![]() |
إشكاليات قصيدة النثر
اشكاليات قصيدة النثر (17) الانفعال والتوتر والشاعرية.. ذلك هو المهم - عز الدين المناصرة
36 ــ الدكتور عادل الأسطة (ناقد وروائي ــ فلسطين والأردن): قصيدة النثر نص مفتوح عزيزي الدكتور عز الدين المناصرة، تحية طيبة وبعد، فأشكرك علي اسئلتك التي أرسلتها حول قصيدة النثر، ولقد دفعتني الي كتابة مقالة نثرية عنوانها تداعيات: شاعرية الاحتلال ونثر العالم العربي آمل ان تقرأها مطبوعة. ربما تفاجأ من اجابتي هذه: أنا شخصياً ألخص كل ما قرأته عن الأجناس الأدبية، حين اقرأ نصاً ما، بسؤالين: ما الذي يريد الكاتب أن يقوله، وكيف قال ما أراد قوله؟ وهكذا أجمع ما بين نقد اجتماعي ونقد شكلي، ولا أقول: بنيوي. ربما أكرر بطريقة غير مباشرة ما قاله الماغوط، مع فارق انني ملم بالأجناس الأدبية إلماماً ربما يفوق المام الماغوط به، لا لعبقريتي وانما بسبب تدريسي في الجامعة. هل أكرر ما قاله النقاد العرب القدامي حول القديم والجديد؟ أظن انك تعرف أكثر مما أعرف، وأظن انك قرأت ما ورد في كتاب ابن قتيبة الشعر والشعراء حول هذه القضية! ولكني وأنا أقرأ حول نظرية التلقي اعجبني ما كتبه (ياوس) حول المسافة الجمالية أو تغيير الأفق، ولعل رأيه يلخص اشكالية قصيدة النثر تلخيصا جيدا. انها نص جديد من حيث نسبتها الي الشعراء، والقراء ثلاثة: من يصدم بها، بخاصة اذا كان من أنصار الشعر، ومن يأخذ بها، وبخاصة ان كان من أصحاب ضياع الفروق بين الأجناس، ومن يصدم بها ولكنه سيعود نفسه عليها، ان كل ذي عقل مرن. أنا شخصياً لست ضد أية كتابة ما دامت ذات رسالة وذات شكل جيد، وأحياناً أكتب قصيدة النثر وأسميها قصيدة (سيئة) وأميل الي الشعر الغنائي الوجداني، سواء أكان موزونا مقفي أو قصيدة تفعيلة، ولكني لست ضد كتابة النثر إطلاقاً، واليك هذه البرقيات: 1 ــ سوف يغربل الزمن كل ما يكتب، نثراً أو شعراً، ولن يبقي هناك متسع من الوقت لقراءة كل ما يكتب، وربما يكون حظ أكبر شاعر عربي في المناهج نصاً شعرياً واحداً. 2 ــ ان الحديث عن النص المفتوح يجيب عن هذا السؤال، وقد تسقط، مع الزمن، ظاهرة دراسة الأدب اعتماداً علي الجنس الأدبي الذي أدرج تحته، أعرف أن النص المفتوح يجمع بين أكثر من جنس، وقصيدة النثر، شعر نثر وخاطرة. قد لا يكون هذا تم حتى اللحظة، ولكنه قد يحدث، وقد يطبق علي النصوص التي ستكتب تحت عنوان نص أدبي . 3 ــ أنا مع محمد الماغوط في هذا، أما لماذا إصرار الكتاب فلربما يعود السبب الي أن لفظة شاعر لها فعلها في القديم والحديث، وبخاصة أن بعض الشعراء حفظوا حضوراً لافتاً، في الأزمنة المختلفة. 4 ــ أري هذا، وهناك نصوص نثرية علي قدر كبير من الشاعرية، حين أدرس شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف أو ما تبقي لكم لغسان كنفاني، أشعر أنني أمام نصوص شاعرية، ثمة لغة شاعرية وثمة حالة شاعرية عالية، واعتقد انني كتبت نصوصاً نثرية وأنا واقع تحت الحالة الشاعرية العالية: الانفعال والتوتر والصيغة اللغوية. 5 ــ ربما لأن هؤلاء اعتادوا، بحكم دراساتهم وقراءاتهم، أن يجدوا قوانين صارمة في الأجناس الأدبية السابقة ومنها القصيدة التقليدية و(السونيته) والمقامة. 