الله جل وعلا أعطانا من فروق مؤهلات التميز ما لا يملكه مجتمع عربي آخر.. أو إسلامي آخر..
لكن الملك عبدالعزيز هو الذي وفر حضانة المواطنة من أبسط مواقعها حتى أعلى توحد في اتساع وجودها لهذا التميز والاستفادة منه..
عبدالعزيز أسس دولة مدنية توفر لها الاعتراف والتعامل الدولي، وهي الآتية من تشعبات قبلية وطائفية ومناطقية، ولعل الأكثر شراسة في وجودها السابق تقاطع خطوط القبلية الصلبة القاسية في كل مساراتها، ولم يكن عبدالعزيز يملك قوة عسكرية يحارب بها دولاً خاضت حربين عالميتين بأحدث أنواع السلاح بل وقسمت مناطق ما بعد الحرب حسب مصالح نفوذها فخرج عبدالعزيز بمرونة التداول وحنكة الرؤية إلى ميدان الاستقلالية كي يعلن وسط النفوذ الاستعماري المسيطر وقتها على كل شيء وحدة أول وجود عربي مستقل آنذاك، فيما كانت تتنادى الأحزاب والمنظمات السرية لتحرير كل المواقع من المحيط حتى الخليج، ولأن الإنجليز كانوا قد فرضوا في العالم حقيقة تمثيلهم للامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس فإن اختيار أمريكا - وهي القوة القادمة كشريك تعاون لاستخراج النفط - كان في الواقع حالة مواجهة ذكية لأي رغبات امتداد نفوذ يجزئ الجزيرة العربية..
لقد عرفت الجزيرة العربية الدولة الموحدة المعترف بها دولياً عبر وجود امتدادات الحدود الجغرافية وتبادل السفراء..
هذا دولياً واقتصادياً، وكانت الإضافة الإيجابية زعامة العالم الإسلامي بصيانة ورعاية مواقع الحج والعمرة وروحانية المدينة حيث عرفت أهم منطلق لنشر الإسلام، ومعروف أن علاقة الدولة بالحرمين الشريفين إنما كانت رعاية تطوير وتحديث وأمن عبر ميزانيات خاصة لم يطلها التراجع رغم اختلافات الأوضاع الاقتصادية..
لو أن بدوياً أو قروياً قيل له قبل سبعين عاماً إن حفيده سيأتي من أمريكا وهو طبيب ذائع الشهرة أو إن حفيدته ستكون عضو غرفة تجارية أو متخصصة أبحاث سرطان أو رئيسة تمثيل اقتصادي في بريطانيا أو أنه بواسطة وسائل علمية وليس عبر خطو الجمال سوف تحدد مدن صناعية هائلة.. لن يستوعب.. لن يفهم.. فهو وقتها لا يعرف معنى كلمة زبادي أو نعناع أو سمك.. وكان ألذ المذاقات عنده هو (قهوة حلو).. أي شاي.. رحم الله الملك عبدالعزيز فإن الله وقد أعطانا أهم ثروة عالمية ظلت مدفونة آلاف السنين تحت الأرض فهو مَنء صنع وحدتنا التي مكنتنا من الوصول إليها وتطوير اقتصاديات أخرى هائلة النتائج..
بقلم تركي بن عبد الله السديري