أقصد بالأُجراء جمع أجير (الذي يعمل لقاء أجرة متفق عليها) وأحيي خطيب جُمعة في أحد مساجد الرياض، وتمنيت أن يسمع خُطبته كل الناس، فقد تناول مأساة إنسانية معاصرة، وعالجها بأدلة وشواهد تنكر تصرفات أولئك، الذين اعتادوا على عدم إعطاء أجرائهم مرتباتهم، خارجين بذلك على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» أي «ينشف لأن أجره عمالة جسده».
ومن الملاحظ أن هناك أقلية في هذا المجتمع، تؤخر مرتبات أجرائهم شهوراً عديدة، أو تحملهم ما لا يطيقون، أو ترهقهم بالعمل طوال اليوم، أو تسيء معاملتهم، أو تتعمد إهانتهم، وهذه المآسي تُرتكب دون مخافة من الله، أو حياء منه، وكلها تدخل في باب الظلم، و«الظلم ظلمات يوم القيامة» ولو سألت أحدهم: أتقبل أن يتأخر راتبك خمسة أو ستة أيام؟ فسيقول لك: لا.. لا أقبل، فكيف يقبله لإنسان ما أتى إلى هنا، إلا لكي يطعم أسرته من عرق جبينه.
وبشكل مواز هناك أكثرية يتفادون تأخير مرتبات أجرائهم، ويعاملونهم باحترام، ولا يعاملونهم بقسوة، أو بفظاظة في القول، أو بغلاظة في العمل، بل تراهم يعاملونهم بعدم التكبر عليهم، حتى إذا احتاجوا إلى عمليات جراحية، دفعوا عنهم تكاليفها.
المؤخرون دفع أجور أجرائهم، والمماطلون في دفعها، والآكلون حقوقهم بغير حق، ينبغي أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا، وإلا فسيكونون من خصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فقد قال: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة» من بينهم «رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه» ومن الكبائر التعنت في دفعها في الموعد المحدد، وهي دريهمات قلائل، لا تقاس بما أنعم الله على معظم المؤجرين من سعة في الأموال، والسعادة كل السعادة تكمن في إعطاء الأجراء أجورهم، قبل أن يمحق الله بركة هذا المال، الذي هو في أيدي المُؤجرين.
وإحساساً بمسؤوليتها دخلت اللجنة الوطنية للاستقدام بمجلس الغرف التجارية على الخط، فقررت تزويد وزارة العمل بأسماء، وأرقام بطاقات وهواتف أصحاب العمل، الذين ثبت إساءتهم للعمالة الوافدة، وليت هذا القرار شمل الأجراء في المنازل، فقد أضحت إساءة معاملات بعضهم اعتداء على الإنسان، وتهديداً للمستفيدين من خدماتهم، وتقويضاً لعلاقاتهم الإنسانية. ومن هنا ينبغي التذكير بأن أنظمة الدولة التي تعتمد على الشرع الحنيف وتستند إليه، تحمي الإنسان، وتحفظ له حقوقه وكرامته، وتقاوم من يعتدي عليها.
بقلم / بدربن احمد كريم