![]() |
عمّــــــــــــي العربي .•:*¨`*:
بسم الله ..
تمايلت الشمس الى مغيبِ يومٍ تزيَّنَ فيه النّاس واستقبلوا عيد الأضحى ، ومع كل أمسية عيد يجتمع أفراد عائلة عمي العربي على مائدة العشاء، ينفضون عن أنفسهم غبار التقصير اتجاه والدهم المسن ؛ عمي العربي رجل قد جاوز السبعين، يملك محلا صغيرا يسلي به نفسه ببيع بعض الأواني النحاسية التقليدية ، ولهذا يناديه أهل الحي بعمي -لارتيزانا - ، بيدَ أنّ حرفته التي لايدرك قيمتها إلاّ نزر قليل أكثرهم من النساء لم تكن عائقا نحو تربية أبنائه الخمس. أكبرهم جلال؛ مناضل سابق في حزب إسلامي ، منعته توجهاته السياسي من توسيع مؤهلاته العلمية ، فلجأ الى عمل خاص يسد به قّـوته اليومي .يعقبه بعد ذلك عبد الكريم ، ضابط في الجيش ، رجل توافقت صفاته الخَـلقية مع الخُلقية ، صقل نظام العسكر شخصيته دقيقها وعريضها ، يحاول أن يوصل مراده بأقرب السبل ، ولو قدر على الإكتفاء بالإشارة لما توجس من ذلك . عماد طبيب مختص في أمراض القلب ، رجل مثقف ،هادئ ،يُفضّل الصمت في سائر أحواله إلاّ مايلزم من خلاف ذلك ،ثم عائشة ريحانة منزل العربي ، شابة في منتصف العشرينات ، ربّة بيت مستقبلية باستحقاق و آخرهم شوقي ، ابن العشرين ربيعا ، جمع بين صفاء الذهن والنباهة و الطيش وسلاطة اللسان ، حِبُّ أبيـه لايفا رقه إلاّ أوقات الدراسة ، ولطالما نازع الأولاد أخاهم الأصغر تلك الأفضلية وقابلوها بالتّسلّط حينا وبالإخاء حينا آخر . جلس عمّي العربي كعادته طرف المائدة الطويلة ، يحاكي ابنه شوقي عن الدراسة وعن يومياته في الجامعة ، غير أنّ تمتماتهم الخفيفة ضاعت وسط صخب صوتي جلال وعبد الكريم يقولـ عبد الكريم : ماذا جلبتم للإسلام غير الفوبيا جلال : وبماذا ألهـانا نظامكم يا هذا ،أوليس باللهث خلف لقمة عيش واللوبيا ! عبد الكريم برطانة فرنسية متهكما : tu dis n'importe quoi ياجلال. جلال : احترم نفسك ، حفظت كلمتين بالفرنسية تريد أن تصارعني يهما ، تكلم عربي بابن العربي ! لم يجد عمي العربي في خضم نعيــر أبنائه متسعا للفصل بينهما ، بينما تهلل وجه شوقي لتلك الخصومة ، فلطالما تشوق الفتى الى ضجيج يكسر روتين المنزل ،هذا ماحفّز هذا الأخير ليرمي بكلمة من هنا وهناك يوزعها بين الطرفان كأوراق جوكر ، فتارة يهمس في أذن جلال : معك حق يا جلال ... ثم مايلبث أن يقول : ممم أعتقد أن عبد الكريم قد غلبك في هذه .. جلال وقد احمر وجهـه : طيب ولماذا ترفضون دولة إسلامية؟ ولماذا لاتتركون الحرية للشعوب كي تقرر مصيرها ؟ عبد الكريم : الشعوب هي من اختارت حكّامها وهي من صوتت في صندوق الإقتراع لنظمها. جلال باستخفاف : اللَّعَّاب حميدة والرَّشَّام حميدة ، 99.99 بالمائة صافية دون شوائب . أما عمي العربي فقد تناسى تلك الضجة ، وأخد يغني بصوت خافت غير مكثرت لنقاش أولاده : مزينو نهار اليوم ..