![]() |
الوطن ثم الوطن ثم الوطن
لا تعارض على الإطلاق بين الولاء للعقيدة ثم الولاء للوطن.. ولا تناقض بين أن نكون موحدين، وبين أن نكون محبين لوطننا، ولا تصادم بين أن نعتز بأننا مسلمون، وبين أن نقدس التربة التي نعيش عليها، وندفن بها.
ولذلك فإن علينا ألا نتحفظ على الإطلاق، ونحن نفكر، ونحن نخطط، ونحن نعمل على معالجة خلل كبير، وفجوة واسعة بيننا وبين الوطن، بفعل الفهم الخاطئ الذي أدى إلى تهميش الإحساس به طويلا، وعدم ترسيخ قيمه، واستحقاقاته في عقولنا، ونفوسنا منذ اللحظة الأولى التي نجيء منها إلى هذه الدنيا ونغادرها. والذين يفهمون الولاء للوطن على أنه لا يتقدم على غيره، يخلطون بين ما هو عقدي وما هو حسي، وسياسي، وأمني، وأخلاقي، واجتماعي وإنساني (أولا وأخيراً). فالوطن ليس في مكان المقارنة مع عقيدة الإنسان أو قناعاته الإيمانية باعتبار أن العقيدة فوق كل مقارنة، وخارج أي مقاربة أيضاً. والعلاقة بين الإنسان وربه غير العلاقة بين الإنسان ووطنه، ولذلك فإنه لا مجال لأن نتحدث عن أي شكل من أشكال التراتبية في تحديد طبيعة ولاء الإنسان لوطنه. ولذلك أيضا، فإن الوطن الذي ظلمناه كثيرا بفعل نمط التفكير السائد في بلادنا لفترة طويلة، هو الوطن الذي أنتج أخيرا عناصر خارجة عليه، أو غير مؤمنة بحقوقه عليها، أو غير مدركة لخطورة تجافيها عنه أو عملها ضده. وليس أسوأ من أن يكون الإنسان ضد وطنه، وليس أخطر من أن يشعر الإنسان بأن أفكاره، وقناعاته، فوق وطنه. والذين يمتهنون كرامة أوطانهم ويستبيحونها لأسباب أيديولوجية أو لمصالح مادية، أو لظروف سياسية، أو للسقوط في أوكار العمالة من أي نوع، هؤلاء مجرمون، وخائنون ولا يستحقون الحياة، وعلى الوطن أن يتخلص منهم سواء أكانوا في جبهات القتال الموبوءة أو في مخابئهم السرية، أو في يد الشيطان وأعوانه أو كانوا غارقين تحت وطأة الضلالات والأوهام. ومن أجل ذلك، فإن علينا كبلد ألا نتردد في وضع الوطن فوق رؤوسنا، وإن علينا أن نسلم بأن الولاء له لا يعدله أي شيء، وأن التضحية من أجله لا تقبل المساومة أو التردد وأن عمل أي شيء من أجله هو واجب ومسؤولية. وأنا أستغرب أن تتردد بعض الجهات التعليمية لدينا في ترسيخ هذه الحقيقة في أذهان الأجيال المتعاقبة، ليس بتخصيص مواد للتربية الوطنية، كما فعلنا، في أغرب خطوة ترجمنا بها الولاء، بهذه الصورة السطحية، واختزلنا بذلك تاريخا ضخما وحسا إنسانيا عظيما وعمقا فكريا واجتماعيا وإنسانيا هائلا، وإنما بالتردد أيضا حتى في الإلحاح بترديد نشيده الوطني كل صباح في مدارسنا ومناسباتنا. إن المواطنة قيمة عالية لا بد أن يتشربها أبناؤنا وأطفالنا منذ أن يفتحوا عيونهم على الحياة ولا بد أن نعتنقها ونمارسها ونعيشها سلوكا يوميا رفيعا، وساميا. وكم أتمنى أن تضع مؤسسات المجتمع المدني الناشئة لدينا هذا المفهوم في مقدمة أولوياتها ذلك أن المحافظة على كرامة الإنسان وتأمين