![]() |
مطاعم تُتاجر بأرواحنا
لأننا نسكن مدينة جدة (عروس البحر) التي تشتهر كثيرا بجودة مطاعمها وتنوع أطعمتها، سواء أكانت جنوبية (وهي الأقرب إلى بطني) أو حجازية أو نجدية أو حتى كانت شامية أو يمنية أو هندية، فقد كنت ومجموعة من رفقاء الزاد (عيني عليهم باردة) نتسنح الفرص نهاية كل أسبوع، لنضرب موعدا مع غرامنا الأبدي المتمثل في زيارة ذلك المطعم الشعبي الكائن بكيلو سبعة جنوبا، والذي ما إن تضع رجلك بزقاق الحارة حتى تشتم رائحة أكله اللذيذ، كبسة مضغوط باللحم مع شوية عصيدة وطاسة مرقة مبهرة بالملح والحوار، يضاف إليها صحن سلطة من الطماطم والبصل وقطع الفلفل الحار (والله جعت يا جماعة)!!
لم يكن هذا المشوار لمجرد إشباع بطوننا، بل كان يمثل نزهة وترويحا للنفس، خصوصا في ظل ندرة الأماكن السياحية والوسائل الترفيهية، وهو لا يساوي شيئا أمام (المشوار الكبير) الذي كنا نقطعه بالصيفية في أغلب الأيام وسط أجواء خيالية من سراة الباحة إلى أسفل تهامة، حتى نصل لذلك المطعم الذي يقع بعد المخواة بقليل لنحيي سهرتنا هناك ونتذوق الأكل الشعبي على أصوله، وقد يقول قائل: من الواضح أن بطونكم أكبر همكم، وإلا لما قطعتم كل هذه المسافة من أجل طعام؟! عندها سيجيبه كبيرنا وقد أعيته التخمة، مرة يربت على كرشته، ومرة يمرر الخلالة بين أسنانه، وهو يقول: لا يا أخي مين قالك (ترى المسألـة كلها هرجة)!! نعرف بأن المطاعم الشعبية أقل إمكانيات ونظافة، ولكن وجباتها شهية وقيمتها معقولة، ونعرف بأن المطاعم السياحية أكثر جودة وعناية، ولكن أطباقها منزوعة الدسم وبلا نكهة وأسعارها خيالية؛ لهذا تجد الغالبية تفضل المطاعم البسيطة، كان ذلك قبل انتشار الأخبار المتداولة مؤخرا، والتي داهمتنا كمياه سد إنهار فجأة فحصد كل ما هو أمامه من مزارع ومناظر وخيرات، إنها أخبار شؤم وصور مقززة للغاية تتحدث عن إقفال مطعم شهير هنا، ومطعم فايف استار هناك، ولسان حال كل منا يقول: إذا كان الوضع بهذا السوء في المطاعم المعروفة، فكيف بتلك الأحواش الخفية التي نرتادها، والتي لا يستطيع حتى قوقل إرث الوصول إليها!؟ في الحقيقة أنه مهما كثفت الأمانة من جولاتها التفتيشية وحملاتها التصحيحية على المطاعم، فإن الهاجس الذي اعتلانا في الآونة الأخيرة لا يمكن تهدئته بإصدار غرامة مالية أو إقفال المحل أسبوع أو اثنين، وإنما قد يتحقق ذلك وقد تطمئن أنفسنا ولو قليلا إذا ما سمعنا بإقفال أحد المحلات نهائيا وبالشمع الأحمر مع محاكمة صاحبه وتغليظ العقوبة عليه جراء متاجرته بأرواح الناس، عندها ستدب الحياة إلينا من جديد، وسنضرب موعدا في القريب العاجل لزيارة ذلك المطعم الشهي وقضاء أجمل الأوقات هناك، ولن نجد ساعتها من يحبط من عزيمتنا أو من يقول لنا محذرا: وش لكم وش للمطاعم.. أكل البيت ما في أحسن منه!! احمد عجب الزهراني عكاظ |
الساعة الآن 02:07 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL