البطالة والانكماش قد يزدادان في الداخل (السعودية).. الشركات السعودية وبعض البنوك الكبرى تعلن عن خطة تقليص عدد من الموظفين، وإغلاق عدد من الفروع، وشركات كبرى تتوقف عن الزيادات والعلاوات، إذاً القوة الشرائية في طريقها إلى الانخفاض، وهذا هو باختصار الركود الاقتصادي.
في العام الماضي كنا نشتكي من عدم تشغيل الطاقات البشرية المعطلة في المجتمع السعودي، ونضع اللوم على المناهج والتدريب والقطاع الخاص، واليوم نخشى على المتبقي ممن يعملون بأن يخسروا وظائفهم وينضموا إلى فريق العاطلين.
هذه هي حالة الاقتصاد السعودي اليوم... وليست قدرات الاقتصاد السعودي نفسه، الحالة الاقتصادية هي مثل الحالة الجوية، يوم ممطر وآخر مشمس، وضع مؤقت يقيس سلامة الاقتصاد من وقت لآخر عبر مؤشرات مثل نسبة الاستثمارات والاستهلاك ونسبة البطالة والتضخم ترسم شكل الحالة، أما قدرات الاقتصاد فهي تحدد قدراته الكاملة عبر نوع انتاجه ونوع إنفاقه ومخزونه المالي، ومنها عبر هذه الهوامش يستطيع أن يتحرك ويغير الأوضاع... والاقتصاد السعودي يتغذى على انتاج المواد الأولية (النفط) بالتحديد واستيراد التقنية، ومؤسسة النقد غنية باحتياط نقدي كبير.
أعود إلى المواطن فهو وحدة المجتمع الأساسية، والدولة هي إدارة حماية وتنمية المجتمع، والمواطن هو استثمار الدولة الحقيقي..
لقد رفعت الدولة حجم إنفاقها وزادت مشاريعها وأخفضت مؤسسة النقد فوائدها المباشرة، وضخت للبنوك السيولة، ولكن رغم ذلك الإقراض بين البنوك والمواطن متواضع الكمية، وتلك المشاريع لم تنقذ الاقتصاد من وطأة الانكماش..
إذاً ما هي المشكلة؟ المشكلة في الأساس في طبيعة دخل الفرد السعودي، ذلك بأن زيادة دخله (الراتب) بسيطة ومحدودة إن وجدت لا تعينه على تكاليف الحياة، مما يجبره على الخوض فيما يُخشى، ولا يفقه من أسواق المال والعقار، التي غالباً ما خسر بها وزادت عليه وطأة الدين وتخيف البنوك من الإقراض، حتى رجال الأعمال بعضهم لا يجد ما يستثمر فيه... أخافني كثيراً في الرياض كثرة المراكز التجارية التي لا تختلف بين بعضها في السعر والجودة والمنتج مجرد ضخ مشاريع متكررة للأسف.
وأعود لأقول: في الأمس كان من يطالب لزيادة الدخل والرواتب؛ لمواجهة التضخم وهو فترة مؤقتة، ولكن ما أطالب به هو استراتيجية وآلية. ولكن السؤال هو: ما جدوى زيادة دخل المواطن والحفاظ على قدرته الاستهلاكية، إذا كان دخل الدولة غير مبني على إنتاج واستهلاك المواطن وهو قائم على النفط؟ الجواب: هو تنمية بديل النفط وبداية طرح ضرائب على المؤسسات العملاقة وشراء التقنية من الغرب...
اليوم ألمانيا تخون (الرباط المقدس) مع فرنسا لتشتري التقنية النووية من روسيا عبر شركة (سيامون) الألمانية. نمتلك السيولة فليس من الذكاء إضاعتها في سنوات الدين الأمريكي ذي التقنية، والاستثمار في الشركات التقنية الغربية بشرط حضورها للسعودية خير من ترك هيئة الاستثمار تطوف العالم لتقنع الغرب بالاستثمار، ونمو القطاعات جميعها لامتصاص البطالة، فالبطالة تحل عبر نمو القطاعات والشركات وليس عبر مطاردة الشركات حتى يولد بديل للنفط بين تلك القطاعات. كان أمر خادم الحرمين الشريفين بوضع خطة واستراتيجية صناعية.. ومن هنا نبدأ، وأضيف وأهمس في أذن المسؤولين الاقتصاديين بأن الاقتصاد السعودي لم يعد معزولاً أبداً عن الاقتصاد العالمي، علينا أن نراجع خططنا.
بقلم / مازن السديري