حقوقه، وحماية مكتسباته وتعظيم ولائه لأرضه، وأناسه هي جزء من مسؤوليتها الكبرى، وترسيخ لمبادئها الحقيقية، فإذا تحقق هذا، وشعر الإنسان منذ نعومة أظفاره وحتى آخر رمق في حياته، أن كرامته هي كرامة وطنه وأن حقوقه هي حقوق وطنه، وأن طموحاته هي من أجل وطنه، وأن حياته لا قيمة لها بدون وطنه، وأن ثرواته المادية أو الثقافية أو الوجاهة الاجتماعية التي حققها، ما كانت لتكون لولا أنه يعيش في وطن عظيم وفر له كل الأسباب والمصادر والمقومات التي جعلت منه شيئا مذكورا. هذا المفهوم، كم أتمنى أن ينسحب على قطاعات المال والأعمال، وتحديدا على مدخراتهم، واستثماراتهم، وأموالهم العاملة في الخارج. كما أتمنى أن ينتقل إلى الأجهزة والقطاعات والمؤسسات التي يفترض فيها تغذية ولاء المواطن في داخل الإنسان ومنها قطاع الرياضة والشباب، فيتحول الشعور العارم لدى الكثيرين منا بحب ناد بعينه إلى حب وطنه بأكمله ممثلاً في منتخباته. كما أتمنى أن نرسخ الولاء لهذا الوطن داخل كل مواطن كأولوية مطلقة تتقدم على أي شي آخر، بحيث يصبح أمنه، وسلامته، والحفاظ عليه، أغلى عندنا حتى من أبنائنا فلذات أكبادنا. عندها لن نسمح لبذور التطرف بأن تنتشر بيننا، كما أننا لن نسمح للظواهر السلبية الأخرى كالتستر، والرشوة، وسرقة المال العام، أن تسيطر علينا لنضع بذلك مسامير قاتلة في نعش وطن، لا قيمة لنا، ولا وجود بدونه. وإذا كانت هناك من أمنية أخيرة، أتمناها في هذا السياق، فهي أن يطغى مفهوم الوطنية على مناهجنا التعليمية، والثقافية، والسياسية، فلا تكون الوطنية شعاراً أو لافتة، أو ضجيجاً فقط كما هو حال بعض الشعوب اليائسة. ودعونا نجرب كيف نفكر، وكيف نختلف، وكيف نتصرف من خلال مؤسسات للرأي المفتوح سواء عبر مؤسسات المجتمع المدني أو من خلال القنوات والمؤسسات السياسية المستقبلية، أو عبر وسائل الإعلام الصادقة والأمينة، أقول الصادقة والأمينة فقط! بقلم د - هاشم عبده هاشم |
رد: الوطن ثم الوطن ثم الوطن
شكرا لك على هذا النقل ياكبير المثقفين
حفظك الله |
رد: الوطن ثم الوطن ثم الوطن
ودعونا نجرب كيف نفكر، وكيف نختلف، وكيف نتصرف من خلال مؤسسات للرأي المفتوح سواء عبر مؤسسات المجتمع المدني أو من خلال القنوات والمؤسسات السياسية المستقبلية، أو عبر وسائل الإعلام الصادقة والأمينة، أقول الصادقة والأمينة فقط
مقال في الصميم أخي الأتي اشكرك علي نقل المفيد كمالايفوتني الاشاده بالكاتب |
رد: الوطن ثم الوطن ثم الوطن
[align=center]
(( لا تعارض على الإطلاق بين الولاء للعقيدة ثم الولاء للوطن.. ولا تناقض بين أن نكون موحدين، وبين أن نكون محبين لوطننا، ولا تصادم بين أن نعتز بأننا مسلمون، وبين أن نقدس التربة التي نعيش عليها، وندفن بها. )) بداية رائعة لموضوع رائع . شكراً لك على هذا النقل يالاآتي الأخير . [/align] |
الساعة الآن 07:05 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL