مسلسل عودة ابو تايه يرد على لورنس العرب

مسلسل عودة ابو تايه عمل بدوي تاريخي يبث حاليا في عدة فضائيات عربية .
تم تصوير مسلسل "عودة أبو تايه" في مناطق مختلفة من البادية الأردنية

ويؤرخ "عودة أبو تايه" لفترة مهمة من التاريخ العربي إبان انتهاء دولة الخلافة العثمانية ومرحلة الاستقلال العربي، وفترة الحرب العالمية الأولى. و مزج بين جمالية الحياة البدوية، وألق التاريخ، ليقدم شخصيةً وطنيةً، تمثلت في عودة أبو تايه "أبو عناد"، الذي شغل طوال عقود دولا عظمى، وأقلق الإمبراطورية العثمانية، بل وتمكن من خلخلة أركان هذه الإمبراطورية التي ترامت أطرافها لتحكم العرب حكماً استبدادياً.

وأشارت مصادر "المركز العربي" أن المسلسل يشكل الرواية التاريخية للرد على الفيلم السينمائي العالمي "لورنس العرب Lawrence of Arabia " الذي أنتج العام 1962، وكان الفنان العالمي "أنتوني كوين" جسد فيه دور الشيخ عودة أبو تايه، الذي صُور كقاطع طريق، وهو ما لم يلقَ قبول المؤرخين، الذين رأوا أن الفيلم يبتعد عن الأحداث التاريخية، ويعكس وجهة نظر "لورنس العرب"، ويحمل تجنياً وإساءةً لشخصيات وطنية وعربية.

ويؤكد كاتب العمل محمود الزيودي أن عودة أبو تايه علامة مميزة في تاريخ الأردن سواء أيام الغزو القبلي أو الثورة العربية الكبرى، وهو من أكثر فرسان العرب مغامرة، ففي إحدى غزواته خرج من الجفر إلى حلب ثم سنجار في العراق وعاد إلى الجفر في غزوة كانت مدتها ثلاثة أشهر. وفي الثورة العربية الكبرى خرج من الجفر إلى العقبة ومن ثم إلى دمشق طوال عام كامل من أعوام الثورة العربية الكبرى وهو المحرر الحقيقي للعقبة من الأتراك.

ويذهب الزيودي إلى أن "أبو تايه" من أكثر الذين ظلموا من الإعلام الغربي في فيلم لورنس العرب، عندما جسد دوره الممثل العالمي أنتوني كوين، وشوه صورته من خلال النص المكتوب له.
ويلفت الزيودي إلى أن عودة أبو تايه لم يتخل عن القتال والنضال حتى في أيامه الأخيرة في سبيل تحرير البلاد من المستعمر الجديد فرنسا وبريطانيا.
واستند الزيودي في كتابة نص "عودة أبو تايه" إلى مقابلات شخصية مع العين الراحل محمد عودة أبو تايه في العام 1974 عندما تم تكليفه من قبل إحدى المؤسسات لكتابة فيلم عن شخصيته، ثم توقفت المؤسسة عن العمل، والعين د. فواز محمد أبو تايه، الذي كانت رسالة تخرجه الجامعية عن عودة أبو تايه، إلى جانب قراءة جميع الكتب التي تناولت الثورة العربية الكبرى لكتاب عرب وأجانب.

بالإضافة إلى كتاب صدر حديثا للباحث مايكل أشر وزوجته اللذين قاما بإعداد برنامج تلفزيوني وثائقي عن لورنس من إنتاج القناة البريطانية الرابعة، وتتبعا فيه آثار لورنس وفضح أكاذيبه التي وردت في كتاب أعمدة الحكمة السبعة، إلى جانب مقابلات شخصية مع الجيل الرابع من أحفاد عودة أبو تايه. يقول الزيودي "كما أنني أنا لست غريبا عن الحويطات، فخدمت جنديا في الجفر، وسمعت الكثير عن حياة وطباع عودة أبو تايه".

