![]() |
حوار في حضرة القمر
في ليلة ٍ مقمرة ، وعلى رصيف ٍ متوحد في الإنفراد ، ظل يمشي بعيدا ً حتى طرف المدينة ، وكأن الزمن يتأرجح به كل فينة وفينة ، والدنيا في عينيه أنشودة من ألم ، وهو كالجبل العنيد ، الذي لم يعد يهتم لأي شيء ، حتى لأصوات الكلاب المتاخمة للطريق الذي يسلكه ، ظلت الأفكار تدور في رأسه ، وهو لايدري ما نهاية هذا كله ، ثم خطرت على باله فكرة غريبة ، فحواها أن يحاور نفسه ، بصوت ٍ مسموع ، فكان هذا الحوار ..
ــ من أنت ؟ ــ رجل ٌ أحب وكره ، وكره وأحب . ــ ما هي هوايتك المفضلة ؟ ــ أن أمشي وحيدا في كل أتجاه ، إلى آخر الحياه . ــ ما هو طموحك ؟ ــ أن أُنفى من نفسي ، أمام عيون الناس ، وأن أبكي على ذنبي بصادق الإحساس . ــ من هو الرجل في عينيك ؟ ــ هو المرء الذي يستطيع التأقلم مع كل حالة ، لا يندثر مع الماضي ، ولا يتهاوى في حضن المستقبل الغامض ، ولا يعيش بواقعية همها الأول والأخير، الخلاص من اللحظة . يبتسم للحظة ثم يقول ــ من الذي علمك الفلسفة ؟ ــ حُبها الذي يغمرني وأكرهه ، يجتاحني فأنكره ، يحضني فأرفضه . ــ من الذي مزق نياط قلبك ؟ ــ طفلة ٌ مشردة مسكينة ، مرت أمام عيني ، وقد سألتني نقودا لشراء خبزٍ لها ، ولأمها المريضة ، فمددت يدي إلى جيبي ، ومع الأسف لم أجد ريالاً واحدا ً ، فقلت لها : يعطيني ويعطيك الله ، فنظرت بطرف عينها المكسورة وقالت : أغنى الله الناس به ، وافتقر الناس بغيره ، وقدَّر علينا فله الحمد ، وابتلانا فله الحمد ، فكنت ُ به راجية شاكية ، يا رجلا ً أفقر من شقية ، وأغنى من غنية ، رزقنا الله وأياك ، بدار ٍ ليس فيها شقية تنحب ، أو بائسٌ يتعب . سكت لحظة ً، بعد أن باغتته عبرة ٌ، لم تكن في الحسبان ، وقد هزته رعشة نسمةٍ باردة ، صاحبت الهزيع الأخير من الليل ثم عاد فأكمل حواره .. ــ ماهي الأيام ؟ ــ هي ساعات ٌ تمر علينا ، فينقضي بها الأمس ، ونعيش بها اللحظة ، ونحلم من خلالها بالمستقبل . ــ وما هو الموت ؟ ــ هو ذلك الشيء الذي أبكى ناسا ً نسوه وجهِلوه ، كدَّر عيشهم ، وأهلك أنسهم ، به عبرة ٌ وعظة ، وبه شقاء وتذكرة ، هو القادم القريب ، ما مضى منك من يوم فهو له ُ مُقرِّب ، وما أتى من يوم ٍ فهو له أقرب ، أضحك ناسا ً عملوا للحظته ، فأبكتهم الخطايا ، وأشغلتهم عبادتهم عن الرزايا ، أنِسوا بما بعده ، فما همهم ما قبله ، فدنى وهم مطمئنين ، طمعوا بما عند ربهم ، فما أسعدهم وهم يحتضرون ، لا إله إلا لله ، رب ٌ جمع بكلمه ، وفرَّق بكلمة ، وبين كل كلمة وكلمة ، يقال في سود الليالي الموت نعمة . ــ وما الهوى ؟ ــ هو هوان ٌ في هوان ، ودموع ٌ وارتهان ، تبكي إذا غاب ، ويحترق إذا غابت ، تشتعل في جوفها إذا حدّث مرأة ً غيرها ، ويبكي هجرها أذا كانت بوصله لا ترغب ، أما أغنى عن هذا الشقاء ، غض ُ بصر ٍ في الطرقات ، وعدم الركض وراء الملذات ، وكأننا لم نسمع بقتيل الهوى ، وجريحة الأيام ، ولكأن قلوبنا تُلقى برضانا إلى النار بكل استسلام . عند هذه الكلمة توقف ، ونظر يمنة ً ويسرة ، فوجد أنه قد خرج عن حدود مدينته ، في أرض ٍ مُقفرة موحشة ، قد خيل إليه فيها ، أن نجوم الليل بشعاعها الضاوي ، قد رمته بنظراتها شاكرة ، وأن حفيف الأعشاب ، قد طرب لما قد قال ، فأخذ يتمتم مهللا ً ومكبرا ، فأقفل عائدا ً إلى مدينته ، راضيا ً قانعا ً بسمره ، الذي كان تحت ضوء القمر . __________________ >> صـــــــ الحجازـــــــوت << |
صوت الحجاز
قلم رائع نعتز بوجوده هنا |
صوت الحجاز اشكرك على هذا الكلام
الجميل النابع من قلب رجل جميل لك تحياتي وتقديري واحترامي |
صوت الحجاز
والله انك حقا صوت الحجاز لك منى تحيات |
كلام رائع واحساس صادق
تسلللللللللللللللم لك تحياتي صوت الحجاز |
سادة التميز
انا سعيد لوجودي بينكم لكم كل الود و الحب |
اشكركم ايها الاكارم على حسن المرور
|
رد: حوار في حضرة القمر
اشكر حضوركم الذي اضاء جمود صفحتي ووحدتها
|
الساعة الآن 01:32 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL