الخميس 30, سبتمبر 2010
أمين بخيت الزهراني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
في عام 1427 هـ وعندما كنت موجوداً في جامعة عريقة في دولة عربية مجاورة ، حصلت اضطرابات ومصادمات بين مجموعات كبيرة من الطلبة .. نجم عنها إصابات ووفيات وتكسير للسيارات والمحلات .. مما أدى إلى تعليق الدوام وإخلاء القاعات الدراسية ودخول قوات مكافحة الشغب للمرة ليست الأولى إلى الحرم الجامعي .. لفض الاشتباك .. واعتقال مجموعة من الطلاب .. ثم جاء تحذير من منظمة اليونسكو العالمية بسحب الاعتراف من الجامعة في حال تكرر هذا الحدث .. حيث تمنع أنظمة المنظمة من تدخل قوات الأمن لأي حرم جامعي ..
وفي اليوم التالي تناولت الصحف الحدث .. وبعد التحقيقات تبين بأن سبب هذا الخلاف يرجع إلى قضايا تتعلق بالعرض والشرف ..! ولعل هذا ليس بمستغرب في جامعة قامت على نظام الاختلاط بين الجنسين منذ تأسيسها قبل قرابة الأربعين سنة .
وهذا الحادث ليس هو الوحيد بل هناك مئات من الحوادث التي تقع في تلك البيئات المختلطة .. ولكن تتحفظ الجهات الرسمية في البلدان العربية على الكثير منها .
**(( ماذا يعني هذا ؟))**
ولا أخفيك أيها القارئ الكريم بأنني منذ ذلك الحين وأنا أتساءل عن ذلك المجتمع والذي أُقحم في الاختلاط والانفتاح في جميع مناحي الحياة .. منذ أكثر من ستين سنة .. فهل يعقل بعد هذا كله أنه لا يزال يعاني من مشكلات الاختلاط ؟
ماذا يعني هذا ؟ ماذا يعني تكاثر جرائم الشرف في بعض البلدان المجاورة ؟
هل تعتبر تلك العراكات في تلك الجامعات ظاهرة صحية أم رجعية ؟
هل الخطأ في ذلك الشاب والشابة الذين اقترفا الخطيئة؟ أم في النظام المختلط الذي سهل لهم الخطيئة ؟ أم في الأسرة العربية والمسلمة التي جبلت على الغيرة على الشرف والعرض ؟
إنني أنقل هذا الخبر لأنبه الأصوات الإعلامية التي تراهن أن المسألة مسألة وقت وعادات وأن الحساسية من ذلك لا تلبث أن تزول في سنوات قليلة ..
لكن يا ترى هل ستون أو سبعون سنة من الاختلاط في تلك البلدان لم تكن كافية لتخفيف تلك الحساسية ؟ ..
الجواب : لا .
لماذا ؟ لأنك باختصار لن تستطيع أن تنزع الغيرة المتأصلة في العربي والمسلم ..
ولأنك لن تستطيع أن تنزع غريزة الشهوة التي تجري من ابن آدم مجرى الـــدم ..
إن تواتر هذه الحوادث في تلك البلدان التي لا تزال تعاني من عواقب الاختلاط .. يزيد إيماني بخطورة منزلق دعاة التحلل من القيم في بلادنا ..
**((من هم الرجعيون حقاً ؟))**
ولست أدري ؟
هل نريد أن نسمع أو نقرأ على صفحات الصحف السعودية عام 1480 هـ أن قوات مكافحة الشغب السعودي تدخلت في إحدى الجامعات لفض اشتباك صنعته فتاة ؟
وبالله في ذلك الحين . من يستحق أن نطلق عليه مسمى الرجعية ؟..
هل من ينادي بالاستفادة من تجارب الآخرين لنبدأ من حيث انتهى الآخرون ؟..
أم من يبدأ من حيث ابتدأ الآخرون لنتأخر عن ركب الحضارة خمسين سنة أخرى ؟ ..
**(( ماذا بعد الاختلاط ))**
إنني أتساءل !! .. في حال لو نجح التغريبيون بإقرار الاختلاط في كل مناحي الحياة لا سمح الله ..
فهل ستتوقف عجلة التطور في البلد لانشغال الجهات العليا بحل مشاكل الاختلاط؟
هل سنسمع بعد خمسين سنة انهماك مجلس الوزراء ومجلس الشورى والبلديات في إصدار أنظمة جديدة تحد من تحرش الدكاترة بالطالبات؟.. مثل ما يحصل في الأردن الذي يتعرض فيه 57% من الطالبات للتحرش الجنسي من قبل الدكاترة (الإسلام أون لاين ، طارق ديلواني)
أو كما صرح به الدكتور العوضي في برنامجه (القذائف) عام 2007 عن ظاهرة تحرش الدكاترة بالطالبات في الكويت .
هل يا ترى ستنعقد جلسات على أعلى مستوى أمني في البلد لدراسة تحرش الضباط بمن هم تحت أيدهم من المجندات كما يحصل في الجيش الأمريكي المتحضر.
هل سيكتشف منسوبي وزارة التعليم العالي عام 1480 ضعف التحصيل الدراسي في البيئات المختلطة كما اكتشفها بوش وساركوزي واللذان يشجعان على فتح المدارس غير المختلطة.
هل ستقترح منظمة حقوق الإنسان تدريب الطالبات على فنون الكاراتية في مدارس البنات لتدافع عن نفسها في حالات التحرش ..
لقد سمعنا كثيراً بأن المطاعم التي تعمل في الإسكانات الطلابية تحرص دائماً على اجتناب الأطعمة التي يعتقد أنها مثيرة للغريزة !! مراعاة للطلاب العزّاب .. رغم أنهم في جامعات غير مختلطة .. ولكن يا ترى ماذا سيصنع أصحاب المطاعم في الجامعات المختلطة؟ ..
حينئذ .. لا أستبعد من بعض الرجعيين في صحافتنا أن يطالبوا بتدخل وزارة الصحة لاقتراح لقاح لتخفيف الغيرة والشهوة في قلوب الشباب لتدجينهم ..
**(( أردموا الحفرة ))**
وفي هذه السياق أتذكر تلك الطرفة عن أقوام حمقى .. كان لديهم في القرية حفرة كبيرة تسببت في حوادث سيارات وإصابات .. وكان بعض المصابين يموتون قبل أن يصلوا إلى المستشفى البعيد عن الحفرة .. وبعد أشهر من المداولات تفتقت أذهانهم أخيراً عن حل جذري للمشكلة كما يعتقدون .. وفعلاً ابتدءوا العمل فأحضروا معداتهم وشاحناتهم بجوار الحفرة !! ولكن المفاجأة كانت أنهم لم يردموا الحفرة .. بل شيدوا مستشفى ضخماً بجوار الحفرة !!
**(( لست أفهم ))**
أعتذر إليك عزيزي القارئ عن هذا الأسلوب الساخر .. لكن صدقني أن الأمر مثير للسخرية ..
لست أفهم ما هي العلاقة بين التحضر والتحرر !!..
لست أفهم لماذا يكرر الاختلاطيون عبارة أن العلماء هم من يقف عقبة في ظل التحضر ..
أنني أتساءل ما هو معنى هذا الكلام ؟ هل منع العلماء من تعبيد الطرقات ؟ هل حرم العلماء بناء المساكن للعائلات ؟ هل حرم العلماء تطوير الصناعات ؟ هل وقف العلماء عقبة في إقامة شبكة القطارات ؟ هل أمر العلماء بالرشاوي في البلديات ؟
سبحان الله .. ومنذ قرابة الستين سنة والعلماء يقودون دفة تعليم المرأة في البلد حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ألآن .. ورغم ذلك لا يزالون يكررون مغالطة بأن العلماء يقفون ضد تعليم المرأة ..
عجيب أمر أولئك التغريبيون ! ما هي الحضارة التي يقصدونها ؟ فهل عدم اختلاط الرجال بالنساء في العمل والدراسة هو سبب تأخرنا ؟
هل لدينا عجز في اليد العاملة حتى نضطر إلى إقحام المرأة في كل شيء ؟
إنهم يسألوننا دائما عن سبب منعنا للاختلاط !!
