السلطة السياسية في النظام الإسلامي
مفهومها ، وأهميتها ، وحكم إيجادها ، وخصائصها 00د. أحمد العوضي
أستاذ مساعد في قسم الشريعة - كلية الآداب - جامعة مؤتة - الأردن
ملخص البحث
تبحث هذه الدراسة في السلطة السياسية في النظام الإسلامي ، فتوضح مفهوم السلطة في اللغة العربية ، والقرآن الكريم والسنة النبوية ، ومفهوم السلطة السياسية في الاصطلاح الوضعي .
كذلك ، توضح أهمية وجود السلطة السياسية في المجتمع ، وحكم إيجادها في المجتمع الإسلامي ، وأبرز خصائصها في النظام الإسلامي .
وقد تضمنت هذه الدراسة بيان أهم الاستنتاجات التي توصل إليها الباحث .
• • •
المقدمة :
لقد كثرت الدراسات في الفقه الدستوري الوضعي حول السلطة السياسية فبيَّنت مفهومها وأهميتها وخصائصها ، وذلك من جملة مباحث كثيرة تتشكل من مجموعها نظرية الدولة في الفقه الدستوري الوضعي .
ولعل السلطة السياسية في الإسلام لم تحظ بدراسات معاصرة متخصصة على غرار تلك الدراسات التي حظيت بها السلطة السياسية في الفقه الوضعي . وذلك على الرغم من الثروة الفقهية الرائعة التي تركها فقهاؤنا - رحمهم الله - ، في هذا الجانب ، من خلال بحوثهم المطولة في الإمامة ، التي شكلت أهم البحوث الرئيسية في كتب العقائد وعلم الكلام .
لذلك رأيت أن أخصص دراسة حول السلطة السياسية في الإسلام ، من حيث مفهومها وأهميتها وحكم إيجادها وخصائصها ، وأرجو أن تكون هذه الدراسة نافعة في مجالها ، غير خالية من جديد .
وقد جعلتها في خمسة مطالب وخاتمة ، على النحو الآتي :
المطلب الأول : مفهوم السلطة في اللغة العربية والقرآن والسنة .
المطلب الثاني : السلطة السياسية في الاصطلاح .
المطلب الثالث : أهمية السلطة السياسية العليا في المجتمع الإسلامي .
المطلب الرابع : حكم إيجاد السلطة السياسية في الإسلام .
المطلب الخامس : خصائص السلطة السياسية في الإسلام .
الخاتمة : وتشتمل على أبرز الاستنتاجات في هذه الدراسة .
المطلب الأول : مفهوم السلطة في اللغة والقرآن والسنة .
أولاً : السلطة في اللغة :
السلطة اسم من السلطان . والسلطان : الوالي ، وجمعه سلاطين . والسلطان : صاحب الحجة ، أو صاحب الشدة والحدة والسطوة ، أو صاحب القدرة . والسلطان : من السليط ، والسليط : ما يضاء به([1]) .
وبالرجوع إلى لسان العرب([2]) وتاج العروس([3]) وهما من أوسع معاجم اللغة ، وجدت أربعة معان اشتقت منها كلمة “ سلطان ” ، وهذه المعاني هي :
1 - الحجة والبرهان ، ولا يجمع بهذا المعنى ؛ لأنه يعامل معاملة المصدر . وسمي الخليفة سلطاناً لأنه ذو حجة بها تقتنع الرعية ، ولها تخضع .
2 - الشدة والحدة والسطوة ، فسلطان كل شيءٍ حدته وشدته وسطوته . وسمي الوالي سلطاناً ، لما يتمتع به من شدة وحدة وسطوة .
3 - القدرة ، فمن جعلت له قدرة ، فهو في اللغة ذو سلطان . كقولك : قد جعلت له سلطاناً على أخذ حقي من فلان : أي قدرة .
4 - السليط ، وهو ما يضاء به ، والسلطان ، كالمصباح يضيء الأرض ، ويستنير به الناس .
ويمكن القول أن حقيقة السلطة في اللغة القدرة والسطوة .
ثانياً : السلطة في القرآن الكريم :
لم ترد كلمة “ سلطة ” في القرآن الكريم ، ولكن ورد بعض مشتقات الفعل “ سَلَطَ ” من ذلك : الفعل الماضي “ سلِّط ” ، والفعل المضارع “ يسلِّط ” ، والاسم“ سلطان ” ، فوردت كلمة “ سلّط ” في الآية القرآنية الكريمة : { ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم }([4]) ، ولم ترد في غير هذا الموطن . ووردت كلمة “ يسلط ” في الآية القرآنية الكريمة: { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير }([5]) . ولم ترد في غير هذا الموطن ، ووردت كلمة “ سلطان ” في سبعة وثلاثين موطناً .
وبالرجوع إلى كتب التفسير وجدت للسلطان في القرآن الكريم معنيين :
الأول : الحجة القوية القاطعة ، وهي ما أطلق عليها القرآن “ برهاناً ” في عدة مواطن ، منها : قال تعالى : { تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }([6]) وقال تعالى : { أم اتخذوا من دون الله آلهة قل هاتوا برهانكم }([7]) .
