في أحد مستشفيات الرياض الحكومية كنتُ جالسة في غرفة الانتظار أنتظر دوري، لم تكن الغرفة على اتساعها ممتلئة على عكس ما عهدتها عليه ولست أدري هل هي دقة التنظيم وجودة الأداء أم أنها الإجازة الصيفية التي أتاحت للناس الهروب من صيف الرياض وشمسها المحرقة وتأجيل مراجعتهم وارتباطاتهم أصحاء كانوا أم مرضى.
في هذه الأثناء دخلت امرأة في الخمسينيات من عمرها وهي تذكر الله بصوت عال وتهلل وتطلب من النسوة اللاتي حولها أن يحذون حذوها لتطمئن قلوبهن وتهدأ فرددن حولها في خشوع وأصواتهن تتفاوت في علوها وتخفت شيئا فشيئا بعد أن توارت المرأة عن الأنظار وهي تتجه للباب الآخر.
مرت دقائق عادت بعدها تلك المرأة وصلت فرضها في خشوع ثم جلست على سجادتها بوقار وعدلت من وضعها وهي تتفرس النساء في فضول وتسألهن باهتمام عن أوجاعهن وعللهن اللاتي يشكين منها.
وكما هو معتاد انكبت النسوة يفضفضن عن ما بداخلهن ويحكين عن آلامهن والمرأة تشخص لهن عللهن بثقة الطبيب الفاهم الملم وتردد على أسماعهن قصصا مشابهة لقصصهن وكيف كانت معاناة أصحابها، حتى منّ الله عليهم بمن يدلهم على الدواء الشافي لعللهم، وكم كانت دهشتي وأنا أرى النسوة يلتففن حولها كما الفراش اليائس الباحث عن نقطة ضوء يسألنها عن هاتفها ومكان سكنها ليقصدنها لتدلهن على الطرق المناسبة لعلاجهن وهي تتلاعب بعواطفهن وتذكر الله في كل جملة ترددها وتشخص لكل امرأة علتها أو علة ابنتها أو أختها أو أي عزيز عليها ! وتصف أدوية غريبة وطرقا عجيبة للعلاج وبكل دهاء تصف نصف الوصفة ثم تتلاعب بالكلمات والمقادير حتى تعجز المرأة السائلة عن فهمها فتطلب منها الاتصال بها على رقم الهاتف الذي خصصته للرد على استفسارات المرضى اليائسين من بعد صلاة الفجر وحتى صلاة الظهر، والذي ترشد فيه من يهاتفها وتدله على طرق مجربة وفعالة لاحتواء أمراض وعلل مختلفة كأمراض السرطان والعقم ولمساعدة النساء على الإنجاب أو منع الإجهاض وللشفاء من آلام الرأس والصداع وغيرها من العلل التي سردتها أولئك النسوة على تلك المرأة المتطوعة لإنهاء آلام الناس وشفائهم والتي تروج لنشاطها داخل المستشفيات باعتبارها أكثر الأماكن ملاءمة لاصطياد اليائسين الباحثين عن الشفاء. وهي تدعي انها تفعل ذلك لوجه الله ولا تأخذ مالا عليه ولا أجرا ولا تطلب شيئا إلا الدعاء لها وطلب الرحمة لها والمغفرة!
تركت غرفة الانتظار والنساء كن لا يزلن حولها يستمعن لحديثها العذب الملغم بالأمل والوعود وعدت إلى غرفة الانتظار مرة أخرى بعد أكثر من ساعة والمرأة لا تزال في مكانها لم تبرحه توزع رقم هاتفها وتشخص علل نساء أخريات ولست أدري كيف يمكن لماء الورد أو الكادي أن يوقف نزف امرأة في بداية إجهاضها ولا غيرها من الوصفات التي لا يمكن أن يستوعبها عقل ولكنه جهل الناس وإصرارهم على التشبث بأي أمل حتى ولو كان كاذباً والإنصات للمدعين وتصديقهم مهما كانت دوافعهم، في عصر أثبت العلم فيه كلمته في علاج العلل العضوية أو التخفيف من عواقبها وآلامها. تراهم يستسلمون للوهم ويصدقونه ويعرّضون صحتهم وحياتهم للخطر بثقتهم الساذجة وتصديقهم لكل من ادعى خبرته في العلاج وحاول استدراجهم واستنزاف عواطفهم وربما أموالهم بوعود كاذبة يستعصي على أي عاقل أن يصدقها، لكنها نقطة ضعفنا كمجتمع والتي لم نحسن التخلص منها في ثقتنا العمياء، بكل من جعل الدين له زينة أو غطاء فلا نفكر ولو لحظة بحقيقة دوافعه أو صدق ما يدعيه. فحتى ولو روج لخزعبلاته ووصفاته السحرية في أكبر معاقل العلم تحصينا وأكثرها صدقا فإنه سيجد من يصغي له ويصدقه.
بقلم د . شروق الفواز