الابتزاز بطريقة مشروعة
 

أول ما يتبادر إلى أذهاننا، عند سماعنا لكلمة (ابتزاز)، تلك القصص العاطفية المستهلكة التي تتشابه إلى حد كبير في أحداثها ونهاياتها التراجيدية، فدائما ما نجد الضحية فتاة عشرينية تدعي بأنها تواجه منذ مدة تهديدا من أحد الشباب بفضح صورها على الملأ ما لم تستسلم لرغباته المتوحشة، ودائما ما نجد تفهما وتعاونا منقطع النظير من أسرتها، يجعلك تتساءل بعفوية تامة: إذا هم بالفعل حميمون معها إلى هذه الدرجة، فما الذي أوصلها إلى هذه المرحلة؟! أما المنقذ (سبيادر مان) فدائما ما نجده في هذه القصص المكررة منوطا بأعضاء الهيئة الذين ينقضون على الشاب بلا هوادة، ثم يصعدون قضيته، فيما يربتون على الفتاة ويسترون عليها!؟
أيضا قد يتبادر إلى ذهننا، عند سماعنا لكلمة (ابتزاز)، تلك القصص الواقعية التي نادرا ما تحصل، والتي تتحدث عن وقوع أوراق ومستندات مهمة في يد موظف بسيط، فيكتشف أن مديره المسؤول الذي طالما أخر علاواته وعطل ترقياته طوال مدة خدمته مختلس و(ابن ستين حرامي)، فيبدأ في مساومته إما الفضيحة أو تلبية طلباته!؟ لكن هذا الموظف البسيط (المبتز) يخسر في نهاية المطاف كل شيء، بداية بالوظيفة، وانتهاء بمستحقاته، وكلما علت نبرة تهديداته بالأوراق التي بين يديه لا يسمع سوى عبارة (بلها واشرب مويتها).. يحدث له هذا لأن ذلك المدير لم يكن سوى حجر شطرنج هناك من يحركه ويتنقل به بين الصفوف ويعمل على حمايته!!
الابتزاز الذي أعنيه اليوم، ربما لم يتبادر من قبل إلى أذهان الكثيرين، ويتمثل في إساءة استخدام السلطة من قبل بعض المحسوبين على رجال الضبط أو الوظائف التنفيذية العامة، من خلال التعسف في استخدام الحق بطريقة مستفزة للغاية، كأن يصر ذلك الموظف، وبأسلوب فج، على اتخاذ إجراء فوري وصارم ومبالغ فيه تجاه مخالفة لا تكاد تذكر أو لا تساوي شيئا أمام سيل المخالفات المرتكبة في كل مكان، أو يصر ذلك الموظف على إزالة التعدي في الحال، بغض النظر عن الظروف الإنسانية التي يحاول المواطن إفهامه إياها وهو يطالب بإرجاء التنفيذ على الإحداثيات المقامة لحين البت في معاملته (وبعدها يكون لكل حادث حديث)!؟ مثل هذه المواقف المفتعلة غالبا ما تنتهي باعتداء من حررت بحقه المخالفة أو من أزيلت تعدياته في الحال على رجل الضبط أو الموظف العام، وهو أسلوب لا يمكن لإنسان عاقل أن يقره، ولكن لا بد من بحث الأسباب التي أخرجت ذلك الإنسان عن طوره، ولا بد من بحث تفاصيل القضية الأساسية وعدم اختزالها في تهمة: تعال.. أنت كيف تمد يدك وبأي حق تتهجم عليه؟! ولا بد ـــ وهذا هو المهم ـــ أن نحمي سمعة الجهة التي ينتسب إليها مثل هذا الموظف العام من خلال التأكد من سوابقه، ومن أنه لا يتعمد الاستفزاز حتى يعتدى عليه، ومن ثم يبدأ في (الابتزاز المشروع) التعويض بعشرات الآلاف مقابل التنازل عن القضية في الحق الخاص!.

احمد عجب الزهراني
عكاظ