يبدو أن هذه ال(وش رأيكم في فلان) هي أم المشاكل في بيئتنا الإدارية، وهذه ال(وش رأيكم في فلان) لمن لا يعرفها، هي مصطلح يردده المعنيون بتوظيف القيادات العليا في قطاعينا العام والخاص، حينما ينوون البحث عن شخص ما لشغل وظيفة معينة. يقوم هؤلاء بالالتفات على من حولهم، واستحضار بعض الأسماء، ثم السؤال عنها سؤالاً تحمل اجابته رأياً انطباعياً يأتي وفق ما يحمله صاحب ذلك الرأي من وجهة نظر عن الشخص المسئول عنه، حتى لو كانت وجهة النظر تلك مبنية على أمور لا علاقة لها بكفاءة وقدرة ذلك الشخص على القيام بأعباء الوظيفة المعنية. أقول إن هذه هي أم المشاكل، لأن صاحبنا الذي يأتي بهذه الطريقة يقوم بممارستها مع غيره ممن يحتاجهم مستقبلاً لشغل وظائف هامة في الجهاز الذي أسندت إليه إدارته. والنتيجة النهائية ان يكون كافة قياديي ومسئولي ذلك الجهاز جاءوا بهذه الطريقة التي لا تضمن، بطبيعة الحال، كفاءتهم وقدرتهم على ادارة دفة ذلك الجهاز، مما يؤدي إلى ضعف ذلك الجهاز وعدم قدرته على القيام بدوره على الوجه المطلوب.
إن القيادات الادارية في أي جهاز عام أو خاص، هي الركيزة الأساسية لتطوير ذلك الجهاز، وتوجيهه، لتحقيق أهدافه وتطلعات المستفيدين منه، كما انها في الوقت نفسه قد تكون العامل الرئيس في إضعاف ذلك الجهاز وعجزه عن تحقيق ما هو مطلوب منه. بل ان الأمر قد يتجاوز عجز الجهاز وعدم تمكينه من تحقيق الأهداف التي أُوجد من أجلها، إلى انتشار الفساد الاداري في ذلك الجهاز، والفساد الإداري، كما هو معروف، هو أساس انتشار الفساد المالي، حيث ان الأخير ينشأ عادة في بيئة إدارية فاسدة، وأسباب ايجاد مثل هذه البيئة يبدأ حينما يتم اختيار وتعيين أشخاص ليسوا أكفاء وغير قادرين على إدارة أجهزتهم بالأساليب والطرق الإدارية السليمة والصحيحة.
إن حسن ودقة اختيار القيادات العليا في أي جهاز حكومي أو خاص هما مربط الفرس كما يقال، فهذه القيادات، متى كانت كفؤة ولديها قدر من الخبرات والمعارف، كلما كانت أقدر على ادارة ذلك الجهاز ودفعه إلى تحقيق أهدافه. ان هذا يعني أهمية اختيار تلك القيادات بعيداً عن الأهواء الشخصية، والانطباعات العاطفية، والعلاقات المقصورة على عدد محدد من الأفراد، إذ لابد أن تكون معايير الكفاءة والخبرة والقدرة هي معايير الاختيار دون سواها، لأن من يأتي وفق هذه المعايير، سوف يمارسها مع مساعديه وأعوانه، ومتى كان الفريق القيادي للجهاز كفؤاً وقادراً، فثقوا أن كل ذلك الجهاز سيكون كفؤاً وقادراً على تحقيق أهدافه وإرضاء جمهور المتفاعلين معه، إذ ان ما يربط هذا الفريق، ليست علاقات المعرفة، أو الزمالة، أو القربى، وإنما الكفاءة والخبرة والقدرة على الأداء وتحقيق الأهداف، ومن خرج عن هذه الأخيرة فسوف يجد نفسه خارج الإطار الصحيح والمطلوب لإنجاح العمل.
بقلم د/محمد بن حمد الكثيري