جريدة الرأي الاردنية : اللواء كاسب الجازي ..محاربون على اسوار القدس

خصصت جريدة الرأي الاردنية اليوم الاثنين 1-3-2010 صفحة كاملة في حديث مع اللواء الركن كاسب صفوق الجازي عن سيرة حياته المهنية وكانت بعنوان :

" محاربون على أسوار القدس "




طوبى لهم هؤلاء الذين ظاهروا على الحق، وجاهدوا على أسوار القدس واكناف القدس في حربي 1948 و 1967.
طوبى لهم أهلنا، فقد كانوا خرجوا من بيوتهم في اربد والرمثا ومعان والكرك والغور قاصدين الشهادة في أرض الرباط التي بارك الله فيها وحولها. استظلوا رايات الجيش العربي المصطفوي وسجلوا في تاريخ هذه الأمة فصولا من الضياء والغضب الساطع. منهم من فاز بالشهادة ومنهم من ينتظر ويحدثنا اليوم عن رحلته تلك، الى الجنة. يرحمه الله استاذنا الكبير سليمان عرار. فمن موقعه على رأس (الرأي) هذا المنبر الوطني العالي كان قالها (كلنا فلسطينيون من أجل فلسطين، وكلنا اردنيون من أجل الأردن). ومن هذا المنبر نفسه نستحضر اليوم وبالتفاصيل، ذكريات أهلنا الذين خاضوا في فلسطين، أرض التين والزيتون واولى القبلتين، حربي الدفاع عن بلد اليقين. فيهما سجلوا بطولات لم تأخذ حقها من التوثيق ومن الاضاءات الانسانية المجلّله بالفخر والثواب. في مثل هذا اليوم من كل اسبوع، ستكون لنا هنا إطلالة عزّ نستحضر فيها ذكريات أهلنا الذين شاركوا في حربي فلسطين 48 و 67 ... نجلس في حضرتهم ونستمع لهم ونجدد معهم أحاسيس البطولة في زمن نأمل ان لا يطول قحطه.



اللواء المتقاعد كاسب الجازي وكيل السرية الثالثة عشرفي الـ 48 وقائد لواء الأميرة عالية في الـ 68

اللواء « المر» يروي قصص البطولة للجيش الأردني في حي الشيخ جراح وباب الواد واللطرون



ملك يوسف التل -اللواء الركن، كاسب سـفوق الجازي، ولادته في العام 1928 في الجنوب في قرية الجربا لا يتذكر الغزو، لكنه يتذكر أن أول الوعي والعلم ارتسم على يد شيخ علمه القراءة والكتابة، ثم انتقل الى مدرسة الجفر وفي المدوره درس حتى الثالث الابتدائي ويتذكر معلمه فيها محمد العسلي.

من المفرق إلى العبدلي

عندما غادرت الى المفرق عام 1940 لم أكن قد اكملت الـ12عاما عندما سمعت ان هناك عملا في حفر الخنادق للجيش البريطاني فرغبت بالمشاركة ، وفي سن صغيرة ايضا من عام 1942 راجعت مقر القوات المسلحة الأردنية بهدف التسجيل في قواتنا الباسلة وكان قائد الجيش كلوب باشا، وعندما قابلته نظر الي نظرة أشعرني وكأنني ما زلت طفلا يحبو لكنه سرعان ما ادرك قوتي وتصميمي فأخبرني انه سيرسلني إلى إحدى المخافر لتمريني على القراءة والكتابة لمعرفة ارسال البرقيات وغير ذلك، قلت له : اريد أن أتجند في الجيش في الحال فهذه رغبتي ورغبة أهلي.وبالفعل دخلت مدرسة التدريب العسكري في العبدلي وكان يرأسها الشريف محمد هاشم، ونتيجه لتفوقي عينت مدربا للمشاة عندما اختاروا الأشخاص الذين كان تدريبهم جيدا ونشطين ليدربوا الذين سيلتحقون بالجيش، كنت من الذين تم اختيارهم فدربنا الجنود الجدد لغاية عام 1945.

فلسطين لأول مرة ؟

دخلنا فلسطين للمرة الاولى عام 1945-1946، كنت حينها ضابط صف «رقيب»، في السرية 13 التابعة للحامية الثانية. بداية كانت الحامية الأولى والثانية ، موجودتين في مناطق فلسطين ككل، وكانت سريتنا في عام 1946 موجودة في رفح وبعد عام تقريبا تحركنا إلى القدس.

الشوارع والطرقات المتفرعة كانت معروفة لديكم؟

طبعا وهي من الامور الهامة والضرورية وتعتبر من الاولويات في حالات الحرب خاصة ، ولأن وجودنا في المنطقة كان قبل الحرب بفترة فالطرقات كانت معروفة وواضحة من خلال الجولات التفقدية المستمرة في الاحياء اضافة لذلك كنا كلما حصلت مناوشات أو تحركات داخلية أو تعديات مختلفة بسبب التوتر المستمر بين المواطنين العرب والإسرائيليين كانوا يخبروننا أو تصلنا الاخبار بمكان الحادث فتتحرك القوة من عندنا اليهم هكذا كنا نستدل على الاماكن ونتعرف عليها.كان الجيش في ذلك الوقت يسيطر على المنطقة ويحل المشاكل التي تحدث، هذا كان قبل عام 1948. بعدها ذهبنا من رفح إلى القدس، فكانت السرية مسؤولة عن مناطق معينة في القدس القريبة من منطقة القدس الشرقية. وخلال سنة من وجودنا كان الإنجليز يسيطرون على المنطقة، فلم يحدث مشاكل رئيسية في تلك الفترة، إلا في مناطق معينة، وكان يحافظ عليها الجيش.
قبل تحرككم للجبهة الشرقية في الـ47 هل حصلت اشتباكات بينكم وبين العدو؟
كان يحصل ذلك كثيرا وفي اوقات متقطعة .
ومن اهم ما حصل قبل بداية الحرب وكان ذلك في الـ47 الهجوم على بعض القوافل اليهودية التي كانت تنقل الامدادات من تل ابيب الى القدس وقد اوقعوا بها خسائر جسيمة فقام اليهود بعد اقل من شهر بوضع سيارة محملة بالمتفجرات في شارع بمدينة يافا وفجروها فاحدثت اضرارا كبيرة وسقط شهداء وجرحى من العرب. وفي مطلع عام 48 اوقع العرب تفجيرات ضخمة في شارع « بن يهوذا» في القدس وهو مركز تجاري وقد سقط فيه اكثر من خمسين قتيلا وسبعين جريحا من اليهود وجاء ذلك ردا على تفجير سيارة ملغومة في سوق الرملة سقط على اثر هذا الهجوم عدد من الجرحى والشهداء من العرب اضافة لاضرار مالية كبيرة كما واحتلوا بعض القرى.
في القدس كانت تحصل حوادث كثيرة متفرقة. كان الاحتلال مسيطرا حتى 15/5.
في تلك الأيام كنت ضابط صف عندما انتقلت سريتنا لتكون في جسر المجامع وجسر الشيخ حسين وكنا نتدرب على الحواجز والأمور العسكرية الاخرى، كنا جاهزين، ونعلم بأنه سيحصل شيء اكبر. كان موقعنا في الشمال، جسر المجامع، جسر الشيخ حسين، تلك المنطقة أصبحت من نصيب القوات العراقية، وبقينا فيها إلى أن سلمناها للعراقيين.
ومن ثم؟
كنا في القدس عندما جاءتنا اوامر التحرك الى الضفة الشرقية وصلنا إلى عمان ومن ثم إلى الكتيبة الثانية شمالا وكان قائدها انجليزيا .مسؤولياتنا كانت الجسور بناء على التعليمات التي تلقيناها : جسر الشيخ حسين وجسر المجامع، فكان هناك فئتان في جسر المجامع وفئتان في جسر الشيخ حسين، وبقينا لغاية 14-15 أيار. وبعد انسحاب الانجليز صدرت أوامر بالذهاب إلى فلسطين والالتحاق بالجيش الاردني بعد تسليم جسر الشيخ حسين والمجامع الى العراقيين كما ذكرت. تحركنا رغم صعوبة الطرقات والتحقنا بالجيش الأردني وكانت محطتنا الأولى أريحا وبعدها إلى القدس وكانت الحرب دائرة. كان موقعنا في منطقة الشيخ جراح وهي جزء من القدس والقتال بيننا وبين العدو مستمرا بالسلاح الابيض والدبابات كنا «نشوف» الشهداء يسقطون أمامنا مما زاد من عزيمتنا وتصميمنا ..كانت مسؤوليتنا دار المغربي الموجودة في شمال شرقي القدس وكانت تتعرض الى هجمات متواصلة . مبدئيا كان المسؤول عن تلك المنطقة الملازم مهاوش مذيب من بني صخر والعريف علي عايض الجازي كانا يقومان باستعمال مدفع 2 انش وهما لاول مرة يستخدمان هذا النوع من السلاح, وجراء اطلاق طلقة من هذا المدفع التي اصابت جدار دار المغربي وتطايرت الحجارة منها فاصابت العريف علي الجازي باصابات استشهد على اثرها وجرح الملازم مهاوش واستلم مكانه المسؤولية الملازم ساري عوض الدراوشة الذي أوقع العديد من الهجمات على تلك المنطقة التي توجد فيها دار المغربي الا انها باءت بالفشل وبقيت بأيدينا حتى الهدنة الاولى.
واذكر ان قواتنا كانت تسيطر على الموقف, وكان على يسارنا الكتيبة الثالثة والتي كانت في القدس ووصلت إلى عمارة نوتردام الموجودة هناك، حيث تمكن جماعتنا من الوصول اليها وسيطروا على المنطقة وكانت المعنويات قوية. وبعد الهدنة الأولى جاء تسليح وتجهيز لليهود بشكل كبير جداً.
وبعد؟
المعركة في القدس كانت شديدة، والكتيبة الثالثة كانت موجودة في تلك المنطقة والقتال كان مستمرا بينها وبين اليهود، حتى عند وقف إطلاق النار بقيت المعركة دائرة بين الطرفين الا اننا استغللنا الوقت فأعدنا التنظيم والتدريب لكن بالنسبة للسلاح عندما جاءتنا الباخرة محملة بالذخيرة اوقفها المصريون -للأسف الشديد- ولم يسمحوا لها بالقدوم إلينا وبقينا في فلسطين وجها لوجه مع العدو حتى عام 1967.

لنبدأ من هنا.. من حزيران 67

قبل 5 حزيران بيوم واحد كان لواء الحسين بن علي في العقبة، كنت قائد كتيبة الأميرة بسمة وكانت القوات جاهزة ومستعدة للقتال وكان لزيارة الملك الحسين للقاهرة وتعيين الفريق عبدالمنعم رياض قائدا عاما للجبهة الأردنية وتوقيع اتفاقية الدفاع العربي المشترك كلها مؤشرات على ان الحرب وشيكة. كنا نريد ضرب إيلات، يوم الاثنين الأول من حزيران، لكن قائد اللواء سالم عواد النجادات نصحنا بالتأني كي نستبين الموقف العسكري العام. ومن ثم تم إعادة تنظيم الجيش، فقد شكلت فرقتين الحد الفاصل بينهما وادي الزرقاء، الأولى بقيادة مشهورالجازي، والثانية بقيادة عاطف المجالي، وقد حدثت تنقلات للضباط وكان نصيبي لواء الأميرة عاليه وكنت برتبة مقدم وكانت الفرقة الأولى مقسمة إلى ثلاثة محاور؛ محور العارضة بقيادة قاسم المعايطة، وادي شعيب بقيادتي، ومحورسويمه بقيادة بهجت المحيسن.

انتهت الحرب واستمر الاستنزاف..

نعم خلال فترة الـ67 إلى الـ68 كان هناك حرب الاستنزاف مستمرة بيننا وبين اليهود، وفيها قام اليهود بضرب منطقة الكرامة واستشهد فيها حوالي أربعة إلى ستة أشخاص، فعندما ذهبت هناك وجدت بأن الوضع مزعج، فجئت بفئة الدبابات وأخبرتهم قبل أن يظهر الضوء الأول يجب أن تكونوا على مخاضة أم الشرق وهي مخاضة موجودة على النهر، وفي الصباح حيث كانت عادة اليهود القيام بغرز الأعلام من جهتنا ويأتوا بخرائطهم ويبسطونها ارضا ويؤشروا علينا، فأخبرت جنودي انهم أول ما يروا اليهود فتحوا الخرائط ومدوا أياديهم اتجاهنا فعليكم بهم، وحينها قام جنودنا بضربهم تضايقوا واستنجدوا بسلاح الجو، ومجرد ان رأينا الطائرات قادمة إلينا وكان لدينا مدفع 40 مترا أخبرت القائد بالتحرك، وقام بضرب طائرة وأشعل النار بها فهبط الطيار منها فأجهز الجنود عليه وقتلوه فاتصل معي رئيس الأركان وأخبرني بأن نحافظ على الأسير الطيار، فأخبرته بأن الرعاة قتلوه قبل أن نصل إليه.وبقينا في موقعنا في وادي شعيب، وفي نفس المحور، حيث كانت كتائبي موزعة هناك، وكان قادة الكتائب رشيد فلاح ومحمد سعيد العجلوني وعبدالرحمن حامد جرادات.
اين كنت ساعة الهجوم في الـ68 وهل كنتم على استعدا لملاقات العدو جوا وبرا؟
اللقاء مع العدو كان محسوما وكنا على استعداد وشوق لملاقاته.. رتبنا دفاعاتنا وانفسنا والمعلومات عندنا واضحة فاستخباراتنا كانت على بينة تامة بكل تحركات العدو حتى لحظة الهجوم.
في 21/3/68 في الساعة الخامسة والنصف صباحا كنت في قيادتي عندما رن جرس الهاتف فتوقعت قبل رفع السماعة هجوم العدو، كان كل واحد منا على اهبة الاستعداد واذ بقائد قوة الحجاب يبلغني ان العدو يجتاز النهر وان القصف شديد جدا بين قوات العدو التي تعبر النهر وبين مراكزنا الامامية فتحركت فورا ومعي المقدم علاوي جراد من الدروع ومن المدفعية الرائد وليد الجندي . كانت الصورة أمامي واضحة جدا .تقدم العدو متجها الى الشرق نحو الشونة الجنوبية بهجوم رئيسي يقدر بلوائين مدرعين تساندهما مدفعية الميدان والمدفعية الثقيلة، وقبل وصول الهجوم الى الشونة الجنوبية انفصلت عنه مجموعتا قتال من الدروع والمشاة المنقولة ، اتجهت مجموعة نحو قرية الكرامة شمالا والاخرى نحو مثلث سويمة الرامة جنوبا .
كنت في لواء الأميرة عالية الذي كان مسؤولا عن بلدة الكرامة، وكان التركيز عليه في الهجوم . دوري كان في وادي شعيب وبلدة الكرامة من مسؤوليتي وكان الله معنا وأخذ بأيدينا. لقد قاتلت قواتنا بضراوة وعناد وبعد الساعة الحادية عشر طلبت اسرائيل وقف إطلاق النار لكن جلالة الملك وكان يرحمه الله قد اتصل معي بعد الساعة الحادية عشرة وسألني عن الموقف فطمأنته بأن الموقف في صالحنا والحمد لله .
نعم انتصرنا، المعركة كانت حامية جدا وكسبنا آليات من العدو، واحتفظنا بها لليوم الثاني حتى أخرجناها للعاصمة عمان. فالكرامة كانت فخرا للأردنيين وللعرب جميعاً، علماً بأن الجيش الأردني فقط هو الذي شارك وهو الذي استبسل وهو الذي انتصر بفضل الله.
تمنيت الشهادة؟
نعم، طلبت الشهادة من الله، وعندما حصلت معركة اللواء كنت مع الجنود وفي الأمام حيث كنت أحب أن أستشهد، وكان معي المقدم علاوي جراد نجادات، وفي الخندق كنا نواجه الدبابات، وأذكر أن دبابة قامت بإطلاق مدفعية علينا، ولولا زميلي دفشني لكنت قد استشهدت. وأيضاً كانت الطائرات تقصفنا.. ولله الحمد ان الله أكرمنا بالانتصار في معركة الكرامة، وأذكر أن وزير دفاع الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت قال بأن هذه المعركة ليست للأردن وإنما هي أعطت للعرب دورا في المستقبل.. كما واعترف قائد المجموعة الإسرائيلية بأن قتلاهم في حرب الكرامة كانت ثلاثة أضعاف قتلاهم في حرب الـ67.
من تتذكر من رفاق الصمود؟
كلهم في القلب والوجدان ..كلهم صمدوا واستبسلوا وفي بالي: مهاوش مذيب ونايل محمد الجازي وعايض الجازي وساري عوض الدرواشه وفارس محمد العبد وسلطان عليق العودات الجازي، وأولاد عمه سالم عوده الجازي ومذلول راعي الحصان الجازي وحتمل نهار العودات وسلطان عليق وعلي رفيفان ذيابات، وغيرهم ممن ناضل فاستشهد أو جرح على أرض القدس ارض فلسطين.
بصراحة.. هل سلبتك العسكرية
أجمل أيام حياتك بانتسابك اليها في سن12عاما؟
لا .. بل شعرت ان السنوات الـ 12 التي فاتتني قبل الانتساب للسلك العسكري هي التي انسلبت من حياتي دون ان افعل ما هو مفيد. كنت متحمسا منذ طفولتي للجندية ولو امكن للزمان ان يعود سأختار نفس المسار دون تردد ودون شطب اي مرحلة من مراحل حياتي التي قضيتها في السلك العسكري.
اللواء «المر» وهذا لقبه الذي عرف به للشدائد التي مرت عبر مسيرة حياته الحافلة بالعطاء والتضحية والتفاني يحمل أربعة اعلام هي: لواء الحرس الملكي الأول ولواء الأميرة عالية والفرقة الثالثة الملكية،وعهد اليه بتشكيل الفرقة الرابعة الملكية، وبعد تقاعده برتبة لواء عين عضوا في مجلس الملك الخاص وتعاقبت عضويته عدة مجالس ابان الاعوام 200و2001و2003.


اليكم الرابط http://alrai.com/pages.php?news_id=3...elect=ظƒط§ط³ط¨