شيء رائــع ولافت في آن واحد، أن يدعم الملك عبد الله بن عبد العزيز، برنامجا إذاعيا ذا جماهيرية واسعة ينقد بصــراحة وقوة وشفافية، وزراءه الذيـــن اختارهم وعينهم، برنامج (صوتك وصــل) يعنى بتلقي اتصالات وشـــــكاوى الجمهور السعودي على الهواء مباشرة ضد التقصير والخلل في أجهزة الدولة، وفي تقصير مسؤوليها بمن فيهم الوزراء، وقد أشارت بعض المصادر الى أن الملك وجه بالإفادة من البرنامج والعناية بالشكاوى التي ترد إليه.
أود أن أؤكد هنا أن الدعم الملكي لهذه الانطلاقة الهادئة والمترسلة للحريات في السعودية كما وكيفا، ليس من شأنه أن يصحح الأوضاع ويحمل المسؤولين صغارا وكبارا على العناية أكثر بالمواطن وهمومه وشكاواه وتقديم أفضل الخدمات وأرقاها فقط، ولكن المستفيد من هذه الحريات المنضبطة أيضا من حيث السمعة الجيدة والصيت الحسن داخليا وخارجيا هي الدولة نفسها، فالمستمع السعودي وغير السعودي لمثل هذا البرنامج الإذاعي الصريح أو لأي مظهر من مظاهر الحريات الإعلامية المرشدة، سيشير ببنان التقدير لمن سمح بهذه الحريات، قبل أن يدقق في تفاصيل الشكاوى أو في الجهة الحكومية المستهدفة أو المسؤولين المستهدفين بهذه المظالم والشكاوى.
وقد كنت ذكرت في أكثر من مناسبة أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية، والتي أتشرف بكوني عضوا مؤسسا فيها، هذه المؤسسة الإنسانية، وإن كان لب عملها مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان، التي قد ترتكبها إحدى مؤسسات الدولة أو المؤسسات الشعبية أو الأفراد في المجتمع السعودي، فإن إنجازات الجمعية وتقاريرها وملاحظاتها على مؤسسات الدولة، إذا اتسمت بالحيادية والنزاهة والمصداقية، فإن الإنجاز والتقدير في النهاية سيجير باسم الدولة التي أجازت لإحدى مؤسسات المجتمع المدني المستقلة لديها أن تبدي ملاحظاتها ونقدها بكل شفافية ومصداقية.
وهذا بالضبط ما لمستـــه في زياراتي الخارجية، وخاصة أوروبا وأمريكا، فحــين شرحنا للغربيين أعمال الجمعية ونشاطاتهــا كان التقـــدير في مجمله للحكومة السعودية التي وافقت لمن يراقب أعمالها بهذه النزاهة. صحيح أن انتهاكات حقوق الإنسان بطبيعة الحال أمر مرفوض، لكن التستر عليها وادعاء خلو البلد منها، هو الآخر أشد جرما من الانتهاكات ذاتها، فأية حكومة في العالم بالتأكيد ينتمي إليها مئات الألوف من الموظفين، يستحيل أن تكون دولة طوباوية أو يكون موظفوها كلهم ملائكيين أطهارا، فحالات انتهاكات الإنسان لحقوق أخيه الإنسان قديمة قدم التاريخ، وموجودة في كل المجتمعات المتحضرة وغير المتحضرة، والدول على كوكبنا في موضوع الانتهاكات بين مقل ومستكثر.
إن الخطأ والتقصير من المسؤول الحكومي أو من مؤسسة حكومية سواء رصدته مؤسسة لحقوق الإنسان، أو بثه برنامج إعلامي ناجح، أو كشف الغطاء عنه تحقيق صحفي جريء، هذا النوع من الأخطاء والانتهاكات وارد كما أشرت آنفا، فهناك أسباب كثيرة لهذا التقصير، وهي (في بعض الأحيان) ليست متعمدة ولا تصطبغ بالمنهجية والفعل المؤسسي، لكن يظل العيب في العلم بهذه الانتهاكات والإصرار على استمرارها أو الدفاع عنها أو تبريرها. والحق يقال إن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أدركت من خلال تجربتها الحديثة وحسن تعامل الدولة معها، أن من الممكن أن تقوم الجمعية بواجباتها من دون الحاجة إلى هيلمان إعلامي أو استعراض للعضلات، فالمقصود في النهاية رد الحقوق لأهلها ومحاولة تقليص المظالم قدر الاستطاعة، وهذا لا يتحقق إلا بالدعم الحكومي لمؤسسات المجتمع المدني المستقلة، والسماح لقدر أكبر من الحريات الحقيقية في الإعلام لممارسة النقد الصريح والهادف والموضوعي، حتى ولو طال مؤسسات الدولة ذاتها أو أزعج بعض المسؤولين.

الكاتب حمد الماجد

الشرق الاوسط
http://www.asharqalawsat.com/leader....33&issue=10492