كان (التلغراف) أول طفرة اليكترونية كبيرة وصفها رئيس الوزراء البريطاني مركيز ساليسبري العام 1889م بأنها اكتشاف غريب وساحر ذو تأثير مباشر في الطبيعة والفعل الأخلاقيين والفكريين للبشرية حيث جمع كل البشرية على سطح واحد كبير، يُمكن لهم من خلاله رؤية كل شيء يجري وسماع كل شيء يقال والحكم على كل سياسة تتبع في اللحظة نفسها التي تحدث فيها هذه الأحداث. كتاب (التاريخ الاجتماعي للوسائط) تأليف آسا بريغز، بيتر بوك(2002) وفي جزء آخر من الكتاب ورد النص التالي: أعلن حاكم ملبورن أرغوس العام 1854أنه " بالنسبة الينا نحن المستعمرين القدامى الذين تركنا بريطانيا منذ وقت طويل نجد بهجة في التفكير بهذا الاختراع الذي يُمثل أفضل الاختراعات الحديثة ، فليس هناك شيء أكثر كمالاً من هذا الاختراع، وقد بدأنا بالفعل نتساءل هل بقي للأجيال اللاحقة ما تضيفه الى سجل انجازات العقل الانساني.؟؟ هيا نبدأ من الآن في نشر التلغراف الكهربائي".
ولأنني أكتب اليوم من خارج الوطن في صباح مبكّر وبعد أن فشلت في الدخول إلى عالم الانترنت لأقرأ بريدي أولاً ثم المرور على الصحف بداية بجريدتنا (الرياض) شرد ذهني وأنا أقرأ هذا الكلام إلى الماضي القريب إلى عصر عشته طفلاً مع جيلي حين باغتنا ذلك الصندوق السحري (التلفزيون) الذي كان أوّل خطوة فاعلة نقلتنا من حيّز التلقي المحلي الى فضاء واسع ومتنوّع من المعرفة والأخبار وربما قال مثل هذا الكلام آباؤنا عن (الراديو) وأكيد قد قاله أجدادنا أيضا عن البرقيّة أو (التلغراف) ولكننا فيما يبدو أكثر حظّاً منهم حين امتد بنا العُمر لنقف على أعتاب الانترنت المُدهش ذلك الاختراع (إن صح التعبير) الذي أُعتُبر ثورة حقيقيّة في عالم الاتصال والوسائط ومع هذا فهل هناك من سيقول ( هل بقي للأجيال اللاحقة ما تضيفه إلى سجل إنجازات العقل الانساني) كما تساءل حاكم ملبورن قبل أكثر من قرن ونصف وهو مدهوش بالتلغراف.؟؟ قطعاً لا بد أن هناك مُدهشات قادمات لن يتصورها العقل البشري ، إنما السؤال أين نحن من كل هذا وأقصد بنحن العقل العربي ما هو حجم مشاركاتنا في مثل تلك الاختراعات؟؟ اعتقد والله أعلم أننا قد اكتفينا بالدُعاء على المخالفين بتشتيت الشمل وشلّ الأركان في الوقت الذي نتنعّم فيه بمخترعات عقولهم ..! شيء يدعو للشفقة أليس كذلك..؟؟
بقلم / عبد الله ابراهيم الكعيد