمعٌ فقل شمع بلا لهب وقال في أخوة السوء ، والصحبة المزيفة التي تتلاشى عند الحاجة ولا تدوم عند النائبات ، - وهذا حال الحب في غير الله - : ليس الأُخوةٍ باللسان أُخُوَّة * * * فإذا تُراد أخوَّتي لا تنفعُ وله في نفس المعنى أيضاً يصور حقيقة الصديق حينما يُختبر في المعاملة المالية التي سوف تكشف حقيقة أمره : لا أنت في الدنيا تُفرج كربة * * * عنِّي ولا يوم القيامة تشفعُ ولقد عرفت الدهر حين خبرتهُ * * * وبلوت بالحاجات أهل زماني المرثيته : فإذا الأخوة باللسان كثيرةٌ * * * وإذا الدَّراهم مَيلقَ الإخوانِ(6) لا شك أن مرثية أبي الطيب في الأندلس من أجمل ما قيل في رثاء بلاد المسلمين ، وهي في الحقيقة لا تعني فقط الأندلس بعينها - وإن كانت أبياتها تذكر معالم الأندلس – ، بل تعني كل بلد من بلاد المسلمين سُلبت من بين أيدي أهلها ، كما حدث لكثير من البلاد الإسلامية التي استولى عليها النصارى ، مثل جزيرة صقلية(7) التي فتحت في أيام الدولة العباسية ، على يد القاضي أسد بن الفرات – رحمه الله - سنة ( 212 هـ ) ، وبقي الإسلام فيها مدة إلى أن تغلب النصارى عليها ، أو البلاد التي كانت تحت حكم الدولة العثمانية أيام خلافتها مثل دول البلقان وما جاورها ، وغيرها من جزر بحر إيجة(8) ، وكل هذا حصل لما غيّر الناس وبدلوا في دين الله بأهوائهم ، واشتغلوا بالملذات ، وللهو وهذا أيضاً ما قالهُ واعترف به ابن الكموني أبو الحسن علي بن عبد الجبار الكاتب ، في سبب فقدان صقلية حينما رثاها - فحال أهل صقلية لا يقل عن حال أهل الأندلس - : قد كانت الدار وكنا بها * * * في ظل عيش ناعم رطبِ وصدق الله تعالى القائل : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم }[ الرعد / 11 ] . مدّ عليها الأمن أستارهُ * * * فسار ذكرها مع الركبِ لم يشكروا نعمة ما خُوِّلُوا * * * فبُدِّلُوا المِلح من العذبِ(9) والمتأمل لقصيدة أبي الطيب الرندي يتضح له أنها قصيدة ملحمية تمثل المرحلة التاريخية التي عاشها أهل الأندلس خير تمثيل ، وإن كان في الحقيقة سقوط الأندلس ، خبرها مدوياً في الأمة الإسلامية ومزعجاً ، فهي التي كانت تنتظر نصراً موزراً ، وفتحاً مبيناً إذا بها تتجرع كأس الهزيمة ، وفقد الأندلس بعد أن بقي الإسلام فيها قرون طويلة منذ أن فُتحت على يد طارق بن زياد ، وموسى بن نصير - رحمهم الله - سنة ( 92 هـ ) إلى أن حل بها ما حل . ولكن الأمة - بحمد الله وتوفيقه - أبت إلاَّ أن يكون لها نصيب في أوروبا النصرانية ، فقبل أن يفقد المسلمون الأندلس في غرب أوروبا سنة ( 897 هـ ) كان العثمانيون قد فتحوا القسطنطينية في الجهة الشرقية من أوروبا سنة ( 857 هـ ) ، وبدئوا يتوغلون فيها حتى استولوا على مساحة كبيرة من الأراضي قد تكون أكبر من حجم الأندلس ، بثوا فيها الإسلام الذي بشر به وبنبيه المسيح - عليه السلام – , بين هؤلاء النصارى المشركين . ومن أجل أن لا نبعد عن موضوع النونية , فللأسف الشديد من خلال تتبعنا لترجمة أبي الطيب ، لم نجد ذكر للمرثية سوى في " نفح الطيب " فقط ، والغريب أن لسان الدين بن الخطيب ذكر كثيراً من أشعار الرندي ، وترجم له في " الإحاطة " بترجمة مطولة ، ولم يذكر النونية فما ندري ما سبب ذلك ! . ولم يبقى الآن إلا أن نستعرض أبيات المرثية ونبقى مع الرندي في نونيته فيقول : لكل شيء إذا ماتم نقصانُ * * * فلا يُغرُّ بطِيب العـيشِ إنسـانُ هي الأمور كما شاهدتها دولٌ * * * من سره زمن ساءتهُ أزمــانُ وهذه الدار لا تُبقي على أحد * * * ولا يدوم على حالٍ لهـا شــانُ تُمزق الدهر حتماً كل سابغةٍ * * * إذا نبت مشرفيـّاتٌ وخُرصـانُ وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ * * * كان ابن ذي يزَن والغمدَ غمدانُ أين الملوك ذوي التيجانِ من يمنٍ * * * وأين منهم أكليــلٌ وتيجانُ ؟ وأين ما شادهُ شدادُ في إرمٍ * * * وأين ما ساسهُ في الفُـرسِ ساسانُ ؟ وأين ما حازه قارُونُ من ذهبٍ * * * وأين عادٌ وشـدادٌ وقحطـانُ ؟ أتى على الكُلِّ أمرٍ لا مردّ َلهُ * * * حتى قضوا فكأنَّ القوم ما كانُـوا وصار ما كان من مُلكٍ ومن مَلكٍِِِ * * *كما حكى عن خيالِ الطّيفِ وسنانُ دارَ الزّمانُ على دارا وقاتلـهِ * * * وأمَّ كسـرى فمـا آواه إيـوانُ كأنما الصعبُ لم يسهُل لهُ سببُ * * * يوماً ولا مَلكَ الدُّنيـا سُليمـانُ فجائعُ الدَّهر أنـواعٌ مُنوَّعـةٌ * * * ولِلزمـانِ مسـرَّاتٌ وأحــزانُ وللحوادثِ سلـوَانٌ يُسهلُهـا * * * وما لما حـلَّ بالإسـلام سُلـوانُ دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاء له * * * هوى لـه أُحدٌ وأنهد ثهـلانُ(10) أصابها العينُ في الإسلام فارتَزأت * * * حتى خلَت منه أقطار وبُلـدانُ فأسأل بلنسية ما شأنُ مُرسيةً * * * وأيـن شاطبـة أم أيـن جيـَّـانُ وأين قرطبةٌ دار العلوم فكـم * * * من عالـمٍ قد سمـا فيها له شـانُ وأين حمصُ(11)وما تحويه من نزهٍ * * * ونهرهُا العذبُ فياضٌ وملآنُ قواعدٌ كنَّ أركان البلاد فمـا * * * عسى البقاءُ إذا لـم تبـق أركـانُ تبكي الحنفية البيضاء من أسفٍ * * * كما بكى لفراق الإلـف هيمـانُ على ديار من الإسلام خاليـة * * * قد أقفرت ولها بالكفـر عُمـرانُ حيث المساجد قد صارت كنائس ما * * * فيهنَّ إلا نواقيـسٌ و صلبانُ حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ * * * حتى المنابرُ تبكي وهي عيدانُ يا غافلاً وله في الدهر موعضةٌ * * * إن كنت في سِنةٍ فالدهرُ يقضانُ وماشياً مرحاً يلهيـه موطنـهُ * * * أبعد حمصٍ تغرُّ المـرء أوطـانُ تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمهـا * * * وما لها من طول الدهرِ نسيـانُ يا راكبين عِتاق الخيل ضامرةً * * * كأنها في مجال السبـقِ عقبـانُ وحاملين سيُوف الهندِ مرهفـةُ * * * كأنها في ظلام النقـع نيـرانُ وراتعين وراء البحر في دعـةٍ * * * لهم بأوطانهم عـزٌّ وسلطـانُ أعندكم نبأ من أهل أندلـسٍ * * * فقد سرى بحديثِ القوم رُكبـانُ ؟ كم يستغيث بنا المستضعفون وهم * * * قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ ؟ ماذا التقاطع في الإسلام بينكمُ * * * وأنتم يا عبـاد اللـه إخـوانُ ؟ ألا نفوسٌ أبياتٌ لهـا هِــممٌ * * * أما على الخيرِ أنصارٌ وأعـوانُ يا من لذلة قومٍ بعد عزِّهــمُ * * * أحـال حالهـمْ جـورُ وطُغيانُ بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم * * * واليوم هم في بلاد الكفرِّ عبدانُ ! فلو تراهم حيارى لا دليل لهـمْ * * * عليهمُ من ثيابِ الـذلِ ألـوانُ يا ربَّ أمّ وطفل حيل بينهمـا * * * كمـا تفـرقَ أرواحٌ وأبـدانُ وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت * * * كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ يقودها العِلجُ(12)للمكروه مُكرهةً * * * والعينُ باكيةُ والقلب حيرانُ لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ * * * إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ(13) قال المقري : " انتهت القصيدة الفريدة ويوجد بأيدي الناس زيادات فيها ذكر غرناطة ، وبسطة(14) ، وغيرهما مما أخد من البلاد بعد موت صالح بن شريف ، وما اعتمدته منها نقلته من خط من يوثق به على ما كتبته ، ومن له أدنى ذوق علم أن ما يزيدون فيها من الأبيات ليست تقاربها في البلاغة ، وغالب ظني أن تلك الزيادة لما أخذت غرناطة وجميع بلاد الأندلس ، إذ كان أهلها يستنهضون هِمم الملوك بالمشرق ، والمغرب فكأن بعضهم لما أعجبته قصيدة صالح بن شريف زاد فيها تلك الزيادات "(15) . توفي أبو الطيب الرُّندي – رحمه الله - سنة أربع وثمانين وستمائة ( 684) للهجرة النبوية الشريفة . هذا ما تيسر جمعه من سيرة أبي الطيب الرُندي ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم |
شكرا أبا سليم
مجهودك رائع يا أخي دمت بخير (ملاحظه بسيطه (كنيته وليست كنبته خطأ املائي ربما) |
[align=center]
يعطيكـ آلعآإأفيهـ ..||~[/align] |
الساعة الآن 11:05 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL