![]() |
الأصوات العارية لازالت تلهث بالتطرف
د. علي الخشيبان
لا أعلم كيف أبدأ فالقضية اكبر من كل محاولة لشرحها أو شرح أبعادها، فلازلنا نعيش صدمة كبيرة مزقت كل خيوط الأمل التي كنا ننتظرها لعلنا نكتشف الطريق الذي يخرج به العالم من طريق الإرهاب والقتل والعنف ولو بشكل تدريجي في عالمنا الإسلامي. بالأمس القريب هزتنا واحدة من اكبر الجرائم عنفا في حق الإنسانية، حيث كانت الرسالة واضحة في الجريمة الشنعاء التي راحت ضحيتها (بنازير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة). لقد كان موتها يحمل رائحة لا تعبّر عن صراعات السياسيين وحدهم، ولكن الإنسانية بمفهومها القائم على احترام كيان الإنسان يتعرض للقتل مرات ومرات في هذا الموقف المشين الذي صادر به التطرف حياة إنسان لمجرد انه اختلف معه أو انتقد مسيرته. لم يكن في تاريخ البشرية أقسي من تلك المواقف التي يموت فيها إنسان لمجرد اختلافه مع الآخرين، ولو كان العالم يسير بهذه الأساليب لانقرض البشر عن بكرة أبيهم. لا اعلم لماذا لا يريد العنف والتشدد والتطرف والتزمت وكل أنواع الفكر الأحادي الذي لا يحتمل شريكا له في هذه الحياة، لا اعلم لماذا يخاف كل متطرف ومتشدد على فكره من الانقراض لمجرد عرضه في سوق الأفكار النيرة وفي مسارح المناقشة والحوار والتحليل..؟. هاهي الأصوات التي اعتدنا على سماعها تبرر أفعالها بالتاريخ والإنسانية والدين والتراث، وبدلا من أن تتحول الجرائم في نظرها إلى عمل مشين تصبح تلك الأعمال من طقوس التقرب والعبادات التي يجر إليها الأفراد على شكل قطعان من البشر إلى مسارح الصراع والاختلاف والتنافر مع كل مختلف معهم. إن أساليب التطرف ليست القتل فقط، بل إن القتل أحدها فتصنيف الناس وإرهابهم وطردهم من وظائفهم والتلصص عليهم ومتابعتهم في كل مكان وأرض ومصادرة حرياتهم وفكرهم هي أساليب تطرفية خطيرة لا تقل عن القتل والتدمير، والإشكالية الكبرى أمام هذه المسارات المنحرفة إنها تضع الإسلام بحسب تفسيراتها الضالة وكأنه يقف خلفهم ويدعمهم كما يعتقدون. إن المجتمعات التي سوف تنتظر هؤلاء وهي تراهم في مراحل نشوئهم وتكونهم يمارسون التطرف المعنوي واللفظي، هذه المجتمعات سوف تطلع عليهم الشمس يوما ما وهم يرون تلك الفئات وقد تطور فعلها إلى الانتقام من الإنسانية، وهذا في نظري تفسير يضاف إلى تلك التفسيرات التي تحاول تفسير الإرهاب ودوافعه. لو سألنا الذي يفجر نفسه في مثل هذه الحالات أو يجعل نفسه أداة في يد غيره لماذا تفعل هذا ولماذا تقتل وترهب المجتمع بهذه الطريقة لكانت إجابته على عكس من هم وراءه ومن هم دافعون له لارتكاب هذا الجرم المشين. المنفذ لديه أفكار مختلفة عن الداعمين والمرسلين له، وأعني بهم أولئك الذين وصلت قذارة فعلهم إلى استخدام البشر والمعتقدات لتنفيذ أهدافهم، ولا أعلم ماذا سيقولون لخالقهم ما داموا يدّعون الإسلام وكيف سيبررون أهدافهم الخفية التي صنعت منهم مجموعات مجرمة تقتل وتذبح باسم الدين. إن طريق مكافحة الإرهاب طويل بيننا وتحديدا في عالمنا الإسلامي الذي يتجرع مرارة هذا العمل بشكل مستمر لقد عجزنا عن تفسير الكثير من مظاهر هذا الإرهاب بطريقة تجعلنا نصل إلى الحقيقة بمدلولها العلمي والعملي. الغرب وخصوصا أمريكا طرحت وعبر مثقفيها وكثير من السياسيين سؤالا مهما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تقول فيه (ماذا يريد منا هؤلاء الذين أتوا إلينا ليقتلوا في ديارنا..؟) وهاهو الزمن يعيدنا إلى نفس النقطة التي كنا نخشاها ونبتعد عنها، حيث اعتبرنا أنفسنا في يوم من الأيام طرفا لا يهمه الجواب بقدر ما يهمه الدفاع. المنطلق الحقيقي الذي يجب أن نبدأ منه هو العودة إلى السؤال المهم: ماذا يريد منا هؤلاء... وماذا يريدون لمجتمعاتنا وتراثنا وفكرنا..؟ هنا الحقيقة التي يجب أن نتعلق بها والتي تقول انه لابد من بحث عن إجابة لهذا السؤال دون خوف ووجل من الفرضيات التي يمكن أن تتكشف لنا ونحن نحاول الإجابة على هذا السؤال. الإرهاب يعصف في العالم كله منذ عقود، حيث اختلطت فيه قضايا متناثرة ومتعددة منها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولكن أكثرها ألما وتداخلا مع كل فرد في العالم هي تلك الأعمال الإرهابية التي تنفذ باسم الدين، وهنا الإشكالية الكبرى وهنا تعقيدات ذلك السؤال الذي لابد وأن نطرحه شئنا أم أبينا اليوم أو غدا. الإرهاب مرة أخرى ليس القتل وحده، الإرهاب كل فكر يحمل إقصاء للآخرين ويتابعهم ويتلصص عليهم بل انه كل فكر يدعي ملك الحقيقة وحده دون الآخرين هذا هو الإرهاب وكل إنسان يعتقد بهذه القضايا تحت أي فكرة اقتصادية أو أيديولوجية أو اجتماعية إنما يعتبر على طريق الإرهاب. إن من أهم مظاهر الانحراف والعجز الذي تبديه الجماعات المتطرفة تلك المظاهر المرتبطة (بثقافة الأصوات) العالية فكل أولئك الذين اعتدنا على إصابتهم بمظاهر التطرف والإرهاب مصابون بهذه الثقافة، فهم عندما يتحدثون تتحشرج أصواتهم في حناجرهم تعبيرا عن تدافع مظاهر العنف في أصواتهم قبل أفعالهم. إن ثقافة الأصوات العالية تنتشر في مجتمعاتنا الإسلامية بشكل كبير، وكما يؤكدها الكثير من العلماء والمهتمين في مجال علم النفس إن الأصوات العالية في خطابها ومحاورتها، إنما تعبر عن شكل من أشكال العنف الذي تختزله تلك الأجساد والذي يمكن أن يتحول وببساطة إلى ممارسات عنيفة ومخيفة. هكذا هو الإرهاب بدايات سهلة وبسيطة تبدأ بثقافة الأصوات العالية وتنتهي إلى ممارسات إرهابية متفاوتة أدناها الإقصاء وأعلاها القتل والتدمير، وهاهو العالم الإسلامي وغيره ينضح بممارسات يتم تقديمها على أنها عمل جليل يخدم البشرية وأفكارها. أي فكر يخدم البشرية والقتل والتدمير أحد أهم طرقه، أي فكر يخدم البشرية وهمه الوحيد أن يعمل متلصصا على مجتمعه وأفراده، أي فكر يخدم البشرية وهمه الوحيد أن يبرر للإنسانية انه الصحيح الوحيد في هذا الكون. سوف نفقد الكثير وسوف نكتشف الكثير ما دمنا لم نسأل السؤال الحقيقي الذي يقول مرة أخرى: ماذا يريد منا هؤلاء..؟ وكم هي مظاهر وجودهم في مجتمعاتنا علينا العودة ومناقشة سلوكنا الاجتماعي في فكره وثقافته ومساره الاجتماعي. علينا أن نكتشف حجم (ثقافة الأصوات العالية) ونقيس مدى تواجدها بيننا، علينا أن نزيل كل مظاهر التطرف والانحراف ليس بمنعه من الظهور فقط، ولكن بمعالجة جذوره فثقافة الحياة هي البناء الذي يجب أن نبني عليه مساراتنا ومنهجنا من اجل الإنسان. سوف تكون النتائج مؤلمة وقاسية إذا ما تركت هذه الأفكار دون معالجة، وخاصة في حالات الكثير من مجموعاتنا الإسلامية والتي تشعر بغيرتها وعجزها عن تقديم دور حضاري، لذلك تلجأ إلى أساليب مختلفة ومنهجيات متعددة للتعبير عن نفسها، ولكنها لا تختار أبدا الطريق الصحيح بل تلجأ إلى ممارسات هكذا هي نتائجها قتل وتدمير وإرهاب. بقلم د. علي الخشيبان |
الساعة الآن 01:10 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL