مضت مئات السنوات علي ما يطلق عليه العصور الوسطي، تلك الفترة التي عرف العالم فيها خاصة القارة الأوروبية كيف نجح رجال الدين المسيحي في حكم الشعوب،* وكتم أنفاسها،* وفرض استبدادهم وجبروتهم ووحشيتهم عليها بزعم أنهم جاءوا لإنقاذ هذه الشعوب من أخطائهم وخطاياهم التي نهاهم عنها سيدنا المسيح*!
فتحت هذا الزعم*.. أعاد رجال الدين بلادهم وشعوبهم إلي عصر الجاهلية،* وسكن الكهوف،* ولم* يكتف* الحاكمون بتجويع الشعوب وإذلالها وحرمانها من كل شيء وأي شيء حسبما* يري،* ويختار،* رجال الدين وإنما حرٌموا العلم والمعرفة ومنعوا الضحك لأن الشيطان وحده الذي* يضحك*!
وكان لابد من نهاية لهذا الظلم الذي فرضه المتطرفون من رجال الدين المسيحي،* وتمكنت الشعوب من استعادة حرياتها،* وحددت للكنيسة دورها في تعريف المؤمنين بالتعاليم السمحة لسيدنا المسيح،* الذي علمهم كيف* يكون العفو،* ونصح المعتدي عليه بأن* يدير للجاني خده الأيسر ليصفعه كما سبق وصفع الخد الأيمن،* وهو أي السيد المسيح أوقف الناس عندما هموا برجم خاطئة وصاح فيهم*: »من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر*«.
تحجيم رجال الدين وإلزامهم بنشر أصول دينهم السماوي،* وإرشاد الناس إلي تعاليم السيد المسيح،* ومنعهم من التدخل في الحكم*.. أنهي مآسي وجرائم ومذابح العصور الوسطي،* وبدأت الشعوب تقبل علي التعليم،* والمعرفة،* والانفتاح،* و*.. و*.. إلي آخر ما قاموا ووصلوا إليه من إنجازات واختراعات وابتكارات في كل مجالات العلوم،* والفنون،* والآداب حظيت وتحظي بها البشرية جمعاء،* اليوم،* وغدا،* وبعد* غد*.. ولم تكن مقصورة علي شعوب أوروبا وحدها*.
أهوال العصور الوسطي لم نعد نسمع عنها إلاٌ* في الكتب،* والأفلام*.. بعد أن زالت وانقضت منذ قرون عديدة ماضية*. ومن* يتذكرها في كتاب،* أو فيلم سينمائي،* أو حديث مع الآخرين كان* يتساءل عادة وفي كل مرة*: »كيف سمحت الشعوب في تلك العصور * بحكم هؤلاء المتطرفين والمستبدين والمبتكرين لأبشع وأفظع آلات التعذيب والانتقام في تاريخ البشرية؟*!«.
شعوب قارات الدنيا الخمس عرفت التقدم،* والازدهار والتحضر*.. بعد أن تخلصت من حكم التطرف واستبداد الجاهلية،* كما استفادت كثيرا* من معرفتها بحقائق أديانها،* وتعاليم أنبيائها،* فالتزمت بالتسامح والاعتدال واكتساب العلم والمعرفة*.. ونبذ التطرف،* والانغلاق،* والجهل*.
وللأسف الشديد*.. ابتليت الشعوب الإسلامية بمن* يريد إعادتها إلي تجربة الشعوب المسيحية التي عاشت أهوالها في العصور الوسطي*. حقيقة أن العديد من رجال الدين ولا أريد أن أسميهم*: علماء الدين * يريدون أن* يفرضوا علينا أفكارهم الغريبة،* وأحكامهم الأغرب،* ولا* يتحرجون من تكفير كل من* يختلف معهم،* ولا* يتورعون عن إصدار فتاوي تسمح بقتل من* يرفضون أحكامهم ويكشفون مزاعمهم*.. لكن حقيقة أيضا* أن الأغلبية العارفة بسماحة وعظمة الدين الإسلامي،* والعالمة أيضا* بصحيح أقوال وأحاديث الرسول الكريم،* لا تزال صامدة ضد هذا البعض من رجال الدين الذين* يهاجمون ليل نهار باقي الأديان السماوية الأخري،* وفي الوقت نفسه نجدهم* يحلمون بتكرار ما قام به المتطرفون من رجال الدين المسيحي في العصور الوسطي*!
لقد عانينا ولا نزال من هؤلاء الذين* ينادون بإظلام حياتنا أكثر مما هي قاتمة*! ويواصلون إطلاق* »فتاوي*« لا أول لها ولا آخر،* تجحرم الحلال،* وتجحلل الحرام*.. ما دام هذا وذاك* يساعدهم في تثبيت أقدامهم وتحقيق هدفهم في أن* يحكموا بلادهم كما سبق لأمثالهم حكمها خلال العصور الوسطي*!
الأمثلة علي ما أقول لا حصر لها*..
*
فالتطرف الأعمي* يكرر ضرباته الوحشية بمناسبة وبدون مناسبة،* وضحاياه في قارات الدنيا الخمس تتصدر مآسيهم نشرات الأخبار* يوميا*.
بقلم ابراهيم سعدة