نعيش هذه الأيام موجة من التهكم والتعريض بالتاريخ الإسلامي وبالشخصيات الإسلامية .. تطل علينا مسلسلات تلفزيونية ومقالات صحفية ولقاءات إعلامية تنطلق من التهكم والافتراء وامتهان الشخصيات في التاريخ الإسلامي تحت مظلة المكاشفة والشفافية ومحاكمة الماضي... فشخصية مثل الصحابي وقائد الجيوش الإسلامية خالد بن الوليد رضي الله عنه تناولته الدراما السورية في بعض مشاهدها بما لا يليق ، وهو الذي له الفضل بعد الله في فتح بلاد الشام وهزيمة الروم والدولة البيزنطية، وله دور قيادي داخل الجزيرة العربية في توحيدها تحت لواء الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد حروب الردة التي كادت تعصف بالدولة الوليدة.
وخليفة مثل معاوية بن أبي سفيان تتناوله المقالات واللقاءات التلفزيونية بنوع من التعريض والانتقاص ويتهم بأنه اختطف الدولة وأسس لنفسه حكماً مستقلاً وورّث الخلافة من بعده لبني أمية ... وهو أي معاوية الذي أوجد دولة إسلامية في الشام حكمت معظم الشرق الأوسط ونشرت الإسلام ومدت الخلافة الإسلامية الحضارية والسياسية إلى مراكز الإمبراطورية الرومانية ورغم هذا المجد يأتي من يصنف وينتقص ويتهم معاوية بالشعوبية..
وخليفة عباسي مثل هارون الرشيد الذي مد حكمه وخلافته العربية والإسلامية من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي وسيطر على معظم أجزاء العالم القديم وحكم الشرق الأوسط الحالي والشرق الأوسط الجديد والكبير على حد تعبير الأمريكان ليضم معه الباكستان والهند وأجزاء من تركيا ومعظم آسيا جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وأجزاء من أوروبا والساحل الشرقي للمحيط الأطلسي، ورغم ذلك لا يذكر هؤلاء الكتّاب والإعلاميون هارون الرشيد إلا بالمجون والفسق والليالي الملاح...
والخليفة الأندلسي الذي أوجد خلافة أموية في أسبانيا الخليفة عبدالرحمن الداخل الذي اعترف خصومه العباسيون حينها بأنه صقر قريش حيث امتد حكم بني أمية للأندلس حوالي (5) قرون يوصف دائماً من كتاب وصحفيين عرب بأن حكم المسلمين لأسبانيا استعمار عربي واحتلال لأسبانيا، متناسين كيف كانت تأتينا الحملات الصليبية في القرن الخامس الهجري.
قد نقبل لو أن كتاب الدراما أو الصحفيين حققوا شيئاً للإسلام والتاريخ العربي، أو أن السياسيين في العالم الإسلامي أضافوا إلى خلافة الأمويين والعباسيين أو على أقل تقدير حافظوا على حدود العالم الإسلامي ولم يفرطوا بالأرض حتى وصلنا إلى آخر درجة بالسلم نزولاً وتطاولت علينا جميع الدول... وفي هذا الوقت الراهن يُنهش جسد العرب والمسلمين في لبنان وفلسطين والعراق والسودان والصومال وأفغانستان... والعرب مستمرون بالتهكمات والتقليل من تاريخنا الذي كان مشرقاً لنا ويريدون الآن اختطافه.
تدمير التاريخ الإسلامي وهدمه من الداخل تحت مبرر المكاشفة والمحاكمة الداخلية هو نوع من الفشل والعجز، فالذي ينتقم من التاريخ لأنه تاريخ هو مثقف فشل في تحقيق مشاريعه الإبداعية ليجد في جَلد التاريخ مخرجاً ومسكناً له. فالشرق الأوسط الحالي والشرق الأوسط الكبير والجديد هو كان فيما مضى الدولة الإسلامية، ومعاوية وخالد بن الوليد وهارون الرشيد وعبدالرحمن الداخل رضي الله عنهم جميعاً كانوا صنّاع هذا المجد العربي والإسلامي وهم حكام الشرق الأوسط الكبير والجديد.
بقلم د.عبدالعزيز جارالله الجارالله