ونحن نسألهم لماذا تحرصون أصلاً على الاختلاط ؟
ألن يستطيع أن يبتكر الشاب إلا عندما يقترب من فتاة ؟
ألن تنقدح الفكرة الإبداعية في رأس الفتاة إلا عندما تحتك بشاب ؟
وهل سبب تخلفنا في البلد هو عدم الانجراف خلف تيار التغريب ؟..
سبحان الله .. وبالله ماذا صنع التحرر في البلدان العربية التي سبقتنا إلى ذلك .. ماذا قدموا خلال العقود الماضية ؟ ما هو الإنجاز الذي صنعوه ؟
ليت بعض كتاب الأعمدة في صحافتنا لو يكلفوا أنفسهم لتقليب صفحات الجريدة التي يكتبون فيها ليقرؤوا مثل هذا الخبر الذي يفيد أن أكثر من 14% من النساء العاملات في الأردن يتعرضن للتحرش الجنسي ( جريدة الرياض، 10/10/ 1431هـ )
** ((المكر الليبرالـــــــــــــــــي )) **
إن أكبر مكر يدبره دعاة التغريب في البلد هو إقحامهم لأفكار تغريبية في بعض المشاريع التنموية في البلد بدون مبرر .. ليرتبط في أذهان الناس ارتباطاً شرطياً أن ذلك المشروع الحضاري الكبير لم يتم إلا بعد أن فرض الإختلاط والإنفلات ..
وإلا ما علاقة التقدم بتكوين فريق نسائي للقدم .. أو فتح المدرجات للمشجعات ؟ .. وهل المرأة الكاشيرة هي من سيقود اقتصاد البلد ؟ أليسوا يهينون المرأة بهذه المهن المهينة ؟
بل وصلت لمساتهم الغريبة إلى قرار تأنيث الصفوف الأولية لتغتال حلم شاب يبحث عن الوظيفة .. فتفلت جوراً من بين يديه لتذهب إلى فتاة لتزيد رصيد أبيها .. أو تضاعف راتب زوجها .. أو تزيد عدد وأرباح الأسواق النسائية ومحلات الحلويات ..
هكذا !! بدون مبرر .. سوى ترف تحرري ليكسروا إرادة المجتمع ..
وكأن مشاكل التعليم كلها مرهونة بهذا القرار .. ولسان حالهم يقول : نعم نحن نؤمن بأن هذا القرار ليس فيه مصلحة تعليمية أو اقتصادية ولا حتى تحررية ولكن يكفينا أنه تحت مسمى الإختلاط ..
**(( أســــــــاءوا الظن ))**
في حال لو نجحت مساعي التغريب في البلد لا سمح الله .. فإن المستقبل سيخبئ لنا أسئلة لن ترحم من أبنائنا وأحفادنا .. الذين سينقمون علينا انجرافنا مع التيار التغريبي بدون مبرر .. رغم إحاطتنا بتجارب البلدان المجاورة ..
لكننا نعتقد بأن دعاة التحرير قد أخطئوا الطريق .. وقد أساءوا الظن عندما يعتقدون بأنهم سيستطيعون الاستخفاف بالمجتمع كما نجح الأسبقون في بلاد أخرى ..
إن التاريخ يشهد بأن الغزو التغريبي قبل أكثر من سبعين سنة والذي جرف معه عشرات المجتمعات المسلمة .. ولكنه بالرغم من ذلك فإن الناس في هذا البلد المبارك استطاعوا – وبتوفيق من الله - أن يقاوموه بكل قوة .. رغم الجهل والفقر الذي كان .
وفي ظني أن المجتمع لدينا وصل ألآن إلى درجة من الوعي والإدراك تمنع التغريبيين من تحقيق مساعيهم ..
نعم .. وإن المجتمع الذي استطاع أن يكتشف حقيقة أقوام متلبسين بلبوس الدين - من إرهابيين أو طلاب منصب أو شهرة - لن يجد صعوبة في كشف هوية أقوام يصرحون بحربهم للدين .
ولكنها معركة بين الفضيلة والرذيلة .. ولا بد في كل معركة من ضحايا ..
اللهم اننا نعوذ لك أن نَضِلّ أو نُضَلّ أو نَزِلَّ أو نُزَلّ أو أن نَجهل أو أن يُجهل علينا ..
20/10/1431 هـ
أمين بخيت الزهراني
عام 1480 هـ
العرض العادي