ويطرح العمل شخصية أبو تايه المغامر من الطراز الفريد المتحلي بأخلاق الفرسان ونبلهم، ويصور علاقته السيئة مع الأتراك لفساد إدارتهم، وفي المقابل علاقته مع كبار شيوخ بلاد الشام مثل النوري ابن شعلان، وغضبان ابن رمال ومثقال الفايز، ويقدم شخصيات حقيقية كانت لأبو تايه علاقة مباشرة معها وعلى رأسهم المغفور له الملك المؤسس عبد الله بن الحسين، ومن الشخصيات: مثقال الفايز وعبد الله الخطيب وسالم القيسي وفريدرك بيك باشا ورشيد طليع وفؤاد سليم ومظهر أرسلان، وكذلك المناضل العربي المعروف إبراهيم هنانو الذي كان سببا في ثورة عودة على الاستعمار الإنجليزي في تلك الفترة.

ويصور العمل الدرامي كذلك أول سجينات سياسيات في الشرق الأوسط، وهما الكركيتان بندر ومشخص المجالي اللتان جرى سجنهما في معان بعد ثورة الكرك في العام 1910 وكان لأبناء معان والحويطات جهد خاص في تخفيف ظروف السجن عليهما.

صعوبة مسلسلات السيرة الشخصية تتمثل في القصة. يبين مخرج العمل بسام المصري، وتقع على الكاتب والمخرج والمنتج مسؤولية التحقق والتوثيق الواقعي، وبخاصة أن التاريخ يكتبه أشخاص. ويشرح "كما أن مسلسلات السيرة الذاتية تحتاج إلى جهد إضافي فنحن هنا لا نؤرشف الشخصية الحقيقية، ونحاول أن نقدمها بعمل فني مؤرشف برؤية إبداعية ليصل إلى المشاهد".
ويشير إلى أن عودة أبو تايه كتبه الإنجليز بطريقتهم، والعرب بطريقتهم، ولابد من "التحقق للوصول إلى الحقيقة". ويزيد "لبلوغ الهدف قابلنا أشخاصا ما يزالون على قيد الحياة يعرفون تفاصيل هذه الشخصية".

وتتبع المصري، مخرج مسلسل نمر بن عدوان الذي عرض رمضان الماضي، مسيرة أبو تايه لاختيار أماكن ملائمة لتصوير العمل. وفي هذا السياق يقول: "واجهنا صعوبة في أن كثيرا من الأماكن التي تردد عليها هدمت أو أدخلت عليها المدنية، حاولنا البحث عن مكان يقترب من واقع الحياة آنذاك، بالاعتماد على مهندسين اختصاصيين".

وقام المصري ومدير الإنتاج ومهندس الديكور بجولات استطلاعية عدة في مناطق الجفر ووادي رم، والأزرق وعجلون وعمان ومادبا، وكل الأماكن التي تواجد فيها عودة أبو تايه وعاش فيها لمعرفة إن كانت صالحة لعمل ديكورات فيها، وبخاصة أن حركة أبو تايه في خارطة التاريخ بدأت من المدينة المنورة إلى الأستانة شمالا إلى مصر غربا إلى العراق شرقا.
ويصور العمل، وفق المصري، نشأة عودة أبو تايه وطفولته وعلاقة عشيرة الحويطات بالجنوب ومنطق الغزو السائد في تلك الفترة باعتباره مقياس الشجاعة، ودوره في تطور شخصية عودة. وكذلك الجانب الإنساني في عودة إذ كان حاميا للضعفاء والهاربين من المثقفين في بلاد الشام من المقصلة العثمانية.

ويردف "تميزت شخصية بطل العمل بالقسوة على الأعداء والقلب الحنون على أبناء القبيلة والضعفاء، وعرف بـ "مجوز العزبان" بين أفراد عشيرته إضافة إلى كرمه، تناولت كل هذه التفاصيل في العمل وتطرقت لمعاملته لخدمه وعبيده، إذ كان يعتبرهم من أهل البيت، وتعامله مع زوجاته، ولم نغفل الجانب الفكري في شخصيته".
والمسلسل من بطولة منذر رياحنة، ويضم نخبة من نجوم الدراما البدوية منهم: نادرة عمران، قمر خلف، نبيل المشيني، سهيل الجباعي، عثمان الشمايلة وسعد الدين عطية.