الشبكة العامة لقبائل الحويطات - المنبر الاعلامي و المرجع الرسمي المعتمد

http://www.sada-tabuk.com/contents/newsm/15569.jpg

بقلم / الكاتب سلطان بن ابراهيم الطقيقي الحويطي

لاشك اننا امام تجربه ابداعيه فريدة بل امام جنس ادبي يشكل خليط من والرواية والقصة والمقالة ايضا . في هذا العمل استطاعت أ/ قسمة العمراني ان ترمم جسد السرد بكل اقتدار بما تملكه من ادوات ليكون هذا العمل اهم عمل ادبي تشهده المنطقه من وجهه نظري ، ونقطه تحول في الحركة الابداعيه الادبيه والثقافية . وربما ان أول ماسيلفت نظر القارئ في هذا العمل هي تلك اللغه الشعريه العميقه السائده في كل النصوص .

ناي السرد :
تقول :
" رمى بي أبي على قارعه الحياه ومنحني نايا ورحل "
" وتقول عن حرفها : اتوكأ على حرفي حين لااجد مااسند اليه ظهري واهش به على قلبي ولي فيه مآرب اخرى"
وتقول ايضاً:
" وحينما استويت على الجودي وغيض الماء : بت ساقية في حانات النبض لأقدم ريعه لعابري السطر ومن يقرؤون"
هكذا جاء في بعض من سيره الذات والحرف , في آخر صفحات الكتاب سيره ذاتيه مختلفه لكاتبه متميزه وهنا تظهر أ/ قسمة العمراني قدرتها على الابتكار وايجاد شكل مختلف حتى في السيره الذاتيه والتي هي بحد ذاتها تعد مقطوعه ادبيه منفرده تعزفها ساقيه العطر على ناي الادب ..!!.

سوسيولوجية المكان :
المكان في "حاضنه البحر" كالماء , كالهواء , بل انه في بعض الاحيان يبدوا كالإنسان !!, للكاتبة فلسفه عميقة حول المكان ... فالمكان في هذا العمل يسكن الكاتبه !!!
تقول في غربه التهميش : " القرية التي هي: حاضنة البحر , قرية تقع على آخر حدود الاستيطان وأول حدود الاغتراب , قررت أن تحضن البحر ذات لقاء فحضنتها الوداعة وتفيأها الجمال والهدوء "
هي منذ البدايه تعطينا تعريفا للمكان , الموقع , وترسم له خريطه جغرافيه على ملامح الوجوه ..!!
وتقول عن المكان ايضا في الحاضنة والحب :" جغرفت كل تضاريس الجمال في محياها , حتى بدت كطفله تلوح بوجه صبوح في طابور مدرسي طويل تجذبك بأبتسامه من فم يضيق بين غمازتين مكث الكرز طويلا وهو يبحث عنهما ليجعلهما فاكهته المفضله "
وتقول في السير في الممرات الضيقة :
"فقيرة الحظ تلك القرية غنية المكارم سخية البذل ، زارها الشتاء ذات موسم فلحفته أضلعها وقالت له أقم هنا بعد أن كومت فوقه معاطف الدفء وأهدته معازف الروح . وعندما قدم اليها الصيف في موكبه يرافقه بعض من حاشيته إستعانت بأبن عمها البحر وقالت له : اجلب عليهم بخيلك من خيرك دسماً ولؤلؤاً ونسيما."

تدفق لغوي وخيال خصب , ليس هنا فقط بل يكاد يكون في كل سطر من الكتاب , لقد وهب الله الكاتبه ملكه السرد فصارت ملكه السرد !!
وتعرج الكاتبه على التهميش الذي تعانيه قريتها بكا جرأه وضمير حي وهذا لعمري هو دور المثقف الحقيقي !!
وقد اشارت لذلك على الغلاف بجملة " حكاية مكان اغتاله الحرمان "
وتقول ايضا :
" منذ ان تشكلت حدودها , وهي قرية على هامش الارض "
" ويقال بأن قريتي حلمت بالثراء والتقدم ذات خيال فراودت الأسود عن نفسه وهمت به وهم بها واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر "
وفي فقره " الصدق عنوان الحقيقة " تعطينا الكاتبه اثولوجيا مكانيه مختلفه جدا فنراها تقارن بين حياه المدينه وحياه القريه وكيف ان المدن الكبرى استحوذت على اكسير الحياه ولم تدع لباقي الامكنه الا الصبر تقتات عليه ,
وفي مقطع " الفرار من الذاكره " نجد الكاتبه تلخص فلسفتها للمكان بقولها :" المكان : أجدر بالحب من الانسان , أعشق التآلف مع الأمكنة أكثر من عشقي التآلف مع البشر "
المكان في حاضنه البحر مختلف تماما فهو علم قائم بحد ذاته , وعلاقة مختلفه للغايه .
استاتيكا اجتماعيه :
في هذا الكتاب نجد دراسه للحاله الاجتماعيه في القريه , وانماط التفاعل الاجتماعي , ودراسه سلوك الفرد ولكن في قالب ادبي راقي . لم تغفل الكاتبه كبيره ولاصغيره في العلاقات الانسانيه وسبل العيش وشكل العلاقه مع الدول المجاوره , كما انها في "حاضنه البحر وجبر الكسر " تراوح بين ما يعاني اهالي القريه من تكبد عناء السفر لتلقي العلاج وبين الطريق الذي يبتلعهم المسمى بـ" طريق الموت " وهي اشاره للقلق النفسي الناتج عن الاهمال . بل اشاره ان من يسكن هذا المكان ماهو الا بروليتاريوس في نظر صانع القرار !!
اما شخوص العمل فقد تنوعت فهناك "عاتكه "التي تجوب الشوارع تتسول "الونس" , و"عابد" الذي اوصلته ضروف الحياه وصدماتها لان يصبح مجنون !!, و"ناجح" المكافح الذي التحق بجامعه في الرياض وحقق الحلم ليعود ويرفع رأس والديه , كل هذه الشخصيات وغيرها في العمل يربطها المكان .
هذا العمل الادبي يمزج بين التجربه , والحكمه , والفلسفه
وهو يعد بكل اقتدار تأريخ لفتره زمنيه عبرت المكان.