صحى عيدكم .مزينو انهار اليوم صحى عيدكم ..وهي أغنية تبث عبر التلفاز كل صبيحة عيد في الجزائر . بينما عماد فقد كان مستلقيا على إحدى الأسٍرّة ،واضعا كفه على خده ويحملق في أخويه ، فتارة يتبسم وتارة أخرى يحرك رأسه يمنة ويسرى مظهرا لنفسه أنّه يخالفهم القول ! عبد الكريم : أنتم دائما هكذا متعصبون ، وتظنون أنّ مسؤولية الأمة تركن على عاتقكم جلال : نعم المسؤولية على الجميع ونحن جزء من الكل ..فواقع المسلمين مرير ، ويجب أن يتحرك المسلمون ويغيروا أنفسهم بأيديهم . تعود عائشة مرّة ثانية لتضع أعواد الملفوق المشوي على الطاولة ، وهي تعدهم عداً . استوى الجميع جلوسا بمن فيهم عمتي شريفة أم أولاد العربي وعلامات الشوق والسعادة تجلت على محيّاها ، احتلّ فؤادها شعور عميق ، نشوة العيد لا تفضلها نشوة ؛ أن ترقب حركات زوجها وبنيها ، أن تتصفح وجوهـهم ،أن تقابلهم بثغرها الباسم فقط هذا هو مهيار السّعادة عندها . تمسك عائشة بٍيَدِ عمتي شريفة وتهمس في أذنها : هلـ فاتحتهم في الأمر ياأماه ؟ عمتي شريفة : أتركي الأمر الى مابعد العشاء يابنيتي . عائشة : ياأمّــاه لنتحين الفرصة ماداموا مجتمعين . تقول عمتي شريفة : أود أن اعلمكم ياأبناء العربي أنّ ضيوفاً أعزّاء مقبلين علينا بعد يوم غد ، لذى أتمنى أن لا تفارقونا إلاّ بعد أن توفـّوا واجب الضيافة . شوقي : لابد وأنّهم ضيوف ذََوُو شأن مادمت تطلبين بقاءهم ! عمتي شريفة :أي نعم يابني ، سوف تزورنا عائلة الحاج أحمد لقطع الشرط والفاتحة لعائشة وماأخالكم سوى نسيتم الموعد ! عمي العربي بنبرة رجولية مفخّمّة : أهلا وسهلا بِخِيار الناس وكيف أنسى فاتحة ابنتي الغالية . أمّا عائشة فقد أخدها ساحل الذكريات الطويل الى اليوم الذي تقدمت فيه عائلة الحاج أحمد لخطبتها لابنهم مصعب . كيف عسر على مصعب إقناع أخوها جلال بأنهّ رجل مستقيم لاعوج له ولامخرم في مروؤته وإقناع عبد الكريم بأنّه مستيسر الحال ، بل وكيف اقتنعت به وأحبّت خصاله وأسلمت نفسها لرغبة قلبها. وبينما هي غارقة في سرحانها ،إذا بباب المنزل يُطرق ! ينهض شوقي مقبلا على الطارق بخفّة. شوقي : ألا يمل هؤلاء القوم من الشحت حتى في يوم العيد ، وهل هذا وقت الخبز ! جلال يقوم من مجلسه معنفا أخاه: أوليس في قلبك رحمة ياشقي .. في تلك الأثناء كان خلف الباب رجل أسمر ، تظهر عليه معالم الفاقة ، أشيب الرأس، أزجل الحاجبين ، أنجل العينين ، يكاد الدّم يقطر من وجنتيه من شدّة الحياء . جلال : حيّاك الله اخي ،هلـ من خدمة ؟ الرجل : حيّاك الله يا أخي ، محتاج الى بعض الخبز كان الله في عونك . جلال : لحظة أخي من فضلك .. يتوجه جلال الى المطبخ فإذا به يلقى عمي العربي في رواق المنزل بمشيته التي أثقلها الكِبَر مشيرا اليه أن عد الى مائدة الطعام . فما أن اقترب العربي من الباب حتى سمع صوتا جهوريا . كان الغريب يحدث نفسه : ويحك ياجواد أسقطتك مواجع الأزمان أرضا فبلغت بك المآسي مبلغا، أتتودد غيرك من أجل رغيف خبز ! ويحك يابن العقيد السّعيد ، ويحك يابن المجاهد والشهيد ، أأنستك الفاقة يوم العيد ،ومتى يوم العيد ! يقف عمي العربي ساكنا ساكتا ، تسمرت قدماه في الأرض ، احتبست الكلمات في محجرها من هول ما سمع ، فعاد أدراجه متجها نحو المطبخ ، فأذا بالشاة مطروحة وهي لم تقطّع بعدُ ، فأخد سكينا وبحرقة وكأن كلام ذاك الرجل لايزال يتكرر على مسامعه قطع فخدا منه واضعا إيّاه في كيس . ثم أقبل عليه محاولا اختزال كل ماسمعه ،منازعا تلك المشاعر بابتسامة عريضة . عمي العربي : أهلا وسهلا بك ابني جواد ، تقبل الله منا ومنكم ، واعذرنا إن كنا قد اطلنا عليك وأبقيناك وحيدا تصارع وحشة الانتظار فهـلّا تفضلت لتتعشى معنا من فضلك ،فحاجتنا للضيف أعزُّ من حاجتك لنا . بعجب واستغراب ينظر جواد الى عمي العربي : أأ فينفجر المسكين مجهشا بالبكاء.، احتقنت كلماته أمام تغر عمي العربي الباسم . جواد : والله مالفاقة قهرتني بقدر ماقهرني قلة الرّجال من أمثالك . عمي العربي : الخير موجود دائما يابني فلا تجزع واهرع الى مولاك تجده معيناً قديرا . جواد وهو يفرك عيناه يكاد يقتلعمهما ، محاولا الحفاظ على رباطة جأشه : أشكرك جزيل الشكر ياعم ، إلا أنّي تركت أهلي لوحدهم ، فهلا سمحت لي بالإنصراف ؟ عمي العربي ك لك ذلك يابني بعد ان تقبل مني هذا ،فدفع اليه كتف اللحم . جواد والبسمة ارتسمت على محياه وقد تهلل وجهه وانهمرت الدموع من وجنتيه فماقدر أن ينازعها بل أطلق لها العنان : ربي يحفظك ياعم ..ربي يحفظك ياسيد الرجال وهولايكاد يصدق أنّه يحمل فخدا من اللحم ،لايصدق أنه سيتعشى باللحم مع أولاده ،سيقضي ليلة العيد كما عرف النّاس العيد. عمي العربي : على الرحب والسعة يابني ،لست بسيّد الرجال ،أنا عمك العربي وفقط يابني . بقى عمّي العربي حبيس الموقف متأملا حال ذاك الرجل ،إلى أن خرج اليه ابنه شوقي يتساءل إن كان قد اعطاه الخبز ! عمي العربي وهو يغلق الباب : الحمد لله ،أعطايناه أكثر من ذلك ؛أعطيناه البسمة . كتبها :يوسف ابن ميمون بعد منتصف الليل من يوم الأثنين 25 /2011/09 |
رد: عمّــــــــــــي العربي .•:*¨`*:
قصة رائعه سلمت علىالطرح |
رد: عمّــــــــــــي العربي .•:*¨`*:
حفظتها عندى بجهازى
يسلمووو خيووو |
رد: عمّــــــــــــي العربي .•:*¨`*:
قصه اكثر من رائعه ونص ادبي قيم كما عودتنا اخي يوسف
سلمت يداك |
الساعة الآن 12:34 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL