الموقف العدائي الذي تعرض له الشيخ الدكتور أحمد الغامدي قبل أسابيع، وذلك إثر قوله بجواز كشف المرأة وجهها وظهور زوجته إلى جانبه سافرة الوجه في أحد البرامج الفضائية، يعد أوضح ما يعبر عن أزمتنا الثقافية التي نعاني منها، وأعني بها عدم الرضا بأن يكون مع الرأي الذي نعتنقه رأي آخر يخالفه. وفي ظني أن المسؤولية في هذا تقع كاملة على أصحاب الفضيلة من العلماء والدعاة وطلبة العلم، فالناس عامة يقتدون بعلمائهم وأئمتهم، إن وجدوهم يتقبلون الرأي المختلف برضا وتسامح، تبعوهم في ذلك وفعلوا مثل فعلهم، وإن رأوهم يحاربون المختلف عنهم ويناصبون صاحبه الكراهية والعداء بادروا إلى الاقتداء بهم وانضموا إلى حزبهم وربما فاقوهم في شراسة العداوة.
وفي حادثة الشيخ الغامدي، انطلق بعض من الدعاة وطلبة العلم ينكرون عليه قوله بجواز كشف المرأة لوجهها، رغم أنهم يعلمون أنه لم يبتدع هذا القول، وإنما هو متبع لمن قال به من كبار علماء السلف من المفسرين والمحدثين، ثم إنهم لم يكتفوا بالإنكار عليه فحسب، وإنما مضوا إلى التوغل فيما هو أسوأ، مثل الطعن في خلقه وعلمه وتحريض العامة ضده بالترويج لأفكار ومفاهيم بعيدة عن التسامح المعروف في الدين، مدفوعين بغاية وحيدة أعمت بصائرهم، هي أن لا يسود في المجتمع سوى الرأي الذي يقولون به ويرون أنه الأصوب.
إن بلادنا، في هذه الأيام، تمر بمرحلة حرجة، حيث يتربص بها الأعداء من كل جانب، وتشتعل الفتن من حولها تترصد الثغرات للتسلل منها وتدمير الأمن والسلام فيها، وفي مثل هذه الظروف السياسية العسيرة والمعقدة، كان المرجو من أصحاب الفضيلة أن ينأوا عن تأليب الناس ضد بعضهم بعضا، فيقفوا جميعهم موقفا إيجابيا يقرب بين الناس ويعلمهم التسامح وقبول الاختلاف، وأن يبادروا إلى طمأنة المنكرين على الغامدي، فيذكروهم أن فعله لا يخالف نصا قطعيا في القرآن ولا في السنة، هو مجرد اتباع لرؤية اجتهادية رآها قبله بعض من علماء السلف. لكنهم لم يفعلوا، بل إن بعضا منهم اختاروا الانضمام إلى جبهة المنكرين، فأضافوا بفعلهم ذاك وقودا جديدا لنار الخلاف، وجعلوا من أنفسهم شركاء في تعميق التعصب للرأي والنفخ على نار الكراهية للمخالف، وما لهذا يطلب العلم وينتخى بالعلماء!!
عزيزة المانع
عكاظ
أصحاب الفضيلة .. بكم نقتدي!!
العرض العادي
