لقاء مع ارملة

كنت أريد أن أكتب عن المطلقات وبعض معاناتهن اليومية، غير أن لقاء مع أرملة أدار رأسي وغير خططي، فلقد سمعت منها مالم أكن أعرفه ولا أتوقعه، ولعله تقصير مني أو ربما أن حياة الأرامل تدخل في منطقة المسكوت عنه ولذا فلا نكاد نقرأ عنهن أو نعرف إلا ما يعرف بالضمان الاجتماعي والتكافل المجتمعي مع "الأرامل والمطلقات واليتامى" هكذا قطعة واحدة، مجرد كلمة ملحقة بكلمات: أرملة.. مطلقة.. يتيمة.. وبقدر اقتراب الإعلام من حياة المطلقات وتعاطفه مع اليتامى بقدر بعده عن الأرامل وتعامله السطحي مع قضاياهن.. والمسألة هنا ليست أرملة محتاجة وينبغي إدراج اسمها ضمن قوائم المساعدات، وإنما المسألة مع الأرملة أوسع وأكبر بكثير، فهي امرأة لم تختر أن تصبح وحيدة وأن تتحمل فجأة مسؤوليتها ومسؤولية أبنائها، هي امرأة وجدت نفسها بين عشية وضحاها المسؤولة الأولى عن إدارة حياة وعيش ومعيشة داخل وخارج المنزل بعد أن كانت كل حدودها لاتتعدى باب منزلها وقدور مطبخها، إنها تواجه ربما للمرة الأولى في حياتها مصيرها ومصير أبنائها في مجتمع يكاد لا يعترف بامرأة بغير رجل مسؤول عنها، عليها أن تنهي المعاملات بنفسها وأن تتابع الاحتياجات وتنجز المهمات، تهاتف هذا وتحايل ذاك وتلاقي من النفوس مالم تحلم يوما بأن تلاقيها، قالت لي تلك الأرملة انها فجأة أصبحت هدفا ومطمعا لمعظم الرجال، وأصبح كل رجل يتعامل معها بحكم الضرورة يعتقد أن من حقه فرض نفسه عليها وأن من واجبها تحمل سماجته إن كانت تريد إنهاء معاملاتها، قالت الأرملة وهي تبكي أن مالايقل عن عشرة رجال تعرضوا لها بالتلميح تارة والتصريح تارة أخرى بل وأحيانا بالتهديد المبطن، قالت لم يختلف في ذلك القريب عن الغريب..
قالت إن عليها بمعاش زوجها الذي هو أقل من راتبه بكثير - بطبيعة الحال - أن تعيش مع أولادها بنفس الطريقة التي كانوا عليها قبل وفاة الأب، فكيف يتأتي هذا؟ وهل على المرأة التي توفي زوجها أن تتحمل عقوبة مجتمعية بجوار مصيبتها في زوجها، فعليها أن تقبل كرها حياة بمستوى اقل، فعليها مثلا أن تبدل سكنها بسكن أصغر واقل كلفة وأن تتنازل عن خادمتها وأن تسرح سائقها وأن تخرج أولادها من المدارس الأهلية حتى يمكن لمعاش زوجها أن يكفيها مع أولادها ضروريات الحياة اليومية..

وتساءلت لماذا إذن لم تهيأ منذ البداية إلى أن دوام الحال من المحال وأن ماتنعم به من حياة آمنة في كنف زوجها سوف يصبح أنقاضا حين يتوفى الله هذا الرجل ويتركها بلا خبرة ولاعائل ولامال كاف..

كانت الأرملة تحدثني بمرارة، قالت إن مشكلة الأرملة ليست في نقص المال، وإنما في مواجهة الحياة دون سابق إنذار..

قلبت كفا بكف وهمست.. الله المستعان..

بقلم / سحر الرملاوي