يلاحظ في السنوات الأخيرة ولع بعض الناس خصوصاً الشابات والشباب بأخذ الصور لأنفسهم ونشرها أو تبادلها مع الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهم في المطاعم أو خلال جلساتهم أو أثناء سفرهم وتنقلاتهم، فتجد الواحد منهم يصور بكاميرا جواله كل ماتقع عليه عينه من مشاهد حتى ولو لم تكن ذات أهمية ويرسلها للآخرين، وترسل مع الصور أحياناً رسائل أو توضيحات لجذب اهتمام الآخرين أو لإشراكهم في اللقطة أو الموقف، كما أن هناك موضة منتشرة مؤخراً وهي تصوير أطباق الطعام في البيوت أو المطاعم وإشراك الكل في رؤيتها، حتى أن بعض أفراد العائلة ينزعج من استيقافهم عن البدء بتناول الطعام لأخذ صور لكل طبق وللمائدة من جميع النواحي، ثم الانشغال بعد ذلك بتتبع الردود والتعليقات التي ترد على الجوال مما يشعرهم بالمتعة ويعطيهم إحساساً بالتميز.
هذا الاتجاه أصبح عالمياً وملفتاً للانتباه ومستنكراً في كل المجتمعات، فالحرص الشديد على توثيق الصور والأحداث والمناسبات عادة شاعت بين الأجيال الجديدة حتى امتلأت مواقع الإنترنت بصور لا قيمة لها.
في مشهد من أحد المسلسلات الأميركية، يتساءل الأب عندما رأى ابنته منهمكة بالتقاط صور لنفسها: «ماقصة هذا الجيل مع التصوير؟ نيل أرمسترونغ (رائد الفضاء) التقط لنفسه خمس صور فقط وهو على ظهر القمر!»
من ناحية أخرى لاحظ بعض أطباء التجميل في الغرب ارتفاع الطلب على إجراء الجراحات التجميلية ويبدو أن ذلك أتى نتيجة للإحساس بعدم الرضا عن المظهر الخارجي عند بعض الأشخاص المهووسين بتصوير أنفسهم، بمعنى آخر تسبب ما يعرف بصناعة (سيلفي) في تخفيض ثقة بعض الشابات والشباب في أنفسهم، وساهم في الوقت نفسه بتعزيز صناعة الجراحة التجميلية.
يفسر أحياناً هذا الهوس بالتصوير الذاتي ونشر الصور على أنه حالة من الفراغ الفكري والروحي، أو حالة من الاستغراق بالذات، ورغبة في جذب الانتباه والحصول على إعجاب وثناء الآخرين، وسواء كانت النتيجة هي الشعور بالثقة والتي قد تكون زائفة أحياناً، أو الإحساس بعدم الثقة فإن الإدمان على هذه العادة له مردوده السلبي على حياة الشخص.
ومع أن البعض يرى أن المشكلة ليست بهذا الحجم، ولا بأس من إشراك الآخرين عن طريق الصور طالما أنه يسلي ويجلب السعادة ويوطد العلاقات، إلا أنه من الضروري توجيه الاهتمام إلى استخدام أي تقنية حديثة بتوازن وتعقل مع مراعاة خصوصية الأفراد وراحتهم، بما فيها الواتس آب الذي أصبح عند فئة من المجتمع مصدراً للثقافة الدينية، وللأخبار والمعلومات الطبية المغلوطة، ووسيلة لبث الإشاعات والخرافات والأكاذيب والفضائح، مع العمل على غرس قيم الجمال الحقيقي في نفوس البنات والأبناء، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتوجيه أنظارهم إلى ما هو أهم في الحياة.
سهام عبدالله الشارخ
جريدة الرياض