إلى وقــــت ليس بــــبعيد، كــــانت الدنــيا غــيــــر الدنيا، والـنــــاس غير الناس، عاشــــوا زمناً تــنـامـــــت فيه الفضــــائل، وتضــــاءلت الرذائل، تعـــاظم الصـــادقون، وندر الكاذبون، وقـــتها عرف الناس المعاني الجميلة واكــتـشـفــــوا بساطة الحياة وسهولتها، فلا صدامات ولا خلافات، فكانت ابتســـامــــات الرضا تضـــــيء محياهم، وتخلو قلــوبهم من الحقد والغيرة، منهجهم الصدق مدركين أنه منجاة، كما تيقنوا أن الكذب مهلكة، لا محالة.
ومع تغير الناس والأزمان، ازدحمت الدنيا بالكثير من الفتن، فأجبرت البعض على استخدام كل الأساليب مشروعة وغير مشروعة للحصول على أكبر قدر من الغنائم، ومهما كان الثمن، ولو بدون وجه حق، بالمراوغة، والخداع، والكثير من الكذب.
عز الصدق.. وصار الكذب السمة الغالبة، والملجأ من كل المآزق، والجالب لكل المنافع، لدرجة أنك تظل تبحث وتبحث حتى تدوخ لتصادف ولو لمرة واحدة شخصاً واحداً صادقاً..!
يســـرح الكــاذب ويمرح بين الناس، يكــــذب عليهم مــــرة، ثم مـــرة، ثــم مـــرة، ثـــم مليون مـــرة، ورغـــم هذا يصغون له للمرة الملــيـون وواحـــد، مــسـتـبـيـحـاً آذانــهـــم لمــمــارسة عـــادتـــه الموتــورة، عندمــا يجدهم يستسلمون لأحاديثه المــغلوطـــة، ويفسحــون له المجال لـلـتـمـادي في غيه دون أن يمنعـــه أو يردعـــه أو يوقــفـه أحد، مــسـتـمـرئـــاً فـعـلـتـــه، مصراً عليها، متوهماً أنه الأذكى، وكل من حوله على النقيض من ذلك!
يا ناس، يا جمــــاعـــة، تصدوا للكاذب، أوقفوه عند حده، قولوا له كفى، ارحمنا، أوجعت رؤوســـنا، مغصت بطوننا، أشغلت عقولنا، وشتتت أفكارنا، بل كدت أن تزلزل قناعاتنا، ألا تستحي، ألا تخاف الله، ألا ترتدع، ألم يصح ضميرك بعد، ألا تنظر في مرآتك فتخجل من نفسك، وتحتقر أفعالك وتشعر بضآلتك مهما كان حجمك، وقبْحك مهما كانت وسامتك؟
أيها المبدع، المتفـــنن، المتلون، دعنا نستشعر الصدق في العــيون، في المشاعر، في الحب، في الـــتـعـامـــــــل مع الآخـــر، دعنا نكتشـــف تلك الملامح التي غـــاب صفاؤها منذ زمن في زحمة أكــاذيبك التي لا تنتهي، دعنا نرى الابتســـــــامات تعـــود من جديد إلى الوجوه الـتـي شـــوهــتها، دعنا نــبـــتــهج بها، نفــرح بصدقــهــا الذي غمّ عــلـيــنــا لســـنوات وســنوات.
أيها الكاذب.. عد إلى سـابق إنســانــيـتك، واترك ما استجد عليك من خصال قد تــفـقـدك احترام الآخر، ناهيك عـــن احترامك لآدمـيتك.!
أيها العائد إلى أحضان الصــــدق.. هــــــــلـــــــــمّ نــســـــتــرجـــع ذكريات الزمن الجميل، فقط الـــذكـريات، طالما أنه من المستحيل أن يعود بنا الزمان.!