رئيس التحرير الأستاذ/ تركي بن عبدالله السديري كتب يوم الأربعاء قبل الماضي في العدد رقم 14618من هذه الجريدة مقالة جميلة جدا بعنوان (في السويد عرفت أن الوعي هو الغاية الأصعب) وذلك على اثر الزيارة الرسمية التي قام بها مؤخرا الى السويد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض..
المقالة ومن عنوانها ومضمونها تتحدث عن الوعي الذي أوصل هذه الدولة وغيرها من الدول الغربية إلى التقدم الحضاري والصناعي المذهل والمتطور يوما بعد آخر والذي يشاهده ويتحسر عليه كل عربي وكل مسلم يزور هذه الدول..
وقد جاء في تلك المقالة "... من المعلومات المذهلة عن هؤلاء المتقدمين حضارياً وصناعياً واقتصادياً أن 74% من السكان لا يستخدمون السيارات الخاصة، ولكنهم يستخدمون المواصلات العامة لتفادي ازدحامات السير ومخاطره، ولتسريع تحركات التنقل بين مكان وآخر.. لكن من يقنع عربياً بأن يذهب من حي إلى آخر بواسطة أتوبيس نقل عام.. إن أي أحد في حياتنا القديمة أو الجديدة لو شاهد رجل أعمال كبيراً بين ركاب النقل العام لأعلن بأنه "طاح من عينه"..."
هنا اختلف كليا مع ابو عبدالله عندما قال (لكن من يقنع عربيا بان يذهب من حي إلى حي آخر بواسطة اتوبيس نقل عام.. إن أي أحد في حياتنا القديمة أو الجديدة لو شاهد رجل أعمال كبيراً بين ركاب النقل العام لأعلن بأنه (طاح من عينه). ففي بلادنا مثلا وهي جزء من الدول العربية فان المواطن السعودي والمسؤول السعودي ورجل الأعمال السعودي والشخصية الاجتماعية السعودية على استعداد تام بان نركب أتوبيس النقل العام في بلادنا من حي إلى آخر ومن المنزل إلى العمل في أي وقت اذا كان مستوى خدمة ونظافة ونظامية النقل العام بالمستوى الذي رآه في السويد ونراه في كل الدول المتحضرة الواعية؟؟
ولكن لو رأى سعادته ووقف على حال (خط البلدة) وهي السيارة الأبرز والأولى في النقل العام الحالية داخل المدن الرئيسية في بلادنا وهي الأتوبيسات ذات الموديلات المترهلة وشاهد حالها وحال من يقودها وحال نظافتها وفوضويتها في شوارع الرياض وجدة ومكة لو شاهد سعادتة كل ذلك لأدرك بما لايدع مجالا للشك ان المشكلة ليست في الأشخاص بقدر ماهي في من يصنع الخدمة؟؟!! فالاشخاص هم هم في الرياض وفي السويد وفي كل الدول ولكن الاختلاف هنا يكمن في مابين من يصنع الخدمة هنا ويصنعها هناك؟؟!!
استاذنا الفاضل.. الخدمة الجيدة والراقية والمحترمة هي عامل جذب للكل بدون استثناء ولاتحتاج إطلاقا إلى وسائل أقناع للآخرين باستخدامها والعكس صحيح جدا؟!! لذلك فالمواطن والمسؤول ورجل الأعمال ورجل الدولة في بلادنا نراه في السويد وفي باريس وفي لندن يركب وسيلة النقل العام ويركب القطار الأرضي مع عامة الناس لسبب واحد هو ان هذه الخدمة هناك تستحق فعلا من يستخدمها من الجميع لانها خدمة راقية ونظيفة وتحترم الراكب؟؟
المعضلة الأولى والاهم والتي تعيقنا عن الوصول إلى ذلك المستوى من الوعي ومن النظام ومن النظافة هي ان كافة المسؤولين الذين بيدهم التخطيط والقرار والتنفيذ والرقابة في أجهزة الدولة بعيدون جدا عن واقع مستوى هذه الخدمات استخداما ورقابة ومشاهدة؟؟!! لذلك ياتي التخطيط والتنفيذ والصيانة بمثل ما نراه من مستوى؟؟
هنا اقترح مثلا بان يلزم كافة مسؤولي وزارة النقل والمرور إجباريا باستخدام وسيلة النقل العام - خط البلدة - لمدة أسبوع كامل كل شهر؟؟ وان يلزم مسؤولو وزارة التربية والتعليم بتعليم أبنائهم في المدارس الحكومية ذات المباني المستأجرة في الأحياء الشعبية؟؟ ويسري ذلك على بقية اجهزة الخدمات؟؟ حينها سيدرك هؤلاء جزءا من حقيقة الواقع!!
اما الوعي الذي شاهدته السويد ونراه في تلك الدول هو ناتج طبيعي للعمل المخلص والجاد والمحترم وهو وعي نشأ في ظل أنظمة عقوبات ورقابة ومحاسبة صارمة وبعيده جدا عن كل صور المحسوبية والمجاملة حتى قدم هذا العمل للمجتمع مستوى راقياً من الخدمة والوعي!!
بقلم د/ عبد الرحمن بن عبد العزيز آل الشيخ