طويل و بيضاء ؟؟؟

سألوا السعوديين والسعوديات في سؤال اليوم: كيف تفضل (ين) أن يكون شريك حياتك؟ وجاءت الإجابات على غير ما تمنيت شخصيا. فأنا قصير ودميم وتندفع كرشي إلى الأمام قليلا. وإذا نظرتَ أو نظرتِ إلي من كل الجهات حمدت الله الذي كفاك شر الارتباط بي. كل بضاعتي، كما يشهد لي بعض المجروحين في شهادتهم، أنني مثقف نوعا ما وأنني نهم في القراءة والتفكر والتدبر. وهذه صفات لم ترد في إجابات سؤال اليوم المذكور.

البنات في إجاباتهن يبحثن عن الطويل الناعم ولا مانع أن يهفهف شعره على جبينه مثل وائل كفوري أو تكون له بسمة عمرو دياب. والأولاد طلبوا الطويلة البيضاء، لا أدري ما هو سر البياض والطول في هواجس الشباب، وتمنوا لو يستيقظون على شريكة حياة لها قوام نانسي عجرم وعيون هيفاء وهبي.


فتشت في كل إجابات ضيوف السؤال فلم أعثر على من يطلب مثقفة أو تطلب مثقفا. وهذا يعني أن بضاعتي أنا وأمثالي بائرة في هذا الزمان. وكان، ربما، يجب أن نعيش في عصر المأمون بدل عصر وائل وعمرو، لنظفر بذوات الحسن والجمال، حيث كان للأدب والشعر شنة ورنة يسمع بها القاصي والداني من بغداد إلى المدينة.

وفي عهد سبق عهد المأمون كانت بعض النساء، والرواية على ذمة أبي الفرج الأصفهاني، يعتمرن أو يحججن ليلتقين أرق شعراء عصره وأبلغهم عمر بن أبي ربيعة، الذي هلك في البحر بعد أن نفاه عمر بن عبدالعزيز، لتشبيبه بالنساء، إلى دهلك. ودهلك لمن لا يعرفها هي جزيرة في بحر اليمن وهي مرسى بين بلاد اليمن والحبشة. بلدة ضيقة حرجة حارة كان بنو أمية اذا سخطوا على أحد نفوه إليها. وقال عنها الشاعر: أقبح بدهلك من بلدة فكل امرئ حل بها هالك.

إذن هلك ابن عمي ابن أبي ربيعة من مطاردة النساء. لا فرق إن طاردهن أو طاردنه، فالمهم أن الشاعر عند جداتنا كان يوزن بالذهب، حتى إذا سُئلت إحداهن عن ما قض مضجعها البارحة قالت أتاني ابن أبي ربيعة في الحلم وحدثني وأبدى إعجابه بجدايلي وكحل عيني وبقايا الحنا في أطراف أصابعي.

الآن مات الشاعر أو يكاد وتوارى الإحساس بثقل الحرف والشعور لدى عامة النساء والرجال، حتى إذا صحونا على سؤال اليوم وجدنا مقاييس الرجال تندرج تحت قائمة من الكريمات والمحسنات الجسدية البديعية. أما مقاييس النساء فلم تتغير، فذلك الوصف العربي القديم لأجمل النساء وهي أطولهن إذا قامت وأعرضهن إذا جلست لا زال يقطر في أفواه الرجال العرب. أضافوا عليه البياض فقط ، لتبقى المرأة سجينة مواصفات الدمية. ماذا لو قرأت مقالة رائعة أو استمعت إلى بيت شعر مكتظ بالإحساس من قصيرة سمراء، هل ستبحث عن طويلة بيضاء لا تكاد تصنع جملة مفيدة أو غير مفيدة. وفقنا الله.
بقلم يوسف العصيمي