6 ــ بعض الدارسين يقولون إن الرواية تفتقد الي الشكل المحدد، اذ بمقدار ما توجد روايات توجد أشكال لها. أظن أن الشعر، أكان موزناً مقفي أم غير موزون غير مقفي، لن يتهاون في قضية الصورة واللغة، ومحمد الماغوط كتب قصيدة النثر التي احتفلت بالصورة احتفالاً كبيراً. وأجدني هنا أعود الي قضية النص المفتوح، وإذا ما جاء هذا وحضر وأخذ به فان اسئلتك واجاباتي تغدو عديمة الفائدة ولا مبرر لها إطلاقاً. 7 ــ ربما قرأوا قصيدة النثر بلغتها الأصلية، ربما قرأوا شعراً مترجماً. أ ــ الشعر المترجم كله يا عزيزي عز الدين، ما لم يترجم شعراً، كما في رباعيات الخيام، هو قصيدة نثر، أنا شخصياً أقرأه علي انه قصيدة نثر حتي لو كان (سونتيه) من (سونيتات) شكسبير. طبعاً أنا لست مرجعية وحيدة، إنني صوت من أصوات. ب ــ طبعاً، أدونيس شاعر كبير، هكذا يذهب الدارسون، ولكنني ــ الشعر قضية أدونيس ــ وربما بحكم كوني في الأرض المحتلة. ما زلت أميل الي شعر القضايا الكبيرة: ربما أكون تقليديا، أو كلاسيكيا جديدا. جـ ــ لك مطلق الحرية في ذلك، ربما نقول انها نص أدبي. د ــ ان الكاتب هو نتاج قراءاته، ربما تكون قراءات كثيرين من كتاب قصيدة النثر قراءات تقتصر علي النصوص الحديثة التي لا تحفل بلغة الشعر العربي القديم، اللغة التي ألفها أحيانا في الشعر. 8 ــ كان اميل حبيبي قد قال في مهرجان الأدب الفلسطيني في القدس، في عام 1981: وما له الأدب المهرجاني؟ هل كان اميل قرأ قصة الطاهر وطار الرسام الكبير والشاعرة الناشئة يورد في هذه القصة المقولة التالية: المباشرة لا يقبلها الساسة والنقاد، انها أداة نضالية ما فتئوا يعملون علي تحطيمها . أما الكوتا الالزامية لكتاب قصيدة النثر في المهرجان فربما تعود الي سعة أفق المسؤولين الذين يرون ان العالم واسع ورحب ويتسع للجبال والوديان والبر والبحر والوردة والشوكة. 9 ــ أنا أميل الي الشعر الغنائي، وربما أعود الي نظرية التلقي ثانية، الي نظرية (ياوس). وقد ألف الجمهور الشعر وهو ينشد، ان الانشاد جزء من القصيدة. وعلينا ألا ننسي تأثير العادة، وأكثر الناس يتقبلون الحديث ببطء حتي اذا ما اعتادوا عليه أصبح مألوفا، قصيدة النثر، كما تقول وكما نعرف، حديثة العهد. 10 ــ هل نظر الماغوط لقصيدته؟ أنا أري ان النص هو الحكم الأول والأخير، لا بد لنص من فكرة ما، موضوع ما، ولا بد من انجازه، لغويا، انجازاً مميزاً، وعلينا ان لا ننسي ان هناك طرقاً عدة لدراسة الأدب، ثمة مناهج نصية وأخري غير نصية. ما المنهج الذي يوظفه الناقد؟ ان طبيعة المنهج هي التي تمكن أو لا تمكن من الإحالة الي ما هو خارج النص، أنا شخصياً حين أدرس الشعر أدرسه تارة اعتماداً علي ما هو خارجه، وطوراً اكتفي بالنص. 