وقد جاء هذا المعنى موافقاً للمعنى اللغوي ، من حيث كون القوة في الإثبات هي حقيقة الحجة .
ومن الآيات القرآنية التي ورد فيها لفظ السلطان بمعنى البرهان ما يأتي :
1 - قال تعالى : { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان }([8]) .
وقال تعالى : { ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين }([9]) .
وقال تعالى على لسان سليمان في توعده للهدهد { لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين }([10]) .
الثاني : القدرة القاهرة ، والقوة الغالبة ، أي السيطرة .
وجاء هذا المعنى الثاني موافقاً للمعنى اللغوي من حيث كون القوة المادية هي أبرز مظاهر السلطة .
وقد درج المفسرون على تفسير كلمة “ سلطان ” بالحجة ، ولكن في بعض الآيات فسرها بعض المفسرين بالقدرة والقوة ، دون أن ينكروا تفسيرها بالحجة ، فجعلوها تحتمل المعنيين ، فمن المواطن التي فسروا “ السلطان ” فيها “ بالقوة ” ما يأتي :
1 - قال تعالى : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً }([11]) .
قال الطبري : (( ... فقال بعضهم : معنى ذلك : واجعل لي مُلْكاً ناصراً ينصرني على من ناوأني وعزاً أقيم به دينك وأدفع به عنه من أراده بسوء .... وقال آخرون بل عنى بذلك حجة بيِّنة )) ([12]) وعدَّ القول الأول أولى الأقوال .
وقال ابن الجوزي : (( وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه التسليط على الكافرين بالسيف . والثاني : أنه الحجة البينة ... والثالث : المُلْك العزيز ، الذي يقهر به العصاة )) ([13]) وقال الزمخشري : (( غلبة وتسلطاً ، أو حجة واضحة )) ([14]) .
2 - وقال تعالى : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان }([15]) . أي بقوة تسيطرون بها على قوانين السماء والأرض وسمعتهما لتنفذوا منهما .
قال الزمخشري : (( يعني بقوة وقهر وغلبة ، وأنى لكم ذلك )) ([16]) .
وقال الرازي : (( لا تنفذون إلا بقوة ، وليس لكم قوة )) ([17]) .
وقال ابن عاشور : (( السلطان القدرة )) ([18]) .
3 - وقال تعالى على لسان من يؤتى يوم القيامة كتابه بشماله : { هلك عني سلطانية }([19]) .
قال الشوكاني : (( ... يعني سلطاني الذي في الدنيا ، أي الملك )) ([20]) .
وقال ابن عاشور : (( ومعنى هلاك السلطان هنا عدم الانتفاع به يومئذ ، فهو هلاك مجازي )) ([21]) .
وقال الطبري : (( ذهبت عني حجتي وضلت ، فلا حجة لي أحتج بها ... وقال آخرون: عنى بالسلطان في هذا الموضع الملك )) ([22]) ، يقصد القوة .
فتدل أقوال المفسرين السابقة على أن لفظ “ السلطان ” ورد في القرآن بمعنى القوة ، وعلى القول الآخر من أقوال المفسرين بأن السلطان في القرآن الحجة والبرهان ، نقول أن الحجة والبرهان سُمِّيا كذلك لقوة دلالتهما في الإثبات ، فمرجع معنى كلمة السلطان في القرآن إلى القوة والشدة . وقد سبق أن السلطة لغة مشتقة من السلطان ، فتكون السلطة واردة في القرآن بمعناها وهو القدرة والسيطرة .
ثالثاً : السلطة في السنة النبوية :
ورد لفظ “ السلطان ” في السنة النبوية بمعنى الإمام . والبيت والحجة ، فمن ذلك :
1 - قول النبي ش : (( من خرج عن السلطان شبراً مات ميتة الجاهلية )) ([23]) والسلطان هنا ظاهر في أن معناه الإمام : وقد أطلق الحنفية لقب “ السلطان ” على “ الوالي الذي لا والي فوقه ” ([24]) ، والبعض أطلقه على من تحت سلطته ملوك([25]) فيكون السلطان في السنة النبوية وارداً بمعنى صاحب السلطة العليا في الدولة .
ونحن هنا نميز بين مصطلح السلطة العليا في الدولة ومصطلح السيادة ، فإن السيادة هي الاختصاص بالأمر والنهي اللذين لا يعارضان ، وهي في الإسلام لله وحده ، بينما السلطة في الإسلام للأمة .
2 - عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ش : (( ولا يومنَّ الرجل الرجل في سلطانه )) ([26]) .
قال البغوي : (( “ سلطانه ” هنا معناها “ بيته ” )) ([27]) .
3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ش : (( صاحب الدين له سلطان على صاحبه حتى يقضيه )) ([28]) . والسلطان هنا معناها “ الحجة ” .
000
يتبع 2
المطلب الثاني : السلطة السياسية في الاصطلاح :