11 ــ أري معطيات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي مرد ذلك. أنا شخصياً كنت لا أرغب في الاجابة عن أسئلتك. في البداية سخرت من ذاتي نحن نموت ونقتل يوميا، وعز الدين المناصرة لا يسألنا عن دور الأديب في الانتفاضة، في ما يجري ہ. ولكنني عدت وأجبت لأسباب منها أنني أحياناً أكتب خارج شروط ما يجري، وانني مدين لك، وانت من قبل، لم تهمل رسائلي التي ارستلها لك يوم كنت في الجزائر. ما بين 1985 و1987. لقد شهدت منطقة بلاد الشام هزائم وحروباً أهلية، وانشغل الأدباء بما يجري أكثر من انشغالهم بقضايا شكلية، ربما لهذا تلاشي الاهتمام بقصيدة النثر. الآن، ومع شيوع بعض المناهج النقدية الحديثة التي تهتم بالشكل، يميل بعض الدارسين الي قضايا مثل أدبية الأدب، هذا أقل ازعاجاً، ثم ان القصائد كلها لم تجلب انتصاراً واحداً. بدأ درويش شاعراً ايديولوجيا يؤمن بأهمية الحرف وقيمته، وانتهي شاعراً يقول: لم أجد جدوي من الكلمات الا رغبة الكلمات في تغيير صاحبها، نحن نعيش زمن هزائم وأقول: والأحلام الكبيرة. 12 ــ تعرف ان الشعر في فلسطين ليس هو الشعر الفلسطيني كله. نحن موزعون علي أقطار عربية عديدة، وأنا شخصيا لم أكن منشغلا بهذا السؤال. أنا مشغول بسؤال آخر هو سؤال الهوية في الأدب الفلسطيني. لعلك قرأت كتابي هذا (سؤال الهوية) مع ذلك، اذا ما نظرنا الي خريطة الشعر الفلسطيني: في الوطن وفي الشتات فعلينا ألا ننسي توفيق صايغ في الخمسينيات، كذلك جبرا ابراهيم جبرا. 13 ــ أنا شخصياً أكتب عما يروق لي. لم أكتب أية مقالة عن قصيدة النثر، ومع ان بعض قصائد أحمد دحبور الجديدة موزونة، الا انني وجدت فيها أحمد دحبور آخر غير الذي ألفته، وقد دفعني هذا الي كتابة مقالة نشرت في (الزمان) اللندنية وفي الأيام (رام الله) وفي الاتحاد الحيفاوية، وعنوانها أحمد دحبور: هل يهدم القصيدة أم يبنيها؟ كل ناقد يكتب عما يشغله، وأنا مشغول بالموضوعات أكثر من انشغالي بالشكل، وان كنت لا أقلل من قيمة هذا، لأن الموضوع وحده لا يكفي. ودائما يشكو الأدباء وسواء أكتب عنهم أم لم يكتب؟ وفي ما يخص الكتابة عن الرواد، فأعتقد ان الناقد انسان حين يكتب عن شاعر مغمور فان أحدا من القراء لا يلتفت الي مقالته أو دراسته، ولكنه حين يكتب عن أديب معروف يغدو هو معروفاً، ليس في هذا عدل؟ نعم، ولكننا أيضا نرغب في ان تجد كتاباتنا طريقها الي القراءة، هناك حركة نقدية، وهناك نصوص أدبية، لكن ما السقف الذي نريده حتي نكف عن القول: هناك أزمة نقد، وهناك أزمة نصوص، لا أدري. ہ كتب ناقد تقليدي فلسطيني يصف قصائد ابراهيم طوقان (كانت قصائد طوقان تقض مضاجع الانكليز وتثير القلاقل والثورات). وكان تعليقي هو ان الانكليز كانوا مرتاحي البال، أما بنادق الثوار فهي التي أزعجتهم. وظيفتي الوجدانية هي ان أترك مجلداً من الشعر الرفيع، ومن حق الشعب الفلسطيني علي أن أكتب شعراً جميلاً ونقداً جميلاً والدفاع عن الهوية حتي آخر شهقة. أما البندقية والمدفع فقد مارست التعامل معهما في زمن الثورة كما تعرف وأخبرك ان الهاجس نفسه قد راودني، لكنني أتعامل مع شعراء ونقاد، لا قادة انتفاضة. المحرر ــ ع. م. |
رد: اشكاليات قصيدة النثر
وظيفتي الوجدانية هي ان أترك مجلداً من الشعر الرفيع، ومن حق الشعب الفلسطيني علي أن أكتب شعراً جميلاً ونقداً جميلاً والدفاع عن الهوية حتي آخر شهقة.
عبارة شاعر شاعر بقضيته |
الساعة الآن 05:27 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL